العويس الثقافية توثق تاريخ التسجيلات الموسيقية في الإمارات

الباحث علي العبدان يسرد تاريخ التسجيلات الموسيقية وحركتها من المحيط المجاور مثل البحرين والهند والعراق وغيرها.
الأربعاء 2022/10/12
دبي عرفت الطرب الشعبي باكرا

دبي - نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مساء الاثنين العاشر من أكتوبر الجاري محاضرة فنية بعنوان "تاريخ التسجيلات الموسيقية في الإمارات – دبي فون نموذجا" للشاعر والباحث والناقد علي العبدان، حضرها الأمين العام للمؤسسة سعادة عبدالحميد أحمد والدكتورة فاطمة الصايغ عضو مجلس أمناء المؤسسة وجمهور نخبوي من متذوقي الفن وأصدقاء المؤسسة.

وسرد العبدان تاريخ التسجيلات الموسيقية وحركتها من المحيط المجاور مثل البحرين والهند والعراق وغيرها من الدول وعرج على أسماء مغنين ساهموا في الحركة الموسيقية منذ ذلك الوقت، كما عرض الباحث نماذج صوتية لأسطوانات طبعت أو وزعت قبل سبعين عاما، واستشهد بمقامات كانت منتشرة، وعرفها بشكل علمي، وقدمها عزفا على آلة العود.

قال العبدان في مستهل محاضرته إنه في أواخر الأربعينات قام كل من الوجيهين يوسف أحراري الخاجه وابن عمه زينل أحراري الخاجه بافتتاح محل لبيع الأسطوانات التجارية، وكان أول محل لاستيراد وبيع وتوزيع الأسطوانات الفنية في دبي ومنطقة الإمارات عموما، ثم أصبح المحل شركة لإنتاج الأسطوانات بدلا من الاكتفاء باستيرادها وتوزيعها.

وأضاف “من هنا أصبحت شركة ‘دبي فون‘ أول شركة وطنية لإصدار التسجيلات الفنية في دبي والإمارات، وقد استمر يوسف الخاجه في إدارة الشركة في حين تركها ابن عمه زينل الخاجه بعد مدة من العمل، وكانت الأسطوانات التجارية التي تبيعها وتوزعها الشركة لا تأتي إليها مباشرة، بل كانت ترد عن طريق البحرين، ولهذا كانت الشركة في بداياتها تتعامل مع بعض وكلاء شركة ‘غراموفون‘ من أصحاب التسجيلات في البحرين للسبب آنف الذكر، وعلى العموم كانت البحرين في ذلك الوقت إحدى المحطات الرئيسة في الخليج في عملية الاستيراد الفني من الهند والعراق ومصر، وإعادة التصدير إقليميا”.

العبدان عرض نماذج صوتية لأسطوانات طبعت أو وزعت قبل سبعين عاما، واستشهد بمقامات كانت منتشرة

وتابع العبدان في سرده لتاريخ الحركة الموسيقية قائلا “أصبحت شركة ‘دبي فون‘ وكالة لشركتي ‘ماركوني‘ و‘هز ماسترز فويس/ His Master’s Voice”  في دبي وعموم ساحل الإمارات، وكانت الأسطوانات التي تستوردها شركة ‘دبي فون‘ تحوي أغنيات من قوالب عربية عدة، فمنها الأصوات الخليجية الكويتية والبحرينية، والأدوار اليمنية، والبستات العراقية، كما كانت الشركة تستورد أسطوانات من القاهرة أيضا تحوي طقاطيق مصرية”.

وبين العبدان أن هذا التنويع في استيراد الأسطوانات الفنية يعكس الشخصية الأدبية والفنية والتذوقية ليوسف الخاجه وزينل الخاجه صاحبي الشركة، ولا عجب فقد كانا مثقفين وطالبي معرفة منذ أن تلقيا تعليمهما في المدرسة الأحمدية بدبي إلى أن أصبحا تلميذين لشاعر دبي ذائع الصيت مبارك بن حمد العقيلي، خاصة يوسف الخاجه الذي لازمه زمنا طويلا، وجمع أشعاره، وحفظ مخطوطاته من الضياع بعد وفاته، وهو الذي أعطى نصوصا من أشعار العقيلي اختارها بعناية للمطرب محمد عبدالسلام لكي يلحنها ويغنيها ويسجلها على أسطوانات لصالح شركته ‘دبي فون‘ في عام 1952، وكان العقيلي وقتها ما يزال على قيد الحياة”.

وكانت هذه القوالب الغنائية معروفة لدى المهتمين بالطرب والموسيقى في عموم مجتمعات المدن العربية الساحلية في الخليج، ومنها دبي التي عرفت الطرب الشعبي باكرا حيث كان يفد إليها العديد من المطربين والموسيقيين من الخليج واليمن في زيارات تتكرر بين مدة وأخرى منذ أوائل القرن العشرين.

ولما أصبح لبعض هؤلاء المطربين شهرة ظاهرة في دبي قرر يوسف الخاجه أن يسجل لهم أسطوانات لصالح شركته بدلا من أن يستمر في استيراد الأسطوانات، خاصة وأن عملية التسجيل واختيار المطربين والنصوص ستمكنه من التحكم في الإنتاج حسب الذوق السائد، أو حسب ما يتطلبه السوق، أو ربما حسب رؤيته الفنية والأدبية الخاصة، وبهذا القرار أصبحت شركة “دبي فون”، كما بين الباحث، أول شركة وطنية للإنتاج الفني في الإمارات، ولكنْ أين وكيف سيكون التسجيل؟ تساءل المحاضر.

محاضرة علي العبدان قدمت سردا تاريخيا حول التسجيلات الموسيقية وعرضا صوتيا وعزفا موسيقيا وقراءة شعرية

ثم قال العبدان “لم تكن شركة ‘دبي فون‘ تملك آلة تسجيل ولا مصفوفات، فكان لا بد من الاستعانة بمحل يملك كل ذلك، كما أن عملية تحميض المصفوفات وطبعها على أسطوانات حجرية كانت تجرى في الهند في الأربعينات والخمسينات، حيث يوجد فرع الشركة الإنجليزية ‘غراموفون‘ في بومبي، فكان لا بد من السفر، وهكذا سافر كل من يوسف الخاجه وابن عمه زينل إلى مدينة بومبي في الهند من أجل تسجيل أسطوانات تجارية خاصة بشركتهما؛ مصطحبين معهما مجموعة من المطربين والموسيقيين، منهم مطرب دبي الفنان محمد عبدالسلام، والفنان اليمني ناصر أحمد حبشي، وكان مطربا وعازفا متمكنا، وبعض العازفين على آلات الإيقاع، منهم علي الخضر وآخر اسمه سلمان”.

وامتدت المحاضرة لحوالي ساعة بين سرد تاريخي وعرض صوتي وعزف موسيقي ممتع، وصولا إلى قراءة العبدان لإحدى قصائده الشعرية التي أمتعت الجمهور وأظهرت تعدد مواهبه، حيث يجيد الشعر والرسم والغناء والعزف والكتابة النقدية الأدبية والتشكيلية.

وفي نهاية المحاضرة قدمت الدكتورة فاطمة الصايغ درعا تذكارية للباحث علي العبدان وشكرته على جهوده الطيبة في الحفاظ على هذا التاريخ وتوثيقه للثقافة الأصيلة في المجتمع.

وعلى هامش المحاضرة وقع علي العبدان نسخا من كتابه الجديد “مقالات الشعر الشعبي ـ 2012/ 2022” الجزء الأول، وهي مقالات تعرض السمات الأدبية والفنية للعديد من قصائد الشعر الشعبي في الإمارات.

ويذكر أن علي العبدان باحث في المعرفة من الإمارات، صدرت له مقالات وكتب عديدة حول الفنون الجميلة، فن النحت في الإمارات، تاريخ الطرب الشعبي في الإمارات، الأنثروبولوجيا الموسيقية، مجموعتان شعريتان، ودراسات عن الشعر الفصيح والشعبي. ويعمل مديرا لإدارة التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث.

14