العملية العسكرية التركية بشمال العراق تتحرر من قيد السقف الزمني وتتحول إلى احتلال دائم

أربيل (العراق)- صرفت التطورات العاصفة في منطقة الشرق الأوسط الأنظار عن العملية العسكرية واسعة النطاق التي بدأتها القوات التركية منذ أشهر ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق. وحوّل تصعيد الحرب الإسرائيلية في غزّة ولبنان، الحربَ التركية ضدّ الحزب داخل الأراضي العراقية إلى حرب منسية متحرّرة من أي سقف زمني وبصدد التحوّل إلى احتلال دائم لأجزاء من تلك الأراضي.
ولا تعلن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن المدد التي قد تستغرقها عمليتها العسكرية الحالية وتغفل بشكل كامل أي إشارة إلى سحب قواتها من العراق، في وقت تواصل فيه تلك القوات بالإضافة إلى عملياتها الحربية ضد الحزب تركيز بنية تحتية عسكرية ولوجستية تظهر نيتها الاستقرار في المناطق التي دخلتها ويمتد بعضها إلى عشرات الكيلومترات في عمق الأراضي العراقية.
واكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق بالحديث عن المدّة الزمنية التي ستستغرقها إقامة حزام أمني لبلاده على الحدود مع العراق لكنه أهمل أي إشارة إلى موعد أو حتى إمكانية سحب قواته بعد استكمال إقامة الحزام المذكور.
◄ الكثير من الدوائر والشخصيات السياسية العراقية تحذّر من أنّ لتركيا أطماعا حقيقية في الأراضي العراقية، وتحديدا في مناطق ذات موقع إستراتيجي بالنسبة إليها
وقال قبيل زيارته العراق في أبريل الماضي “أوشكنا على إتمام الطوق الذي سيؤمّن حدودنا مع العراق، وخلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم”.
وانقضت أشهر الصيف ولا تزال القوات التركية تواصل إقامة النقاط العسكرية الثابتة داخل الأراضي العراقية وتقوم بربطها فيما بينها ومع أراضي تركيا بشبكة من الطرقات.
وكشف السياسي الكردي نجاة نجم الدين، الاثنين، عن شقّ ثمانية طرق جديدة تقوم تركيا من خلالها بالتوسع والانتشار في مناطق إقليم كردستان.
ونقلت عنه وكالة بغداد اليوم الإخبارية قوله إنّ الآليات التركية المنتشرة في مناطق محافظة دهوك تعمل على مدار الساعة على مدّ شبكة الطرقات في المناطق الجبلية بالمحافظة.
وأوضح أن تلك الطرق عسكرية تؤدّي وظيفة لوجستية وتساعد على الحركة العسكرية للانتشار والتوسع نحو المزيد من المناطق العراقية.
كما ربط نجم الدين بين الحرب التركية في شمال العراق والأحداث الدامية في غزّة ولبنان، معتبرا أن تركيا تستغل توتر الأوضاع في المنطقة وانشغال الحكومة العراقية بتلك الأحداث لتوسيع وجودها في الأراضي العراقية.
وحذّر من أنّ تورّط العراق في الصراع بين إسرائيل وإيران سيتيح لتركيا توسيع نفوذها ومناطق انتشار قواتها في إقليم كردستان.
وقال إنّ أنقرة “تريد استغلال أي حدث سياسي وأمني في العراق كما حصل في أزمة داعش عندما استغلت الأزمة ووسعت انتشارها وأقامت قواعد جديدة، ومنها قاعدة بعشيقة قرب مدينة الموصل”.
ويرى سياسيون عراقيون أن لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني مسؤولية في استباحة القوات التركية لأجزاء من الأراضي العراقية بسبب مواقفها الباهتة من التدخل العسكري التركي بشمال البلاد.
لكن يبدو أن المصالح الاقتصادية ومساعي العراق إلى حلّ مشكلة المياه التي تساهم تركيا في خلقها له من خلال حجزها للمزيد من مياه نهري دجلة والفرات في سدودها، هي ما يقف وراء حرص بغداد على تطوير علاقاتها مع أنقرة في مختلف المجالات، حيث يأتي التعاون الأمني ضدّ حزب العمال الكردستاني، بحسب العديد من الملاحظين، بمثابة محاولة لمقايضة المياه والمصالح الاقتصادية بالأمن.
لكن ما يفتقر إليه العراق في تحرّكاته المفهومة باتجاه تركيا هو الحصول على ضمانات ملموسة لبلوغ أهدافه وتحصيل حقوقه من نظام تركي أبدى منذ وصول الرئيس الحالي أردوغان إلى سدّة الحكم قدرا كبيرا من الاندفاع والتشدّد في سياساته الإقليمية، لاسيما ما يتعلّق منها بالجارين سوريا والعراق.
ولا يبدو أنّ تركيا بصدد الالتزام باتفاقياتها مع العراق والتوقّف عند حدود ما تنص عليه.
وتحذّر الكثير من الدوائر والشخصيات السياسية العراقية من أنّ لتركيا أطماعا حقيقية في الأراضي العراقية، وتحديدا في مناطق ذات موقع إستراتيجي بالنسبة إليها وتحتوي على ثروات طبيعية كبيرة على غرار كركوك الغنية بالنفط.
نجاة نجم الدين: أنقرة “تريد استغلال أي حدث سياسي وأمني في العراق كما حصل في أزمة داعش
وفي هذا الإطار رأى غياث سورجي القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أن “من الصعب خروج تركيا من المناطق التي احتلتها، إذ أنها تسعى لإعادة حدود الدولة العثمانية”.
وأشار في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أنّ “الإدارة التركية ترغب بشكل خاص في دخول محافظة الموصل التي تشمل جنوب كردستان بأكملها”.
ولفت إلى أن “التوغل التركي مازال مستمرا يقابله موقف حكومي خجول مقتصر على بيانات الاستنكار واستدعاء السفير دون قرارات جادة لوقف التوغل العسكري وانسحاب القوات التركية”.
وتُرفق تركيا حملتها العسكرية في شمال العراق بحملة دعائية موازية تروّج لانتصارات كبيرة على حزب العمال الكردستاني دون أن تشير إلى نهاية محتملة للحرب.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية قبل يومين عن قتل اثني عشر عنصرا من الحزب بشمال العراق. وقالت في بيان مقتضب إن الجيش التركي نفذ عمليات جوية أواخر سبتمبر الماضي، وقام بقتل سبعة عناصر في منطقة كارا وخمسة في منطقة هاكورك، وتقع كلتاهما في محافظة دهوك المسرح الرئيسي للعملية العسكرية التركية الحالية في العراق.