العزوف الانتخابي يدفع بعرب إسرائيل خارج اللعبة السياسية

القدس - تمكّن منصور عباس بعد فوز قائمته بأربعة مقاعد في الكنيست في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة من أن يكون بيضة القبان في تشكيل ائتلاف حكومي شارك فيه حزب عربي للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، إلا أن إحباط الفلسطينيين وانقسامهم بشأن الانتخابات التشريعية يهددان بأن لا يحصل أي من الأحزاب العربية على مقاعد في الكنيست، ما يدفعهم خارج اللعبة السياسية.
ويرى محللون أن الأحزاب العربية الثلاثة قد لا تجتاز نسبة الحسم لدخول الكنيست (3.25 في المئة) لوجود أزمة في داخلها وأزمة ثقة مع الجمهور العربي لسلوكيات تكرّس المصلحة الفردية للأحزاب ما أدى إلى انقسامها.
ومن شأن ذلك أن يترك الفلسطينيين في إسرائيل دون تمثيل في الكنيست بعد انتخابات قد تسفر عن تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل إذا ما شكل رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو ائتلافا مع حزب القوة اليهودية.
وتقول أريج صباغ خوري، وهي محاضرة في علم الاجتماع السياسي بالجامعة العبرية في القدس “تخيّل الكنيست من غير عرب.. هذه الانتخابات ستكون مفصلية”.
ويجري التصويت في إسرائيل في الأول من نوفمبر في خامس انتخابات خلال ثلاث سنوات ونصف السنة.
وشكلت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والعربية للتغيير التي يرأسها أحمد الطيبي قائمة واحدة برئاسة أيمن عودة. كما تخوض الانتخابات قائمتا حزب التجمع الديمقراطي برئاسة سامي أبوشحادة، والقائمة الموحدة الحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس.
وفي الانتخابات الأخيرة شغلت الأحزاب العربية عشرة مقاعد فقط من أصل 120 في الكنيست، بعدما تفكّكت القائمة العربية المشتركة التي حصلت على 15 مقعدا في عام 2015 وضمّت أربعة أحزاب.
وتقول الباحثة الإسرائيلية تمار هيرمان من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية “إذا لم يصوّت العرب، فإن فرص اليمين ونتنياهو في تشكيل ائتلاف من 61 مقعدا سترتفع”.
وتضيف “هذه المرة (…) قد يحدث ألا يحصل أي من الأحزاب العربية على مقاعد في البرلمان إذا كانت نسبة المشاركة في التصويت منخفضة للغاية. ستكون لها حظوظ إذا أقبل الناخبون العرب بنسبة 45 في المئة”.
وترى أن ميل العرب إلى “عدم المشاركة له علاقة كبيرة بأحداث مايو 2021″، في إشارة إلى المواجهات العنيفة بين المواطنين العرب واليهود و”شعور العرب بالاغتراب عن الدولة، والوضع السياسي، إضافة إلى خيبات الأمل الشديدة من أداء أعضاء الكنيست العرب”.
وقبل يومين من الانتخابات أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن نسبة المشاركة بين الناخبين الفلسطينيين قد تنخفض إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وأظهر أحدها أن 42 في المئة فقط من المؤكد أن يدلوا بأصواتهم.
وفي الوقت نفسه تشير استطلاعات أخرى إلى أن نسبة المشاركة الفلسطينية قد ترتفع بشكل طفيف من 44.6 في المئة العام الماضي إلى ما يصل إلى 50 في المئة، ولكنها ما زالت أقل بكثير من نسبة التصويت العامة في إسرائيل والتي بلغت 67.4 في المئة في انتخابات العام الماضي.
وفي ظل استطلاعات رأي تظهر أن نتنياهو ما زال غير واثق من الحصول على الأغلبية، يمكن للأحزاب العربية أن تساعد في تشكيل التكتل المناهض له وتحديد شكل الحكومة إذا كان الإقبال بين الناخبين العرب عاليا بما يكفي.
ويرى المحلّل عاص الأطرش أن العرب “يعرضون عن التصويت بسبب خيبات الأمل من سياسات الحكومات الإسرائيلية المتتالية”، معتبرا أن “المشكلة مع الحكومات، وليست مع أعضاء الكنيست العرب”. ويضيف “لم يعد أحد من العرب يرى أي أفق سياسي له”.
وأثارت تكتيكات القائمة العربية انتقادات بعض الناخبين العرب، لاسيما لتجنبها القضية الفلسطينية الأوسع، وهي حصار إسرائيل لغزة واحتلالها للضفة الغربية، التي تظهر استطلاعات الرأي أنها تحتل مرتبة متدنية في قائمة مخاوف الناخبين اليهود. وحتى داخل العائلة الواحدة أصبحت هناك انقسامات في بعض الأحيان.
وتخلى الحزب عن الخطاب القومي، وركز بدلا عن ذلك على مكافحة الجريمة المنظمة والعمل على تحسين التخطيط والبنية التحتية في المناطق العربية، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها تأتي على رأس أولويات المواطنين العرب في إسرائيل.
تكتيكات القائمة العربية أثارت انتقادات بعض الناخبين العرب، لاسيما لتجنبها القضية الفلسطينية الأوسع، وهي حصار إسرائيل لغزة واحتلالها للضفة الغربية
وأضعف انهيار القائمة المشتركة، وهو تحالف من أحزاب يقودها العرب تشكل عام 2015، الآمال في مواجهة ما يعتبره بعض المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل سياسات عنصرية، مشيرين إلى قانون الدولة القومية لعام 2018 والذي ينص على أن اليهود فقط هم من يملكون الحق في تقرير المصير في البلاد.
ورغم ذلك لا يزال منصور عباس يؤمن بأن وجوده داخل ائتلاف حكومي مهم جدا لإحداث تغيير في المجتمع العربي. ويقول “نحن بحاجة إلى أدوات سياسية وأدوات الدولة قرارات سياسية، لذلك لا يكفي وجودي كعضو في الكنيست”، مؤكدا أن سعيه للتأثير ودخول الائتلاف الحكومي مرده إلى أن برنامجه “يتضمن إحداث تغيير”.
وفي فبراير 2021 تعرّض عباس لانتقادات كبيرة عندما ردّ على سؤال لصحافي بالعبرية إذا كان زار “مخرّبين”، في إشارة إلى أسرى فلسطينيين، وأجاب “كلا، لم أقم بزيارة ‘مخربين'”.
وبعد ضجة بين الفلسطينيين قال “قد أكون أخطأت بالرد عليه بنفس تعريفه، ولكنني لم أقصد الوصف، وأعتذر إذا كنت قد أسأت التعبير”.
ومن المآخذ عليه أيضا عندما صرح لبرنامج “غلوبس” الاقتصادي باللغة العبرية أمام جمهور معظمه يهود بأن “دولة إسرائيل ولدت كدولة يهودية”. وبدأ الجمهور بالتصفيق، مضيفا “هذا قرار الشعب اليهودي بإقامة دولة يهودية، هكذا ولدت وهكذا ستبقى”.
ومِثل هذا التصريح غير مسبوق من قيادي في حزب عربي، وقد أثار استياء في الشارع العربي، وانتقده عضو الكنيست سامي أبوشحادة قائلا “أقوال الدكتور منصور عباس حول يهودية دولة إسرائيل كارثية واستسلام للقوى الصهيونية”.