العمليات الأمنية غرب ليبيا تغذي الانقسام السياسي

يستمر التصعيد الأمني الذي تقوده حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا والذي يهدف إلى ملاحقة المهربين والاتجار بالبشر غرب البلاد، مع إقدام مسلحين على إغلاق إمدادات الوقود بالمدينة احتجاجا على القصف، ما يثير مخاوف من الانزلاق إلى العنف وإفشال مسار التسوية السياسية.
طرابلس - أقدم مسلحون في ليبيا على إغلاق خط نقل الوقود من مصفاة الزاوية إلى العاصمة طرابلس احتجاجا على قصف المدينة، مع إطلاق حكومة الوحدة الوطنية للمرحلة الثانية من العمليات الأمنية بالمنطقة الغربية، في خطوة من شأنها أن تربك جهود المصالحة الوطنية وتغذي الانقسام السياسي في البلاد.
وأغلقت مجموعات مسلحة مساء الاثنين خطوط نقل الوقود والغاز الواقعة قرب مصفاة الزاوية لتكرير النفط، مما سيؤثر على إمدادات الكهرباء غرب البلاد.
وجاء هذا التحرّك احتجاجا على القصف الجوي الذي تعرضت له عدة مواقع بمدينة الزاوية، ضمن العملية العسكرية التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية لملاحقة المهربين ومكافحة تجارة المخدرات، وأدى القصف إلى مقتل مدنيين وخسائر مادية فادحة بالبنية التحتية.
وأكد المتحدث باسم شركة الكهرباء وئام التائب انقطاع إمدادات الوقود عن المحطات المغذية لشركة البريقة وكافة المحطات على الساحل الليبي.
وحذر التائب في تصريح لقناة تلفزيونية محلية من خطورة الانقطاع وانعكاسه سلبا على الشبكة الكهربائية قائلا إن “انقطاع التيار الكهربائي لن يستثني أيّ مدينة في حال استمرار توقف تدفق الوقود من مصفاة الزاوية”.
وتقع الزاوية على بعد 40 كيلومترا غرب طرابلس، وهي ثالث أكبر مدن الغرب الليبي من حيث المساحة والسكان، وتقع فيها أكبر مصفاة نفط ليبية، وتنشط فيها منذ عام 2011 عدة عصابات تختص بتهريب الوقود المدعوم، والمهاجرين غير الشرعيين، وتجارة المخدرات.
وبالموازاة مع ذلك، يتواصل إغلاق الطريق الساحلي الرابط بين العاصمة طرابلس والحدود التونسية من قبل المجموعات المسلّحة التي هدّدت حكومة عبدالحميد الدبيبة برّد قاس على الهجمات التي تتعرّض لها مدينة الزاوية، وهو ما أثار مخاوف من انزلاق منطقة غرب ليبيا إلى حرب جديدة وإفشال الجهود الرامية لإجراء الانتخابات.
ونفّذت القوات الموالية التابعة لحكومة طرابلس، غارات جوية على مواقع تابعة لميليشيات مسلحة معارضة لها في مدن الزاوية وورشفانة.
وأعلنت حكومة الدبيبة، ليل الاثنين- الثلاثاء، إطلاق المرحلة الثانية من العمليات الأمنية بالمنطقة الغربية.
وأشارت وزارة الدفاع في بيان لها إلى “نجاح المرحلة الأولى في تحقيق أهدافها المحددة في تدمير قوارب الاتجار بالبشر ومخازن تجّار المخدرات والأسلحة للعصابات الإجرامية”.
وأشادت الوزارة بما وصفتها بنجاعة العمليات الأمنية التي انطلقت في المرحلة الأولى باستهداف عدد من الأهداف المحددة بكل دقة عالية؛ وأثبت فيها المنتسبون للقوات المسلحة الجوية والأجهزة الاستخباراتية جدارتهم العالية وكفاءتهم.
كما أفادت الوزارة بأنها سوف تنشر للرأي العام في الوقت المناسب بيانا موثقا بالفيديو للضربات الجوية في مرحلتها الأولى، مؤكدة أن العملية الأمنية مستمرة حتى تحقيق أهدافها المرجوة.
وأثارت العمليات الأمنية انتقادات وخلافات واسعة بين أقطاب السلطة بالبلاد، حيث اتهم معارضون لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بمحاولة تصفية خصومه تحت غطاء محاربة الجريمة ومكافحة التهريب. ويأتي ذلك مع وجود بوادر جديدة لقرب الاتفاق على كامل القوانين الانتخابية، وهو ما يرفضه الدبيبة.
وأكد عضو مجلس النواب عن مدينة الزاوية علي أبوزريبة، أن لجنة 6+6 اتفقت على القوانين الانتخابية وهذا سيزعج الدبيبة ويدفعه للمزيد من التصرفات الحمقاء. وألمح أبوزريبة في تصريحات صحافية إلى أن “اللجنة شبه متفقة على كل النقاط الخلافية وتطالب أيضًا بحكومة موحدة تسيطر على ليبيا من شرقها إلى غربها”.
وأشار إلى أن “هذا الأمر سيُزعج الدبيبة وسيزيد من تصرفاته الحمقاء ما يعني أن الأمور ستتعقد أكثر في الساعات القليلة القادمة”، مستنكرا “صمت المجتمع الدولي والدول المجاورة إزاء ما تشهده مدينة الزاوية من قصف للمدنيين والبنية التحتية”.
ورغم المواقف الرافضة للعملية من عدة أطراف ليبية، لا يزال المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان بالجيش في طرابلس يلتزمان الصمت حيال العملية.
والاثنين، قال أبوزريبة، في جلسة عامة، إن القصف الجوي الذي تعرضت له مدينة الزاوية هو بغرض تصفية حسابات سياسية وليس لمكافحة التهريب، مشيرا إلى أنه سيخاطب المنظمات الأممية ومحكمة الجنايات الدولية والبرلمان التركي بشأن هذه الأحداث.
السفارة البريطانية تشدد على أنّ "استخدام الأسلحة التي تعرّض أرواح المدنيين للخطر أمر غير مقبول"
وعبّر المرشح للرئاسة الليبية سليمان البيوضي عن رفضه للقصف الذي قامت به الطائرات المسيّرة التركية واستهدف مواقع في مدينة الزاوية، معتبرا أنه ينذر بإشعال فتيل الحرب في ليبيا.
وقال البيوضي إن “ما قاله عضو مجلس النواب علي أبوزريبة بخصوص قصف الطيران المسير يؤكد ما أدرجته (…)، وبالنظر إلى ردود الأفعال في المنطقة الغربية عموما والزاوية خصوصا، يؤكد أن هناك محاولة علنية لإشعال فتيل الحرب في ليبيا، وتأكيد أن الدبيبة لم يعد شخصية جامعة بل أضحى خطرا حقيقيا على استقرار ليبيا”.
وأضاف في تدوينة على صفحته بفيسبوك أن “حالة التجييش والتشنج تتطلب موقفا واضحا من قيادات السياسية والأمنية في مصراتة ضد بعض المحسوبين عليها ممن يحاولون توريط المدينة في حرب متسلسلة تبدأ من الزاوية وغرب البلاد لتمر نحو الجنوب والهلال النفطي، تحقيقا لرغبات إقليمية وسعيا لحماية مكاسب سياسية واقتصادية لأفراد وعائلات”.
كما أعربت الولايات المتحدة عبر سفارتها عن قلقها من استخدام أسلحة في مناطق مدنية وإمكانية حدوث المزيد من العنف، مطالبة القادة الليبيين ببذل كل ما في وسعهم لتهدئة الوضع واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية أرواح المدنيين.
وأكدت السفارة البريطانية في بيان متابعة بلادها للوضع في الزاوية عن كثب، وشددت على أنّ “استخدام الأسلحة التي تعرّض أرواح المدنيين للخطر أمر غير مقبول”، داعيةً جميع المعنيين إلى “عدم التصعيد، وتجنب أيّ أعمال تهدد حياة الناس اليومية بشكل أكبر”.