العلاقات الأميركية - المغربية في ظل الشروط والتحديات العالمية

من منظور صناعة السياسات يشكل لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأميركي ماركو روبيو وطبيعة الملفات التي تم تدارسها، ومنها ملف الصحراء وملف العلاقات التجارية والأمنية والعسكرية، إحدى الترتيبات التي تجمع البلدين وتكشف عن توافق واضح على مستوى تدبير المخاطر وجلب المنافع ومعالجة التحديات الأمنية والسياسية المشتركة. كما يُعدّ عنصرًا هامًا ضمن التنوع الواسع في الشراكات والتحالفات التي خطط لها المغرب ونفذها على مدى عقدين، وهو أمر بالغ الأهمية ضمن التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها العالم حاليًا.
لقاء المسؤولين عن ملف الشؤون السياسة الخارجية للرباط وواشنطن يتقاطع مع عدد من التحولات التي تعرفها المنطقة والعالم، ويُعبّر عن الترابط العسكري والأمني والتجاري والاقتصادي المتبادل. فالإدارة الأميركية تعرف مدى حساسية ملف الصحراء بالنسبة إلى المغرب، ولهذا كانت منسجمة مع سياساتها في الولاية الأولى عندما اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه. وهو ما أكده ماركو روبيو مشيرا إلى “دعوة الرئيس ترامب للأطراف المعنية إلى الشروع فورًا في مفاوضات، بالاعتماد على مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد، من أجل التوصل إلى حل مقبول للطرفين،” كما تعهّد بأن تساهم بلاده “في تيسير هذه المفاوضات لتحقيق هذا الهدف.”
المغرب منخرط في تشكيل النظام الدولي وديناميكيات الأمن الإقليمي من خلال إستراتيجيته لتنويع الشركاء مع الإبقاء على العلاقات التقليدية مع شبكات دول، منها واشنطن
بمعنى أنه لا يمكن الركون إلى ما تنادي به الجهات التي تدعم انفصال الصحراء عن وطنها الأم المغرب. فواشنطن ترعى هذا الملف على أساس عدالة القضية التي تدافع عنها المملكة، وأيضًا انحيازها الكامل لحليفها الدائم ضمن نظام التحالف الذي بدأت الولايات المتحدة ببنائه في نهاية الحرب العالمية الثانية، ويأتي ترجمة لقرون من الشراكة الثنائية. وهو ما أكده ناصر بوريطة وماركو روبيو، بتشديدهما على “الشراكة المتينة بين الولايات المتحدة والمغرب من أجل تعزيز السلام والأمن، تحت قيادة الرئيس ترامب والملك محمد السادس.” وبلا شك، تتحمل المملكة مسؤولياتها الأمنية والسياسية والدبلوماسية ضمن إستراتيجية الأمن القومي في إدارة علاقاتها مع حليفها الأميركي، خصوصًا مع توسّع شبكة العلاقات الأمنية للمغرب لتنفيذ إستراتيجيات مكافحة الإرهاب.
إذا كانت الالتزامات الأمنية الأميركية لها آثار إيجابية كبيرة على التجارة الثنائية الأميركية – المغربية، فالرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على مجموعة من الدول، والتي تستهدف بالضرورة سياسيًا وتجاريًا الصين وروسيا، الخصمين الإستراتيجيين لواشنطن، لا تشكل تهديدًا موضوعيًا لمصالح المغرب التجارية. فنسبة 10 في المئة المفروضة على المغرب كحد أدنى لن تشكل أيّ تهديد لعلاقاتهما الثنائية ومتعددة الأبعاد.
الأهم من ذلك كله، أن الولايات المتحدة، من خلال إعادة استثمارها في شبكة علاقاتها الأمنية والتجارية والاقتصادية العالمية، ترسم حدودًا لمنافسيها. وبالتالي، يفهم المغرب ما تقوم به واشنطن، لهذا، كان تعليق الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب بعيدًا عن التوجس، عندما ربطها باستعداد المملكة “لتعزيز اتفاقية التبادل الحر الموقعة مع الولايات المتحدة في إطار دورها كبوابة للتجارة والاستثمار بأفريقيا والعالم العربي.”
الكل يتحدث عن تغيير في موازين التجارة العالمية. وفي هذا الخضم، تستند المملكة إلى اتفاقية تبادل حر مع الولايات المتحدة، حيث ستخضع لرسوم جمركية منخفضة بنسبة 10 في المئة فقط، ما يعطيها ميزة تنافسية أكبر. وهو ما يعزز الشراكة الإستراتيجية متعددة الأبعاد بين واشنطن والرباط، وهو ما ترجمته المباحثات بين وزير الخارجية المغربي ومايك والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، ضمن إستراتيجية بناء للقوة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بعيدة المدى التي دشنتها المملكة.
لا يمكن فصل الدعم الأميركي لشراكته مع المملكة عن تصنيف الممثل الخاص للأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" لمنطقة الجوار الجنوبي خافيير كولومينا المغرب ضمن الشركاء الفاعلين للحلف
ومعلوم أن المغرب الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تربطها علاقة اتفاقية تبادل حر مع أميركا، وأيضًا محطة للتعاون العسكري عبر اتفاقيات وصفقات تسليح وتدريبات عسكرية على غرار الأسد الأفريقي، والتفكير في نقل قاعدة “أفريكوم”، المسؤولة عن العمليات العسكرية في القارة الأفريقية، من ألمانيا إلى داخل التراب المغربي. بالتالي، فالوصول الإقليمي، والوعي بالأوضاع المعقدة إقليميًا ودوليًا ضمن علاقاته الأمنية والسياسية الإستراتيجية، والقدرة على التشغيل البيني للقوات المشتركة، عوامل لشراكة مُريحة ومربحة للبلدين، دون التفريط في قرار تنويع الشراكات كقرار مغربي سيادي وإستراتيجي يخدم أيضًا عمق هذه الشراكة.
لا يمكن فصل الدعم الأميركي لشراكته مع المملكة عن تصنيف الممثل الخاص للأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” لمنطقة الجوار الجنوبي خافيير كولومينا المغرب ضمن الشركاء الفاعلين للحلف، وأن “الناتو” يرغب في الاستفادة من خبرة المغرب، الذي أبدى إرادة أكثر قوة لتعزيز تعاونه مع الحلف مقارنة بدول أخرى في المنطقة، لأن، في نظرنا، الولايات المتحدة ودول الناتو تعرف جيدًا التكاليف الباهظة للعمل المنفرد على المستويات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.
اللقاء بين وزيري خارجية المغرب والولايات المتحدة في هذه الظروف الحساسة يملي على صناع السياسة في البلدين النظر إلى شبكة علاقاتهما الأمنية والدبلوماسية والسياسية من منظور تبادلي قائم على تقاسم التكاليف والمنافع، من خلال القيمة الإستراتيجية الأوسع للشراكة البينية باعتبارها الآلية الرئيسية التي تُمكّن واشنطن من مواجهة منافسيها من القوى العظمى سواء داخل المجال الأفريقي أو العربي والدولي.
ومعروف أن المغرب منخرط في تشكيل النظام الدولي وديناميكيات الأمن الإقليمي من خلال إستراتيجيته لتنويع الشركاء مع الإبقاء على العلاقات التقليدية مع شبكات دول، منها واشنطن. والولايات المتحدة تعيد الاستثمار بشكل كبير في برنامجها الدفاعي، مع الحفاظ على مستوى طموحاتها لقيادة العالم من خلال إعادة التوازن إلى عالم التجارة والاستثمار، مع إعادة قراءة متجددة لمفهوم واشنطن التقليدي للتحالفات. والمغرب، بوجود إدارة ترامب، أمامه فرصة لدعم القاعدة الصناعية الدفاعية، وتحفيز الاستثمارات، وتوسيع القدرة الإنتاجية.