العمانية بشرى خلفان: نسائي ذكيات صبورات يعاملن الحياة بضحكة

"دلشاد - سيرة الجوع والشبع" رواية من أبرز الروايات المرشحة للتتويج بجائزة "البوكر" لهذا العام.
الخميس 2022/05/19
موضوع الأمومة يهمني دائما

مسقط - تقول الروائية العمانية بشرى خلفان إن “الحكاية الشعبية هي واحدة من طرق مقاربة الثقافة المكونة لأي مجتمع ومرجعياته، وتعكس رؤية المجتمع لنفسه وقيمته الذاتية وأهم خصائصه المكونة، الحقيقية منها والمتخيلة، كما أنه عبر هذه الحكايات نستطيع مقاربة وفهم الظروف المكونة لهذا المجتمع سواء الظروف المادية أو النفسية، لذلك استخدمت الحكاية الشعبية في ‘دلشاد’ حتى أقول ما أريد قوله عن الثقافات دون السقوط في فخ السرد التقريري، بل وفي استظهار لغنى هذه الثقافات المتعددة وانعكاساتها”.

جاء ذلك في لقائها مع موقع الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، والتي تفصلنا أيام قليلة عن إعلان نتائجها في الثاني والعشرين من مايو الجاري، في حفل سيقام في العاصمة الإماراتية أبوظبي يوم الأحد، فيما تعتبر خلفان من أبرز المرشحين للتتويج بالجائزة هذا العام.

رواية "دلشاد" سيرة حافلة بالتفاصيل تحول أبطالها إلى رموز وحكاياتها إلى دلالات لا تنتهي في حدود الشخصيات

وتتنافس على الجائزة في دورتها الخامسة عشرة، إضافة إلى رواية “دلشاد - سيرة الجوع والشبع” لبشرى خلفان، روايات: “ماكيت القاهرة” لطارق إمام و”يوميات روز” لريم الكمالي و”الخط الأبيض من الليل” لخالد النصرالله و”خبز على طاولة الخال ميلاد” لمحمد النعّاس و”أسير البرتغاليين” لمحسن الوكيلي.

وتوضّح قائلة “الأمومة ليست فقط في دورها أو صورتها البيولوجية بل في إحالاتها التجذيرية وإسقاطاتها على العلاقة بالوطن وبالثقافة الأصلية المكونة للشعوب”.وفي سياق متصل تشير الكاتبة بشرى خلفان إلى أن موضوع الأمومة يهمها دائما؛ وذلك في دفاعها عن اليتامى، ذكورا وإناثا، الذين يتوقون إلى حنان الأم.

تتحدث الرواية عن الجوع وتأثيراته النفسية على الشخوص، علاوة على تأثيراته الجسدية. وتعلق الكاتبة “تقول مريم دلشاد في مكان ما في الرواية إن الجوع مثل المرض يبقى في الدم، ربما تختفي أعراض الجوع لكنه يبقى بمدلولاته النفسية كامنا وعميقا، وداخل سرداب الجوع ذاك تتكون الكثير من الخصائص المجتمعية الناتجة عن الندرة والصراع على البقاء وما تفرزه من طبقات، بل والكثير من الأمراض التي تحتاج إلى عقود طويلة من الشبع حتى تشفى”.

وتحكي الرواية عن قسوة فردوس تجاه مريم وفريدة، مثلا قولها “ترى هل هذا ما يحدثه الغنى والشبع في النفوس؟ أن يتحول خيط الدم إلى صرة مال، ويصير الحليب مجرد قروش تعد؟”، ولا نرى تلك القسوة في الأحياء الفقيرة، سواء في مسقط أو مطرح.

وتعلق خلفان “القسوة موجودة في النفس البشرية وفي كل المجتمعات وإن تباينت أشكالها وأسبابها، قسوة فردوس كان ظاهرها المال لكن باطنها الفقر العاطفي، وقسوة حارات مسقط كان ظاهرها الجوع وباطنها انعدام الشعور بالأمان، تقرأ القسوة من خلال مناظير متعددة، ولا يمكن حصرها في ثقافة أو بيئة أو طبقة واحدة، ولكن مريم تنظر بمنظورها الشخصي ومن خلال تجربتها في بيت لوماه مع فردوس تحديدا”.

ودلشاد شخص في الرواية لكنه لا يحضر كبطل، وهو ما تبرع الروائية في الخوض فيه من خلال تحويل الشخص الواحد إلى سلالة من الأشخاص والحكايات التي تتقاطع وتتداخل، وخاصة عبر شخصيات نسائية.

بشرى خلفان: الحكاية الشعبية هي واحدة من طرق مقاربة الثقافة المكونة لأي مجتمع ومرجعياته، وتعكس رؤية المجتمع لنفسه وقيمته الذاتية

يكبر دلشاد في الحي البلوشي الفقير في مسقط. وهو ما يدفع إلى سؤال الروائية إن كانت قد بحثت في الثقافة البلوشية ولغتها استعداداً لكتابة الرواية؟ فتجيب “نعم أجريت الكثير من البحث في الثقافة البلوشية ولغتها قبل وأثناء الكتابة، وقد انقسم إلى قسمين بحث مكتبي وبحث ميداني، نزلت فيه إلى الميدان والتقيت فيه بالكثير من النساء البلوشيات وتحديدا النساء الكبيرات في السن واللاتي ما زلن يحتفظن بالكثير من المرويات الفلكلورية البلوشية”.

وكان بإمكان خلفان تسمية الرواية “مريم دلشاد” بدلاً من “دلشاد”، حيث أن شخصية مريم دلشاد حاضرة بقوة وتنتهي الرواية بها وهي مقيمة في مطرح، وهنا تبين الكاتبة أن “دلشاد شخص في الرواية لكنه سلالة في العنوان، وصفاته تتوارث عبر جيل من النساء الذكيات الصبورات واللاتي يتعاملن مع الحياة وأوجاعها بضحكة شاهقة”.

وتفسر الروائية العمانية رمزية البحر في الرواية قائلة إن “للبحر دلالات متعددة ومتناقضة ربما، فالبحر هو الغياب وهو الفرصة الجديدة والمغامرة والتحدي الكامن فيها، هو الانبعاث من جديد عبر تحولات الزمان والمكان”.

أما حول رمزية الضحكة في الرواية، هذه الضحكة التي ورثتها مريم عن أبيها دلشاد وورثتها فريدة عن أمها مريم، فتبين الكاتبة أن الضحكة هنا هي ارتداد لأقصى الألم والحيرة، هي أداة للتعامل مع البؤس بمختلف أشكاله، هي وسيلة لمواجهة الموت والفقد والحزن والبؤس والخواء.

14