وعي ضعيف بخطورة العنف النفسي على المراهقين في العراق

العنف اللفظي الصادر من أحد أفراد الأسرة يؤثر على تصور الأفراد لأنفسهم ومن حولهم ويضعف التواصل الاجتماعي لديهم.
الجمعة 2023/10/20
الآباء قد يحطمون شخصيات أطفالهم شيئا فشيئا

بغداد - تبدو التربوية انتصار محمد قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، تكتشف عن أن حياتهم لم تصبح أفضل، وأن وضعهم النفسي صار أكثر انكسارا، إذ يواجهون وبشكل يومي، تعنيفا لفظيا، ونفسيا من قبل بعض آبائهم، الذين يبدؤون بتشكيل شخصيات جديدة ومحطمة في أرواحهم، متسائلة كيف يمكن تجاوز هذه المحن؟

توضـــح التربويـــة انتصـــار وهـــي مديرة إحدى المدارس الإعدادية للبنين،لوكالـــة الأنباء العراقية أنها تســـتقبل وبشكل يومي، العديد من طلبتها الذيـــن يتعرضون للشـــتائم من آبائهـــم، وتقول للوكالة  "غالبا ما أســـمع بأذني قصـــص الطلبة الذين يحاولون التفريغ ومحاولة إيجاد الحلـــول، أحـــاول التدخـــل، والتهديـــد بالفصل العشائري ســـيد الأجوبة، ماذا أفعل؟ وكيف أحمي طلبتي؟".

وتضيف أن هناك شكلا آخر من أشكال إساءة المعاملة التي لا يتحدث عنها الناس كثيرا، وهي العنف اللفظي الموجه للأبناء، الذي يسبب جروحا لا تُرى بالعين، ولذلك لا أحد يعرف ما يحدث للطفل، بعضهم يفقد تركيزه طوال النهار، وبعضهم حقا يبدأ بالميل لأن يكون عدوانيا مع أقرانه الطلبة.

وبيّنت أن "أغلب الطلبة الذين يفتعلون المشاكل مع أصدقائهم، أو الذين يتهربون، وحتى الذين يقومون بأفعال عدائية هم الذين يكونون بالعادة، معرضين للتعنيف النفسي واللفظي من قبل أحد ذويهم، إنهم يحاولون فك الأذى العالق في أرواحهم، من خلال صب غضبهم على من حولهم، وأحيانا حتى على مدرسيهم ومدرساتهم".

◙ الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للعنف النفسي اللفظي العائلي، وكذلك النساء، لقلة حيلتهم، إذ غالبا ما يتم حصرهم في زوايا التعنيف النفسي

وتابعت "يطلب مني بعضهم النصائح بكيفية التصرف أمام هذه المواقف، أحد الطلبة كان يخبرني كل يوم أن والده يتعمد تعنيفه لفظيا أمام الغرباء، وأنه يقوم بالتقليل من شكله وثيابه وحتى طريقة حديثه وصوته تحديدا، يتساءل الصبي عما يجب أن يفعله ليتجنب تصرفات والده، وتدريجيا حتى بدأ بالانعزال ورفض الحديث، لقد كره صوته المسكين، ثم أخبرني بورقة: لن أنطق حتى يسكت والدي من تقليل حجمي أمام الآخرين. فأردت الحديث مع الوالد حول هذا الأمر، لكن للأسف كانت النتيجة سلبية للغاية، أتعرفون ما قال لي؟ لم لا تأخذين ابني وتربينه أنت بدلا مني؟ ثم نقله إلى مدرسة أخرى، ولم أعد أعرف عنه شيئا".

ويبين سلام حسن لوكالة الأنباء العراقية أن "والديه دائما التعنيف له، حتى إن اختياره الجامعة التي يحلم بها، تحول إلى حفلة من التعنيف اللفظي وانتهى بتغيير قسمه، ومحاولاته اختيار ما يريدان فقط من أجل تجنب التعرض لتعنيف آخر"، ويكمل "يقولون إننا نبالغ إذا ما تحدثنا عن التعنيف النفسي واللفظي، وأنهم كبروا ونضجوا وأصبحوا رجالا، رغم إساءات آبائهم لهم، هم لا يعلمون كم الأمراض النفسية والأحقاد التي حملوها وسيحملونها معهم إلى الأبد، أنا تغير مستقبلي بسبب تعنيف والديّ، لأني لو استمررت بالدراسة بما خططت له، ستنتهي أجمل سنين عمري بلومهم وتعنيفهم النفسي المتكرر كل صباح، ومع هذا، لم يسكتا، لكنني أردت تخفيف تعنيفهما، من أجل صحتي النفسية، ومن أجل قدرتي على مواجهة العالم كل يوم".

ويتابع "التعنيف يأخذ بيدك نحو ممرات سوداء تشبه الليل الطويل، استرجاع مستمر للكلمات التي يتكرر صداها في الإذن حتى الأبد، ينسى المرء أحيانا كيف وقع في حفرة، وكيف تأثر جسده بذلك، لكنه لن ينسى ما قالت له أمه حينما وقع، فاعرفوا ما يجب أن تقولوا لأولادكم، في تلك اللحظات، وكل اللحظات".

وتوضح الباحثة النفسية آمال الكبيسي لوكالة الأنباء العراقية أن "العنف اللفظي العائلي والصادر من أحد أفراد الأسرة، يؤثر على تصور الأطفال لأنفسهم ومن حولهم، كما يترتب على ذلك ضعف التواصل الاجتماعي، حيث يصبحون أكثر انعزالا ويجدون صعوبة في بناء علاقات اجتماعية صحية”. وأشارت إلى أن “العنف اللفظي يمكن أن يؤثر سلبا على الأداء الأكاديمي للأطفال، مما يتسبب في تراجعهم الدراسي، وفي حالات نادرة، يمكن أن يتطور هذا العنف إلى عنف جسدي، مما يزيد من خطر إصابة الأشخاص بأذى جسدي".

وذكرت “يمكن أن تظهر تأثيرات عاطفية طويلة الأمد، حيث من الطبيعي أن يترك العنف اللفظي آثارا عاطفية سلبية مثل زيادة في مستويات القلق والاكتئاب لدى الأطفال والنساء تحديدا”، مبينة أهمية العمل على منع ومعالجة العنف اللفظي في مراحل مبكرة لضمان حماية الأطفال وتطورهم الصحي.

وأضافت الكبيسي أن الأطفال والمراهقين أكثر عرضة للعنف النفسي اللفظي العائلي، وكذلك النساء، لقلة حيلتهم، إذ غالبا ما يتم حصرهم في زوايا التعنيف النفسي لأنه أقل ضررا من التعنيف الجسدي، لكن الحقيقة هي أن التعنيف النفسي لا يقل سوءا وإجراما عن التعنيف الجسدي، بل على العكس، فإن نتائجه على المستقبل غير معلومة، بسبب فقر الدراسات والإحصائيات وحتى التحذيرات حول هذا الموضوع، لكنه يرتبط ارتباطا وثيقا بمعدلات زيادة الجرائم".

◙ البعض يعتقد أن التعنيف اللفظي هو جزء من التربية والتقويم، وهذا أمر غير صحيح مطلقا، لأن أي كلمة تخرج لتؤذي أحدا، هي تعنيف

وقالت “نحن نبحث عن إحصائيات تساعدنا على توعية العوائل، الكثير من ضحايا هذا العنف لا يستطيعون الشكوى، ستتم السخرية منهم ومن معاناتهم، حتى إن بعضهم يعتقد أن التعنيف اللفظي هو جزء من التربية والتقويم، هذا أمر غير صحيح مطلقا، أي كلمة تخرج لتؤذي أحدا، فهي تعنيف".

وترى آمال أن “سوء الفهم، والمشاكل واردة في المنازل، لكن التعنيف اللفظي يعني أن يتخذ الضحية خطوات الانعزال، والتشبث باليأس والخوف، فتتشكل الكثير من المشاكل النفسية، ويكون الحل بإنشاء مراكز خاصة بالدعم النفسي لضحايا العنف اللفظي، كما العنف الجسدي".

وشددت على أنه "يجب أن يتم أخذ هذا الموضوع بشكل جدي، ذلك أن الكثير من حالات العنف الجسدي حتى تلك المميتة، تبدأ بعنف نفسي ولفظي، يجعل الضحية خائر القوى، خائفا وغير قادر على الدفاع عن نفسه، ثم يتطور الموضوع أكثر ويصل إلى أن يكون عنفا جسديا".

16