العنجهية الاستعمارية لترامب تربك السيسي وتضعه أمام أخطر تحد سياسي

القاهرة – ضاعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوطه على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حين أكد أن واشنطن قد تقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يقبلا باستقبال فلسطينيي غزة الذين يعتزم ترحيلهم من القطاع، في خطوة تعكس العنجهية السياسية لترامب وتعامله بلامبالاة مع مصالح حلفائه، ما يربك السيسي ويضعه أمام أخطر تحد سياسي منذ استلامه السلطة في يونيو 2013.
في المقابل فتح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الباب أمام مراجعة موقف الأردن الرافض لفكرة توطين الفلسطينيين على أراضي بلاده، وترك المهمة لخطة يقول إن مصر ستعرضها ولموقف عربي أوسع يتم تحديده بالنقاش مع واشنطن.
وقال الملك عبدالله “نحن كعرب سنأتي للولايات المتحدة ونناقش هذه الخيارات،” و”دعونا ننتظر أن تقدم مصر خطتها ثم ننظر في الأمر،” مشيرا إلى أنه سيكون هناك رد من عدة دول عربية.
ولفت إلى أن الأردن “سيستقبل 2000 طفل من المرضى من غزة،” وهو ما اعتبره ترامب “خطوة جيدة”.
في وضع اقتصادي صعب يمكن أن تقود ضغوط ترامب لتمرير مقترح التوطين إلى توترات تربك الوضع في مصر
وينظر الرئيس الأميركي إلى غزة من منظار خاص يحاول أن يبدو فيه في صورة حاكم العالم الذي يأمر فيطاع، ولا يهتم لوضع حليفه السيسي، الذي أشار إليه ذات يوم على أنه “دكتاتوره المفضل”.
ويشكّل الرئيس المصري صورته كمدافع عن مصالح بلاده عبر رفض فكرة التهجير بما تعنيه من أعباء إضافية على القاهرة أمنيّا وسياسيا واقتصاديا وإنسانيا، فضلا عن رفض المس بالدور الذي تسعى للتسويق له على أنها وسيط ذو مصداقية عند مختلف الأطراف.
واستمر السيسي في رفض فكرة التوطين منذ بداية حرب أكتوبر 2023، ورفع سقف الرفض، ما يجعل من تراجعه عن سردية البطل، الذي يستعد للقتال من أجل مصلحة مصر وأمنها، بمثابة استهداف لصورته أمام المصريين.
وفي وضع اقتصادي صعب يمكن أن تقود عنجهية ترامب، وتذكيره المستمر بأن لبلاده أفضالا على القاهرة وعليها أن ترد الجميل باستضافة أعداد من الفلسطينيين، إلى توتر اجتماعي يربك الوضع في مصر، في حين أن المسؤولين المصريين يسعون جاهدين لطمأنة الشارع بأن الأوضاع ستتحسن في ظل إصلاحات اقتصادية صعبة وذات تأثير سلبي ملحوظ على الفئات الشعبية.
وبالتراجع عن معارضة التوطين ستقدم القاهرة خدمة مجانية للخصوم السياسيين، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. فقد سبق لمصر أن قدمت ضمن مبررات الإطاحة بحكم الإخوان حجة أن الجماعة في خدمة إسرائيل. ومن بين السرديات التي تربط الجماعة بإسرائيل أنها خططت لبيع سيناء.
وخلال توقيعه سلسلة أوامر تنفيذية في البيت الأبيض، سئل الرئيس الأميركي عمّا إذا كان سيقطع المساعدات عن الأردن ومصر إذا رفضا استقبال الفلسطينيين، فأجاب “إذا لم يوافقوا، فمن الممكن أن أقطعها.”
وأتت تصريحات ترامب قبل لقائه في البيت الأبيض العاهل الأردني بساعات، حيث أكّد الملك عبدالله رفض بلاده “أيّة محاولات لضمّ الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية،” وتمسكها بـ”ضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم.”
كما تتزامن مع وجود وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في الولايات المتحدة، وقبل أيام من موعد زيارة السيسي نفسه إلى واشنطن في مسعى لإقناع ترامب بتعديل موقفه وحساب تعقيدات الوضع في المنطقة ومصالح الشركاء الإقليميين. وفي ظل تشدد ترامب في مواقفه تتحدث أوساط سياسية عن إمكانية تأجيل زيارة الرئيس المصري إلى الولايات المتحدة في انتظار أن يحين الوقت الملائم.
وشدد الرئيس المصري الثلاثاء على إعادة إعمار قطاع غزة “دون تهجير سكانه الفلسطينيين،” في إشارة واضحة إلى أن ضغوط تصريحات ترامب لن تغير موقف مصر على الأقل في الوقت الحالي، وأنه من غير الوارد تقديم تنازلات تمس الأمن القومي لمجرد إرضاء الرئيس الأميركي.
ويتطلب القبول بضغوط ترامب تنازلات قد لا يكون السيسي قادرا على تقديمها بسبب المخاطر السياسية والأمنية والإستراتيجية الجسيمة التي تنطوي عليها.
ودعا السيسي، خلال اتصال هاتفي مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن، إلى “ضرورة بدء عمليات إعادة إعمار قطاع غزة، بهدف جعله قابلا للحياة، وذلك دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدراتهم في العيش على أرضهم.”
وأكدت وزارة الخارجية المصرية الاثنين تمسّك مصر بـ”موقفها الرافض للمساس بتلك الحقوق، بما فيها حق تقرير المصير، والبقاء على الأرض والاستقلال،” في بيان صدر بعد مرور وقت قصير على لقاء عبدالعاطي مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في واشنطن.
ورأى المصريون في التبكير بزيارة السيسي إلى واشنطن دليل حظوة وتأكيدا لأهمية الدور المصري، لكن هذا التفاؤل بدأ يتلاشى ويتحول إلى قلقل من مواقف ترامب الفجة التي تفتقر إلى المناورة ولا تأخذ في الحسبان مصالح الحلفاء وتوازناتهم الداخلية.
ويقول الكاتب ماجد مندور في تقرير له بموقع “عرب دايجست” إن نظام السيسي لا يقدر على القبول بتوطين الفلسطينيين في مصر، ليس بسبب التضامن مع غزة، ولكن لأن طبيعة النظام المصري تتأسس على فكرة معارضة التوطين وإطلاق شعارات عدائية ضد إسرائيل.
لكنْ قد تجد القيادة السياسية المصرية نفسها مجبرة على تجنب الصدام مع ترامب، وإعلان استعدادها لمناقشة قضية التوطين، وهو ما قد يقابله ترامب بتشجيعات وحوافز تسهّل على المصريين القبول به مثل عرض حزمة من المساعدات المالية، وصفقات اقتصادية وعسكرية، وإلغاء محتمل لجزء من الدين الخارجي لمصر (الذي يبلغ 153 مليار دولار).
وقد عرض ترامب بالفعل على مصر حوافز بإعفائها، إلى جانب إسرائيل، من تجميد المساعدات الأميركية للدول في جميع أنحاء العالم.
وما يرجح فكرة اضطرار السيسي في الأخير إلى القبول بعرض ترامب أن القاهرة جربت رسائل مختلفة لإثنائه عن هذا الطلب، بدءا برفع شعارات الرفض والتخويف من خطر هذه الخطوة على مصر والإقليم، وصولا إلى تحريك الشارع عبر احتجاجات متزامنة لإسناد الموقف الرسمي والتحذير المبطن من أن القيادة السياسية لا تستطيع تمرير خطة التوطين، وإذا صمم ترامب ومارس ضغوطا شديدة على القاهرة فسيصبح الموقف محرجا وقد يفجر احتجاجات واسعة.