العملات المشفرة تستعيد بريقها بعد مسلسل طويل من الإخفاقات

لندن - كسرت بتكوين سلسلة طويلة من التراجع في قيمتها الأربعاء الماضي، بعدما حققت أعلى مستوى تصل إليه العملة المشفرة الأبرز منذ جلسات ديسمبر 2021.

ويقترب سعر هذه العملة من 52 ألف دولار تقريبا، بعد موجة صعود العملات الافتراضية على نطاق واسع، والتي شهدت أيضا عودة إيثريوم ثاني أكبر عملة مشفرة في العالم إلى المستوى الذي بلغته قبل أزمة انهيار عملة تيرا دولار المستقرة منذ عامين تقريبا.

وساهم صعود بتكوين بنسبة 22 في المئة منذ بداية 2024 في تخطي قيمة الأصول الرقمية عتبة تريليوني دولار لأول مرة منذ أبريل 2022، حسب بيانات شركة كوين غيكو.

وتعرضت صناعة العملات المشفرة لعدة ضربات منذ العام 2022، أبرزها انهيار بنوك إقراض عملات مشفرة ومنصات بصدارة سيليسوس وأف.تي.إكس، واتهام رؤساء منصات بغسل الأموال والاحتيال.

ويعمل ارتفاع قيمة بتكوين على استعادة سمعتها في عالم الاستثمار، حيث تجاوز ارتفاع أكبر عملة مشفرة في العالم الضعف مقارنة بسعرها بعد الانهيار المدوّي الذي مُنيت به العام الماضي، وهو تطور كبير في وقت انخفضت فيه الأسهم وارتفعت عائدات السندات.

وفي ظل نية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) مواصلة رفع أسعار الفائدة، والتوترات الجيوسياسية التي تهدد الاستقرار المالي، يرى بعض المستشارين أن إضافة بتكوين إلى المحافظ الاستثمارية يمكن أن يكون وسيلة جيدة للتنويع.

ويعد هذا التطور بمثابة تغيير كبير بعدما أثار إفلاس منصة أف.تي.إكس اتهامات بالاحتيال قادت مؤسِسها سام بانكمان – فريد إلى المحاكمة، ما دفع العملة الرقمية إلى دوامة من الضبابية، مع تداول بتكوين دون مستوى 16 ألف دولار.

وسلط إفلاس ثانية كبرى منصات تداول الأصول المشفرة الضوء على مخاطر الانكشاف على التعامل مع الأسواق الافتراضية، وأعطى دليلا على تزعزع الثقة بالعملات الرقمية التي لطالما حذر منها صناع السياسات النقدية.

ورغم أنه لا يزال الكثير من مستشاري الثروات يحذرون من الاستثمار في العملة المشفرة، كونها عرضة للتقلبات، يجادل آخرون بأن تخصيصا محدودا يمكن أن يساعد في توزيع المخاطر بمحافظ الاستثمار.

وقال فون كيلرمان، مستشار الثروات المساعد في شركة أتش.سي.أم ويلث أدفيزرز، لوكالة بلومبرغ “يجب أن تحظى بتكوين بحصة في أي محفظة استثمارية متوازنة، بدءا من المتقاعدين ووصولا إلى الشباب”.

ويوصي كيلرمان عادة بتخصيص ما بين واحد و3 في المئة، ولكن هذه النسبة تصل إلى 5 في المئة، اعتمادا على تحمل المستثمر للمخاطر ونطاق محفظته.

وميزة المحرك الأول التي تحظى بها بتكوين، التي ظهرت في عام 2008، تجعلها رهانا أكثر أمانا من بعض العملات المشفرة الأحدث والأكثر تقلبا، بما في ذلك مشاريع التمويل اللامركزية التي خضعت للتدقيق.

ووفرت الظروف المواتية في القطاع دعما لبتكوين، بما في ذلك إطلاق صناديق متداولة في البورصات الأميركية للعملة المشفرة.

وظهرت تسعة صناديق بتكوين فورية متداولة في البورصة الأميركية، إذ تعد إمكانية الوصول إلى صناديق الاستثمار المتداولة أسهل وقانونية أكثر، فيما اجتذبت حتى الثلاثاء الماضي ما يزيد عن 9 مليارات دولار، وفق بلومبرغ.

واجتذبت مجموعة المنتجات التي أصدرتها شركات مثل بلاك روك وفيدلتي إنفستمنتس صافي استثمارات بقيمة 3.9 مليار دولار منذ بدء التداول في الصناديق في الحادي عشر من يناير الماضي.

ويتزامن هذا الصعود أيضا مع اقتراب حدث تنصيف بتكوين المقرر عقده في أبريل المقبل، وهي عملية تتم كل أربع سنوات، والذي سيحد من معروض أكبر عملة مشفرة.

والتنصيف هو تخفيض قيمة عائدات بتكوين، وهو ما سيقود إلى خفض الكمية التي يتلقاها المعدنون، إذ تتحقق من خلال المعاملات على البلوك تشين.

وغالبا ما يُنظر إلى هذا الحدث على أنه دعم للأسعار بناء على حالات حصلت خلال السنوات الماضية، لأنه يقلل من معروض بتكوين المتاح للبيع في الأسواق.

وقال زاك باندل المدير الإداري للأبحاث في شركة صناديق العملات المشفرة غرايسكيل إنفستمنتس “ينبع ارتفاع الأسعار الأخير غالبا من تدفقات الاستثمارات الصافية القوية في الصناديق المتداولة الفورية لبتكوين في الولايات المتحدة”.

وكانت إيثريوم أبطأ من بتكوين في العودة إلى مستواها قبل أزمة انهيار تيرا دولار مطلع مايو 2022، ويعد هذا المستوى ذا دلالة معنوية كبيرة بالنسبة إلى المستثمرين، نظراً للانهيار الذي خلفته الأزمة.

ولا يزال دو كوون الكوري الجنوبي مبتكر عملة تيرا دولار محتجزا في الجبل الأسود، وينتظر تسليمه إلى سلطات بلاده أو الولايات المتحدة، حيث يواجه تهما بالاحتيال.

وتضاعف سعر بتكوين ثلاث مرات منذ بداية 2023، حيث استعادت قوتها بعد انهيار الأصول الرقمية في 2022.

وتشير الرهانات في سوق الخيارات إلى أن المتداولين يستهدفون أسعارا تتجاوز الرقم القياسي المسجل لبتكوين البالغ 69 ألف دولار تقريبا، والذي وصلت إليه في نوفمبر 2021.

وكتبت نويل أتشيسون، مؤلفة النشرة الإخبارية كريبتو إيز ماكرو ناو، قائلة إن التوقعات الداعمة لبتكوين “تساعد سوق العملات المشفرة بأسرها، حيث تظهر ارتباطات كبيرة بين ارتفاع بتكوين والأصول (الرقمية) الأخرى”.

ومطلع الشهر الجاري أجرت شركة فيندر المالية، ومقرها المملكة المتحدة، مسحا شمل 40 متخصصا في سوق العملات المشفرة، توقع معظمهم ارتفاع بتكوين إلى 88 ألف دولار منتصف هذا العام قبل أن تستقر عند 77 ألف دولار في نهاية 2024.

وخلص المسح إلى أنه من المرجح أن يصل متوسط سعر بتكوين إلى 87.7 ألف دولار في 2024، ويتوقع عدد أقل من الخبراء أن يرتفع إلى 200 ألف دولار.

وعلى الجانب الآخر، فإن متوسط أدنى سعر يمكن أن تصل إليه عملة بتكوين بحلول نهاية العام الحالي هو 35.7 ألف دولار، حسب ما ذكره تقرير المسح.

وفوق ذلك يتوقع المسح أن ترتفع عملة بتكوين إلى أكثر من 122.6 ألف دولار في العام المقبل على أن تصل قيمتها إلى قرابة 367 ألف دولار بحلول نهاية العقد الحالي.