العمال الكردستاني يقترب من قرار تاريخي بحل نفسه لإنهاء ذرائع تركيا

التطورات تأتي في توقيت حساس إذ تعاني تركيا من تحديات داخلية واقتصادية وأمنية، وتستعد لمرحلة سياسية جديدة.
الجمعة 2025/05/09
الكرة باتت في ملعب الحكومة التركية لانهاء الصراع مع المتمردين الأكراد

أنقرة - أعلن حزب العمال الكردستاني هذا الأسبوع عن عقد مؤتمره الثاني عشر في شمال العراق، وانه يقترب من اتخاذ قرار تاريخي بحلّ الحزب، في خطوة غير مسبوقة لإنهاء أربعة عقود من القتال مع الدولة التركية، ولإعادة رسم العلاقة بين أنقرة والأكراد في تركيا والمنطقة. ويعد القرار الذي أُعلن عنه عبر وكالة فرات للأنباء المقرّبة من الحزب، تحولا جذرياً من شأنه أن يسهم في تهدئة الأوضاع الأمنية في الإقليم، ويضع تركيا أمام اختبار سياسي جديد بشأن تعاملها مع القضية الكردية.
وجاء في بيان رسمي أن المؤتمر انعقد من 5 إلى 7 مايو الجاري في "مناطق الدفاع المشروع" داخل الأراضي العراقية، استجابة لدعوة من زعيم الحزب التاريخي عبدالله أوجلان المعتقل منذ عام 1999، والذي طالب في فبراير الماضي بحل الحزب ونزع سلاحه كخطوة نحو إنهاء القتال مع السلطات التركية.
واعتبر البيان أن قرارات المؤتمر تمثل "تحولاً تاريخياً" وتستجيب لنداء السلام الذي أطلقه أوجلان، مع تأكيد على أن التفاصيل الكاملة للنتائج والوثائق المرتبطة بالمؤتمر ستُعرض على الرأي العام قريباً.
وكان حزب العمال الكردستاني قد ردّ إيجاباً في الأول من مارس على دعوة أوجلان، بإعلان وقف فوري لإطلاق النار. ورغم هذا الإعلان، استمرت بعض الاشتباكات المحدودة في شمال العراق، ما يسلّط الضوء على هشاشة الوضع الميداني وضرورة وجود التزام مشترك من جميع الأطراف.
وتأتي هذه الخطوة في توقيت حساس، إذ تعاني تركيا من تحديات داخلية واقتصادية وأمنية، وتستعد لمرحلة سياسية جديدة. ويُتوقع أن يكون لقرار الحزب تداعيات مباشرة على السياسة الداخلية التركية، وخصوصاً أنه يسحب من يد الرئيس رجب طيب أردوغان ورقة طالما استخدمها ضد خصومه السياسيين، متهماً إياهم بالتعامل مع "جماعات إرهابية".
ومن شأن حلّ الحزب ونزع سلاحه أن يزيل الذريعة الأساسية التي طالما اعتمدت عليها أنقرة في تنفيذ عملياتها العسكرية شمال العراق، حيث تحتفظ تركيا منذ أكثر من 25 عاماً بوجود عسكري واسع النطاق، بزعم التصدي لمقاتلي الحزب المتحصنين في جبال قنديل ومناطق أخرى من إقليم كردستان.
ويُنظر إلى هذه الخطوة من قبل مراقبين على أنها فرصة نادرة لتحقيق استقرار طويل الأمد في شمال العراق، وفتح صفحة جديدة في العلاقة بين تركيا والأكراد، سواء في الداخل التركي أو في دول الجوار. كما تطرح تطورات المؤتمر الكردستاني تساؤلات جدية حول مدى استعداد أنقرة لاغتنام هذه الفرصة، وتحويلها إلى مسار تفاوضي شامل بدلاً من الاستمرار في المعالجات الأمنية.
ويرى محللون أن الكرة باتت في ملعب الحكومة التركية، التي باتت مطالبة اليوم بإثبات جديتها في التعامل مع الملف الكردي بطرق سلمية وسياسية، خصوصاً بعد أن زالت الأسباب العسكرية المباشرة لاستمرار المواجهة. ومن بين أبرز المطالب الكردية التي يمكن أن تطرح مجدداً على الطاولة: توسيع الحقوق الثقافية واللغوية، مراجعة قوانين مكافحة الإرهاب التي تستهدف النشطاء الأكراد، وإعادة فتح باب الحوار السياسي الذي أُغلق منذ فشل محادثات السلام في عام 2015.
في هذا السياق، قد يشكل حلّ حزب العمال الكردستاني فرصة حقيقية لتحريك الجمود السياسي، وبناء مناخ من الثقة بين مكونات المجتمع التركي، مع إمكانية أن تتسع انعكاسات القرار لتشمل الإقليم بأكمله، خصوصاً إذا ما قررت تركيا التخفيف من تدخلاتها العسكرية في الأراضي العراقية، والتوجّه نحو شراكة أمنية وسياسية جديدة مع حكومة إقليم كردستان.
وبينما يُنتظر الإعلان الرسمي عن تفاصيل المؤتمر والآليات التنفيذية لحلّ الحزب، تبقى الأنظار موجهة إلى أنقرة، التي تواجه لحظة اختبار حقيقية: إما أن تلتقط إشارات السلام وتردّ بمبادرات سياسية جادة، أو تُصر على مقاربتها الأمنية التي لم تنجح في إنهاء الأزمة على مدى أربعة عقود.