العلاقات الأميركية – الأفريقية: هل يمكن الرجوع بعقارب الساعة إلى الوراء؟

لم تكن العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا جيدة في السنوات الأخيرة. وعانت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث كان معاديا علنا للعديد من الدول الأفريقية، ووصفها بـ”الأوكار القذرة”. كما ألغى التزامات الولايات المتحدة بصناديق تغير المناخ الحيوية التي تدعم القارة. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارة متعددة الدول إلى أفريقيا جنوب الصحراء هذا الشهر عن إعادة انخراط الولايات المتحدة في القارة. لكن، هل فات أوان إعادة العلاقات المزدهرة؟ ربما.
يكمن الدافع وراء هذا التحول في حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن الولايات المتحدة قد خسرت نفوذها الجيوسياسي لصالح روسيا والصين على مدى العقد الماضي. لكن العوامل الاقتصادية الأخرى قد تغير العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا مع تحسّن إمدادات الطاقة الخضراء في القارة.
وخلّف الضرر الذي أحدثته إدارة ترامب ندوبا عميقة في نفسية العديد من القادة الأفارقة، خاصة في جنوب القارة. واستثمر الصينيون والروس بسخاء في القارة من جهة أخرى لشغل الفراغ الذي تركته القيادة الأميركية. وكانت هذه الإستراتيجية ناجحة، حيث تعد الصين اليوم من الممولين الرئيسيين لمشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء القارة وذلك من خلال مبادرة الحزام والطريق. كما أن بكين استثمرت بشكل كبير في قطاع التكنولوجيا المتنامي في أفريقيا.
وبرز عمق روابط روسيا في القارة من خلال الاضطرابات الجيوسياسية بشأن الصراع في أوكرانيا، حيث التزمت دول مثل جنوب أفريقيا الصمت بشأن الغزو ورفضت الانحياز إلى أي طرف فيه، وهو ما يُنظر إليه على أنه موقف يؤيد روسيا ضمنيا.
ورغم أن مسار إعادة العلاقات القوية سيكون صعبا، إلا أن هناك نهجا واضحا يمكن أن تسلكه الولايات المتحدة، ويبدو أن القيادة تدرك ماهيته. وهو يشمل احتياجات الطاقة المتغيرة بسرعة في جنوب أفريقيا. وتشهد الدولة، التي تتمتع بأكبر اقتصاد صناعي في القارة، أزمة طاقة مطولة. وتدير شركة الكهرباء الوطنية أسطولا من المحطات القديمة التي تعمل بالفحم وهي في حاجة ماسة إلى إصلاحات.
وأثّر الفساد المستشري وسوء إدارة الحكومة للأموال في عهد الرئيس السابق جاكوب زوما على شركة الكهرباء الوطنية بشكل خاص، مما صعّب الإصلاحات. وكانت النتيجة رقما قياسيا في حالات انقطاع التيار الكهربائي في النصف الأول من السنة الحالية، مما شل جهود اقتصاد جنوب أفريقيا في التعافي بعد الوباء.
الولايات المتحدة قد تمتلك رأس المال والمعرفة للاستثمار في أفريقيا، لكنها ستحتاج إلى الاعتماد على الشركاء الإقليميين لضمان أن تؤدي استثماراتها إلى ثورة حقيقية للطاقة الخضراء في القارة
ورفع الرئيس سيريل رامافوزا مؤخرا جميع القيود المفروضة على كمية الطاقة التي سُمح لمزودي الطاقة المتجددة الخواص ببيعها، حيث كانت الحكومة تضع حدا أقصى يبلغ 100 ميغاواط. ومع إلغاء القيود، تنفجر اندفاعة ذهبية للطاقة الخضراء لأن مناخ جنوب أفريقيا يعدّ مثاليا لتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتقود الشركات الصينية الجهود لتزويد البنية التحتية للطاقة الشمسية. كما تتوفر فرصة حقيقية لشركات الطاقة الخضراء الأميركية لتؤسس حصتها في الثورة الخضراء في البلاد.
وتزامنا مع جولة الوزير بلينكن، زارت المنطقة مجموعة تشمل مستثمري الطاقة الخضراء الأميركيين مع أكثر من تريليون دولار من الأصول في رحلة نظمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومنظمة بروسبر أفريكا، وهي مبادرة من الحكومة الأميركية لزيادة التجارة والاستثمار مع الدول الأفريقية. وعندما تضخّ هذه الشركات أول استثماراتها في تحول الطاقة، فإنها ستتبع خطى أمازون التي افتتحت مزرعة شمسية في أوائل سنة 2022 لتشغيل عملياتها المتنامية في جنوب أفريقيا.
وقال كاميرون كهسروشاهي وهو كبير مستشاري الاستثمار في بروسبر أفريكا في مقابلة مع منصة بزنس تك خلال الزيارة: “لا توجد موارد عامة كافية في ميزانيات المانحين وفي الميزانيات المحلية، على سبيل المثال في جنوب أفريقيا، لحل أزمة المناخ. وستكون الحاجة ماسة إلى زيادة رأس المال الخاص إلى جانب رأس المال العام لمواجهة التحدي. وهذا جزء من سبب وجودنا هنا”.
وتعترف الولايات المتحدة بأن نهج الصين تجاه القارة كان الأفضل من خلال تشجيع الاستثمار في مشاريع الطاقة الخضراء. وقد أسست الصين موقعها كمقرض أرخص لتمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية الضرورية لتنمية المدن الأفريقية مع استمرار توسع سكان القارة. ولم تبد الولايات المتحدة اهتماما باتباع نفس الطريق في عهد ترامب، لكن الرئيس جو بايدن أقر بأهمية أفريقيا الحيوية لمصالح للولايات المتحدة الإستراتيجية. وهو يتبع الآن قواعد اللعبة الصينية. وحتى تحقق هذه الإستراتيجية نتائجها المرجوة، يتوجب على الولايات المتحدة الاستفادة من الشركاء الإقليميين للمساعدة في تحول أفريقيا إلى الطاقة الخضراء.
وأثبتت دول الشرق الأوسط مثل إسرائيل والإمارات العربية المتحدة كونها من الشركاء الأساسيين في تحول الطاقة في أفريقيا. فخلال أزمة المياه في كيب تاون سنة 2018، على سبيل المثال، عملت الشركات الإماراتية والإسرائيلية مع المسؤولين المحليين في مشاريع تحلية المياه لتخفيف النقص. كما تعمل الشركات التركية مع مزودي الكهرباء في جنوب أفريقيا للتوصّل إلى حلول مبتكرة لمشاكل انقطاع التيار الكهربائي (بما في ذلك محطة طاقة عائمة قبالة ساحل كيب تاون).
وقد تمتلك الولايات المتحدة رأس المال والمعرفة للاستثمار في أفريقيا، لكنها ستحتاج إلى الاعتماد على الشركاء الإقليميين لضمان أن تؤدي استثماراتها إلى ثورة حقيقية للطاقة الخضراء في القارة. وبينما لا يزال طريقها نحو إعادة بناء العلاقات طويلا، إلا أنها سجّلت تحولا واضحا في نهجها في الوقت المناسب تماما للمشاركة في مستقبل الطاقة في أفريقيا.