العطلة المدرسية المطولة راحة للأبناء وإرهاق للأمهات

المعاناة تزداد مع الأمهات العاملات وتصل حد الاضطرابات النفسية.
الجمعة 2024/06/14
المدرسة تخفف عن الأم رعاية أبنائها

لا تفرح ربات البيوت بالعطل المدرسية المطولة، كما يشكل موسم إجازات الأبناء من المدارس بالنسبة إلى الأمّهات العاملات حدثا غير عادي، حيث تكون الأم خارج البيت في وقت يكون فيه أطفالها داخله، ما يزيد من حيرتها ويشتت تفكيرها. وبين أدائها لوظيفتها على أكمل وجه وإحساسها بالذنب تجاه أطفالها القابعين في المنزل تصاب الأم بالقلق والتوتر وتصل معاناتها حد الإصابة بأمراض نفسية وجسدية.

تونس - تعد العطلات المطولة جزءا هاما من الإجازات الصيفية وحتى الآن لم يستطع العلم أن يقدم أي بيان محدد عن مدة فترة الراحة التي يجب أخذها من الحياة اليومية، ففي البلدان العربية يمكن أن تمتد العطلة إلى ثلاثة أشهر، بينما في البلدان الأوروبية (بعض المقاطعات السويسرية ،على سبيل المثال) لا تتجاوز العطلة ثلاثة أسابيع.

وبقدر ما يسعد الأطفال بالعطلة الصيفية المطولة باعتبارها راحة واسترخاء، فإن الأمهات يزداد إرهاقهن لكثرة طلبات الأطفال بعد أن كانوا يقضون جل الوقت في المدرسة، وفق جدول منظم يضبط مواعيد دخولهم إلى المدرسة وعودتهم إلى البيت.

وتقول حنان عيساوي (45 عاما)، ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، إنها لا تفرح كثيرا للعطلة الصيفية عكس بعض الأمهات، نظرا لأنه لا يوجد فضاء آخر يقضي فيه الأطفال وقتهم غير البيت. وبحكم حركتهم الكثيرة يصبح البيت كثير الضوضاء فاقدا للتنظيم فتتشتت بين توفير طلباتهم وطلبات زوجها وإعادة تنظيم البيت، وهو ما يرهقها ويزيد من عصبيتها.

وتضيف لـ”العرب” أن المنطقة التي تقطنها تفتقد إلى أماكن ترفيه آمنة، وهو ما لا يشجعها على إرسال أطفالها إليها. وحتى وإن وجدت بعض فضاءات الترفيه كالمسابح مثلا فأسعارها ليست في المتناول ما يجعلها تكتفي بإرسال أطفالها إلى بيت جدهم نهارا ليعودوا إليها مساء، أو أن يلعبوا مع أبناء الجيران وتكتفي هي بمراقبتهم من حين إلى آخر من شرفة المنزل.

التأثر النفسي بهذا الوضع يختلف من امرأة إلى أخرى، حسب قدرتها واستعدادها للتكيف مع الأحوال التي تخص رعايتها لهؤلاء الأبناء

بدورها تعيش رشيدة الشابي الأم الخمسينية نفس المعاناة، فبنتاها كثيرتا الخصام ولا تتفقان أبدا وقد اضطرت إلى ترك العمل من أجل ابنتها الصغيرة عصبية المزاج التي تقوم بعلاجها لدى طبيب نفسي.

وتقول الشابي لـ”العرب”، “تمثل العطلة بالنسبة لي إرهاقا مضاعفا، تنام الطفلتان على امتداد فترة الصباح وتستيقظان في القيلولة عندما أريد أنا الخلود إلى الراحة فتتشاجران على أتفه الأسباب وتزعجانني، ويمكن أن يمتد إزعاجهما إلى الجيران.

أنا أتفهمهما فهما يريدان أن يتخلصا من تعب الدراسة لكني أنا أيضا مرهقة من عام دراسي كامل أتحمل أعباءه لوحدي، فأبوهما شبه غائب عن المنزل لا يعود إليه إلا بعد ساعات طويلة من انتهاء دوامه”.

وتتضاعف مسؤولية الأمهات أثناء العطل المطولة ويزيد قلقهن على الأبناء إذا كن عاملات.

فإذا كانت الإجازة الصيفية تعني للأبناء التحرر من الالتزامات والواجبات المدرسية، والانطلاق للمرح والترويح عن النفس، فهي بالتأكيد ليست  كذلك بالنسبة إلى الكثير من الأمّهات العاملات، إذ تبدأ سيناريوهات القلق على الأبناء تراودهن فيتساءلن: كيف سيبقى الأطفال في البيت وحدهم؟ من سيرعاهم؟ كيف أجعلهم يستفيدون من وقت الفراغ الطويل؟ كيف أضمن عدم قيامهم بأي أعمال تشكل خطورة على أنفسهم في غيابي؟ ما البرامج المناسبة لشغل أوقات فراغهم داخل البيت؟

وهذه الأسئلة وغيرها هي بعض ما يدور في أذهان الأمّهات العاملات، بسبب ظروف تتكرر أكثر من مرة في العام عند الإجازات الطويلة أو القصيرة. ويشكل موسم إجازات الأبناء من المدارس بالنسبة إلى الأمّهات العاملات حدثا غير عادي، حيث تكون الأم خارج البيت في وقت يكون فيه أطفالها داخله.

وضعت الدكتورة أريج محمّد، وهي طبيبة نسائية وأم لأربعة أطفال، خطة لاحتواء أزمة وجود الأبناء في البيت أثناء الإجازات بينما تكون هي في العمل، في محاور عدة تشرحها قائلة “قبل بداية موسم الإجازة أجلس مع زوجي ونضع جدولا متكاملا لإشراكهم في بعض الدورات الترفيهية والثقافية، كما نرتب مواعيد دوام زوجي، بحيث مثلا يكون في معيتهم في كلّ الأوقات التي أكون أنا فيها في العمل”. وعلى صعيد آخر، وبحكم عملها طبيبة، فإنّ الدكتورة أريج تكشف أنها تغير جدول عملها الصباحي بالتنسيق مع زميلاتها إلى جدول ليلي، وتضيف “بحيث أستطيع رعاية أبنائي في النهار والخروج معهم إلى المطاعم أو بعض البرامج الترفيهية، إذ لا بدّ من هذه البرامج التي يحرمون منها أثناء فترات الدراسة، وبهذا لا أشعر بالذنب لأني أحرمهم من أمور يحبون ممارستها في الإجازة. وفي المساء عندما أعود إلى عملي أطمئن إلى أنّهم داخل أسرتهم بعد قضاء يوم حافل معهم”.

بدوره يقول استشاري الطب النفسي الدكتور طلعت مطر “إن رعاية الأولاد تعتبر جزءا أساسيا في حياة المرأة”، مؤكدا أنّ “هذا الدور الاجتماعي له علاقة وطيدة بالصحة النفسية للمرأة، ويمكن أن يصبح مصدرا لقلقها إن شعرت بأي تقصير فيه”.

ويشير إلى أنّه “في ما يتعلق بالوضع الذي تكون فيه المرأة في العمل، بينما يقضي أبناؤها ساعات الإجازة في البيت، فإنّ التأثر النفسي بهذا الوضع يختلف من امرأة إلى أخرى، حسب قدرتها واستعدادها للتكيف مع الأحوال التي تخص رعايتها لهؤلاء الأبناء وطبيعة علاقتها بهم، ونوع الرعاية التي تقدمها لهم، واعتمادا على كل هذه الأمور، تقل أو تزيد المعاناة النفسية للأم”.

بقدر ما يسعد الأطفال بالعطلة الصيفية المطولة باعتبارها راحة واسترخاء، فإن الأمهات يزداد إرهاقهن لكثرة طلبات الأبناء
بقدر ما يسعد الأطفال بالعطلة الصيفية المطولة باعتبارها راحة واسترخاء، فإن الأمهات يزداد إرهاقهن لكثرة طلبات الأبناء

وعن أهم الآثار النفسية التي يمكن أن تنعكس على الأم بسبب تركها الأولاد داخل البيت والانخراط في دوام العمل، يقول الدكتور طلعت مطر “إنّ إحساس الأم بالقلق والشعور بالذنب وميلها إلى تعويض الأبناء عن ساعات، يقودها إلى أن تسجن نفسها في دائرة محاولات حثيثة لتكون أما صالحة، حتى لو استخدمت طرقا خاطئة لتعبر عن ذلك، مثل تدليل أبنائها بشكل مبالغ فيه ومضر”.

ويؤكد أن “من الآثار النفسية أيضا، الضغوط التي تنتج عن محاولة المرأة العاملة أن تثبت لمن حولها أنها تستطيع أن ترعى أطفالها تحت كلّ الظروف، حتى تأتي فترة الإجازة هذه لتدخلها في امتحان حقيقي وصعب،  همومها وأعباؤها، إذ إنّ المدرسة كانت تخفف عنها فاتورة القلق على أولادها، وتمنحها راحة نفسية بما تحققه لها من طمأنينة عليهم لساعات عدة في اليوم، لكن في أيام الإجازة ينقطع هذا الملاذ الآمن، ويبقى تحمّل عبء الأطفال ومسؤوليتهم على الأم وحدها”. ويقول الدكتور مطر “إنّ زيادة هذه الضغوط في فترة إجازات المدارس، تُعرض المرأة العاملة إلى جملة من الاضطرابات النفسية.

فعدا احتمالات إصابتها بالاكتئاب والإحساس بالذنب، فإنها تعاني التشتت بين ضرورة القيام بعملها كموظفة عليها إثبات قدرتها الوظيفية، وبين رعاية أطفالها في البيت، الأمر الذي يوقعها في براثن التوتر الذي ينعكس على سلوكياتها وتصرفاتها، وقد يؤدي بها الأمر إلى بعض الأمراض النفسية والجسمانية، مثل: الأرق، الصداع، فقدان الشهية واضطرابات الجهاز الهضمي وغيرها من الأمراض الجسدية”.

وبالإضافة إلى قضاء وقت مع العائلة يعتبر وقت الفراغ في العطلات الصيفية شديد الأهمية لصحة الطفل ورفاهه وتطوره. فلا توجد واجبات منزلية أو مواعيد وبالتالي يفقد الطفل الإحساس بالوقت ويشعر بالملل.

ويرى الخبراء أنه بالرغم من أن فترات الراحة ضرورية للأطفال لمعالجة ما تعلموه والاستمتاع بوقتهم بعيدا عن المهام والمسؤوليات، لا يُقصد بالعطلة أنها حالة من الركود فمخ الطفل لا يتوقف عن التطور حتى أثناء العطل. وهناك نظامان في المنطقة الجوفية بالمخ يعملان أثناء العطلات العائلية هما نظام اللعب ونظام البحث.

ويتفاعل نظام اللعب مع الخبرات الحسية مثل الشعور بالرمال بين أصابع القدمين أو صوت الطبيعة بينما يتطور النظام الثاني أثناء استكشاف بيئة جديدة. وبمجرد أن يبدأ النظامان في العمل يفرز المخ هرمونات السعادة مثل هرمون الدوبامين والأوكسايتوسين.

وتعمل المادتان على تقليل مستوى التوتر وتحسين الصحة. ويعمل نظاما اللعب والبحث بطريقة تماثل طريقة عمل العضلات، كلما انتظمت التدريبات وزادت حدتها، كلما تطور التصرف الضمني وأصبح عادة بشكل أسرع. وتصبح المهارات الناتجة جزءا لا يتجزأ من الشخصية. لهذا يوصي الخبراء بأن تكون العطل فرصة للأطفال كي يتعلموا ويستمتعوا في ذات الوقت.

16