العزوف عن الانتخابات المحلية: إحباط ما بعد الثورة ما زال يسيطر على التونسيين

تونس - عكست نسبة المشاركة الضعيفة المسجلة في الانتخابات المحلية قطيعة بين التونسيين والشأن السياسي، وهي القطيعة التي أرجعها الرئيس قيس سعيد إلى غياب الثقة في البرلمانات خاصة بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وسجلت الانتخابات التي جرت الأحد نسبة تصويت متفاوتة بين المناطق الداخلية الريفية والمدن، حيث بلغت نسبة المشاركة في الأرياف 20 في المئة و11.6 في المئة بالمدن، ما يعكس حسب محللين رهان سكان الجهات الداخلية على هذه الانتخابات للنهوض بالتنمية في مناطقهم المنسية.
وقال الرئيس التونسي إنّ سبب العزوف عن التصويت في انتخابات المجالس المحلية هو “رفض عامة التونسيين لفكرة البرلمان”. وجاء ذلك وفق فيديو لقيس سعيد نشرته الرئاسة التونسية، خلال زيارة إلى مؤسسة الفولاذ في مدينة منزل بورقيبة بمحافظة بنزرت شمال تونس.
وقال قيس سعيد إنّ “هذا الرفض كان بسبب البرلمانات التي كانت صورية قبل 2011، ثم البرلمانات التي كانت تتحكّم فيها المافيات بعد 2011”. وأضاف أنه “لا بد من وقت كي يستعيد التونسي ثقته في من يتولى أمره”.
وعقب الإطاحة بنظام بن علي علق التونسيون آمالا عريضة على البديل. لكن تراجع القدرة الشرائية وغياب المشاريع التنموية عن مخططات الحكومات المتعاقبة، مقابل انغماس السياسيين في المشاكل والصراعات على النفوذ، أصابا الكثير من التونسيين بالإحباط، خاصة منهم الشباب الذين يشكلون الفئة الأوسع.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “هناك حالة عامة من الإحباط بعد 2011، لأن سقف الانتظارات كان كبيرا، لكن تبيّن أنه كانت هناك عملية تحيّل كبرى، ولم نعد نرى وجودا للمكونات السياسية والوعود التي قدمتها للناخبين”.
وأضاف لـ”العرب” أن “برلمانات ما بعد 2011 تكاد تكون الأفظع، لأنها سقطت في الزبونية وخدمة الشعارات الشعبوية والمصالح الحزبية، كما أن التجربة التي اكتسبها الشعب التونسي أظهرت أنه لا منفعة ترجى من البرلمانات”.
وأردف خليفة الشيباني "لما تدرك الشعوب أن أحلامها سرقت، فمن الصعب جدا أن تعيد منح الثقة للطبقة السياسية، والآن نلاحظ فقدانا للثقة في الأحزاب ومؤسسات الدولة التشريعية، وحتى الأحزاب تكونت كمقاولات سياسية، ولم نلاحظ أنها تملك أدوارا اجتماعية واقتصادية وثقافية”. واستطرد قائلا “هناك خشية من التحيّل السياسي لدى المواطنين، واسترجاع الثقة بين الحاكم والمحكوم يحتاج إلى عمل اجتماعي عميق”.
وعلى عكس ما تروج له المعارضة، يرى محللون أن ضعف المشاركة دليل على ثقة التونسيين في مسار 25 يوليو 2021 وليس استجابة لدعوات المعارضة المنادية بالمقاطعة.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت لـ”العرب” إن “الرأي العام حسم مسألة التعددية واتجه نحو دولة قوية وتأجيل الاستحقاق، بل ترحيل المسألة التعددية إلى ما بعد بناء الدولة الجديدة”.
والاثنين شكك أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، في نتائج انتخابات الأحد، معتبرا أن تدنّي نسبة المشاركة فيها دليل على رفض الشعب لمسار قيس سعيد.
في المقابل يربط بعض المحللين ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات بتراجع حدة الجدل الأيديولوجي الذي سيطر عقب الثورة وكان دافعا للكثير من التونسيين إلى المشاركة خشية فقدان المكاسب المدنية التي حققتها الدولة منذ الاستقلال.
وكان التفاوت بين المدن والمناطق الريفية أمرا لافتا، وهو ما فسره أستاذ علم الاجتماع سامي بن نصر بالاختلافات القديمة - المتجددة بين الجهوي والمركزي ومدى تمتع المواطنين بنسبة أمل في هذه الانتخابات ذات البعد المحلي الجهوي اللصيق بشواغل المواطنين.
وقال في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الثلاثاء “إن مواطني الجهات يحدوهم الأمل في أن تتحسن الأوضاع وفي أن يرد لهم الاعتبار بعد عقود من التهميش، أكثر من مواطني المركز”.
ولئن اعتبر أن نسبة المشاركة العامة في الانتخابات المحلية، والبالغة حسب ما أعلنته هيئة الانتخابات 11.66 في المئة، ضعيفة بالنظر إلى خصوصية هذه الانتخابات فإنه أكد أن ضعف نسبة المشاركة ليس مقاطعة داعمة للمعارضة، بل العكس تماما؛ فـ”لو قامت المعارضة بحملات مكثفة وواسعة للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات لربما كانت النتيجة عكسية وأقبل المواطنون على الانتخابات نكاية فيها بسبب تواصل رفضهم للمعارضة بوجوهها المعروفة”.
والأحد جرت أوّل انتخابات محلية في تاريخ تونس، تنافس فيها 7 آلاف و205 مرشحين من الأحزاب الداعمة للرئيس التونسي قيس سعيد والمستقلين، للفوز بألفين و155 مقعدا من أجل تشكيل 279 مجلسا محليا.
وأعلنت هيئة الانتخابات مساء الأحد أنّ نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية بلغت 11.66 في المئة من مجموع الناخبين، بعد انتهاء عملية التصويت وإغلاق مراكز الاقتراع. وتعد هذه الانتخابات آخر حلقة في سلسلة تشكيل مؤسسات الحكم وفقا لإجراءات قيس سعيد “الاستثنائية”، بعد الاستفتاء على دستور جديد في 25 يوليو 2022، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر 2022.