العنف الطائفي المروع للعلويين في سوريا يمتد إلى دمشق

شهادات تكشف عن مداهمات وعمليات خطف وقتل طالت رجال علويين عزل على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي وسط تكتم السلطات عنها.
الخميس 2025/03/27
مخاوف من اتساع نطاق الصراع الطائفي بعد أحداث دمشق والساحل

شهادات تكشف عن مداهمات وعمليات خطف وقتل طالت رجال علويين عزل على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي وسط تكتم السلطات عنها.

دمشق - بحلول منتصف ليل السادس من مارس ووسط موجة عنف طائفي اجتاحت غرب سوريا، ذكر عشرات الشهود لرويترز أن مسلحين اقتحموا منازل عائلات علوية في العاصمة دمشق واعتقلوا أكثر من عشرين رجلا أعزل.

ومن بين المعتقلين من حي القدم بدمشق مدرس متقاعد وطالب يدرس الهندسة وفني إصلاح سيارات، وجميعهم من الطائفة العلوية، وهي الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد.

وبحسب الشهادات، فإن هذه المداهمات جاءت بعد ساعات فقط من إطلاق مجموعة من العلويين الموالين للأسد تمردا مسلحا في المناطق الساحلية، على بعد نحو 320 كيلومترا إلى الشمال الغربي. وتبع ذلك موجة من عمليات القتل الانتقامية هناك راح ضحيتها المئات من العلويين، وصدمت المجتمع الدولي الذي طالب الإدارة السورية الجديدة بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

وقال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لرويترز إنه أرسل قواته في اليوم التالي لوقف العنف في منطقة الساحل السوري، لكن بعض المسلحين تدفقوا على المنطقة لمواجهة التمرد دون إذن من وزارة الدفاع.

ووسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع الطائفي في جميع أنحاء سوريا، حرصت حكومة الشرع على التأكيد في أعقاب أعمال العنف على أن أعمال القتل كانت محدودة جغرافيا. وعينت لجنة لتقصي الحقائق للتحقيق في "أحداث الساحل".

غير أن روايات عشرات الشهود في دمشق تشير إلى أن أعمال عنف طائفي وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي. ولم يتم الإبلاغ من قبل عن تفاصيل المداهمات وعمليات الخطف والقتل.

وقال أحد السكان، والذي خطف رجال ملثمون قريبه مهندس الاتصالات إحسان زيدان (48 عاما) في الساعات الأولى من السابع من مارس "كانوا يطرقون باب أي بيت علوي ويأخذون الرجال من داخله". وأضاف "أخذوه فقط لأنه علوي".

وطلب جميع الشهود الذين تحدثوا إلى رويترز عدم نشر أسمائهم خوفا من الانتقام.

ويُعرف حي القدم بأنه موطن للعديد من العائلات العلوية. وتحدث شهود عن خطف ما لا يقل عن 25 رجلا. وقال أقارب وجيران لهم إن ثمانية منهم على الأقل تأكدت وفاتهم لاحقا، وأضافوا أنهم إما شاهدوا صورا للجثث أو عثروا عليها في مكان قريب. ولم يُعرف مصير بقية الرجال.

وقال أربعة من الشهود إن بعض المسلحين الذين قدموا إلى حي القدم عرفوا أنفسهم بأنهم أعضاء في جهاز الأمن العام، وهو جهاز سوري جديد يضم مقاتلين سابقين بقوات المعارضة.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية، التي يعمل تحتها جهاز الأمن العام، لرويترز إن قوات الأمن لم تستهدف العلويين بشكل مباشر، مضيفا أن القوات تصادر الأسلحة من جميع الطوائف.

ولم يُجب المتحدث عن أسئلة أخرى، بما في ذلك سبب اعتقال رجال عُزل في هذه العمليات.

أما المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، ياسر الفرحان، فأكد أن عمل اللجنة يقتصر جغرافيًا على الساحل، ولذلك لم تحقق في قضايا القدم. وأضاف لرويترز "لكن قد تُجرى مداولات داخل اللجنة لاحقًا لتوسيع نطاق عملنا".

وتشكل الطائفة العلوية نحو 10بالمئة من سكان سوريا، وهي متمركزة أساسًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، لكن آلاف العائلات العلوية تقيم منذ عقود في دمشق ومدن أخرى مثل حمص وحماة.

وطالبت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش هبة زيادين بإجراء تحقيق شامل في المداهمات المزعومة، ردا على تقرير رويترز.

وقالت "العائلات تستحق إجابات، وعلى السلطات ضمان محاسبة المسؤولين، بغض النظر عن انتماءاتهم". وأضافت "إلى أن يحدث ذلك، ستستمر دائرة العنف والإفلات من العقاب".

وكان أربعة من الرجال الذين تأكد مقتلهم في دمشق ينتمون إلى نفس العائلة الموسعة، بحسب أحد أقارب العائلة الذي نجا من الغارة بالاختباء في الطابق العلوي مع أطفال العائلة الصغار.

وهم محسن محمود بدران (77 عاماً)، وفادي محسن بدران (41 عاماً)، وأيهم حسين بدران (40 عاماً)، وهو رجل ولد بإصبعين في يده اليمنى، وهي عيب خلقي منعه من الخدمة العسكرية، وصهرهم فراس محمد معروف (45 عاماً).

وبحسب أحد أقاربهم، حاولت العائلة البحث عن جثثهم في "مستشفى المجتهد" وسط دمشق، لكن العاملين رفضوا إدخالهم إلى المشرحة، وأرسلوهم إلى فرع "الأمن العام" في حي القدم، حيث عرض عليهم مسؤولٌ هناك صورًا على هاتفٍ للرجال الأربعة وهم أموات. وقال قريبهم إنه لم يُذكر سبب الوفاة، ولم يتسنَّ التأكد من الصور.

وطلب المسؤول من العائلة استلام الجثث من مستشفى المجتهد، لكن الموظفين هناك نفوا وجودها لديهم.

وقال أحد أقاربهم لرويترز "لم نتمكن من العثور عليهم ونحن خائفون للغاية من سؤال أي شخص".

ورفض محمد حلبوني مدير مستشفى المجتهد، محمد الحلبي، التعليق، مكتفيًا بالقول إن أي جثث من القدم تُنقل مباشرة إلى مركز الطب الشرعي، والذي بدوره قال لمراسل "رويترز" إنه لا يملك معلومات.

أما وزارة الداخلية السورية، فلم ترد على أسئلة "رويترز" بشأن علاقة القوات المتمركزة في القدم بحالات الوفاة.

وكان الشرع قد أعلن حلّ جميع الفصائل المسلحة، وإدماجها تدريجيًا ضمن هيكل وزارة الدفاع الجديدة، لكن السيطرة الكاملة على هذه المجموعات – التي كثيرًا ما تتنافس في ما بينها – لا تزال غير مكتملة.

وأفاد شاهد آخر بأن أربعة من المعتقلين وُجدوا في بستان قريب مقتولين بطلقات في الرأس، ما يشير إلى تنفيذهم "رمياً بالرصاص"، وفق قوله.

ولم تتمكن "رويترز" من التحقق بشكل مستقل من تفاصيل هذه الرواية.

ولا يزال معظم المعتقلين في عداد المفقودين، بينهم الطالب الجامعي علي رستم (25 عامًا)، ووالده تميم رستم (65 عامًا)، وهو مدرس رياضيات متقاعد، بحسب اثنين من أقاربهما.

وقالت إحدى قريبات الميكانيكي، ربيع عاقل، إن العائلة راجعت مركز الشرطة والجهات الأمنية دون أن تحصل على أي معلومة بشأن مكانه، وأضافت أن الوضع يذكّرها بعمليات الإخفاء القسري التي كانت تتم في عهد الأسد. وذكرت أن اللجنة المكلفة بالتحقيق لم تتواصل معهم.

وأكد الفرحان، المتحدث باسم اللجنة، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، أن اللجنة أجرت مقابلات في عدد من بلدات الساحل، لكنه لم يأت على ذكر دمشق أو حي القدم.

وبحسب جميع الشهود، فإن السكان من الطائفة العلوية يشعرون بضغط شديد يدفعهم لمغادرة الحي، وقد غادرت بالفعل بعض العائلات.

وقال شاب من الحي إن مسلحين داهموا منزله عدة مرات بعد سقوط الأسد، وطلبوا منه إثبات ملكية المنزل، وأكدوا أن أي علاقة سابقة بعائلة الأسد تُعد "جريمة".

وقد غادر ذلك الشاب الحي مع عائلته تاركًا المنزل لدى جيران من الطائفة السنية لرعايته.

من جانبها، قالت امرأة ستينية إنها تبحث عن مشترٍ لبيتها، خوفًا على زوجها وأبنائها من المصير ذاته، وأضافت "بعد ما حصل، كل ما أريده هو مغادرة هذه المنطقة".