العريس الأبيض يجمع الدمشقيين على المرح في بلودان

تشهد شوارع مدينة بلودان بريف دمشق خلال العطلة الأسبوعية ازدحاما مع توافد الآلاف من العائلات الدمشقية للتمتع بمناظر الثلوج التي كست المنطقة التي تعد من أبرز الوجهات السياحية والترفيهية في سوريا صيفا وشتاء، لكن الابتسامة التي تبدو على الزوّار لا تخفي ما يعانيه سكان المنطقة من غلاء ونقص في المواد الأساسية.
دمشق - في أول تساقط للثلوج تشهده سوريا، شكلت المناطق الجبلية وخصوصا بلودان نقطة جذب للعائلات والشباب من محبي السيران الشتوي الذين قصدوا المنطقة للتمتع واللعب بالثلوج والتقاط الصور للذكرى.
واقترنت كلمة سيران بالمتنزهات القريبة من العاصمة السورية مثل منتزه الربوة صيفا، وبساتين الغوطة في الربيع، ومرتفعات بلودان في فصل الشتاء. تقول الطالبة الجامعية لينا “لم نستمتع بالثلج من زمان، لذلك أخرج اليوم مع رفيقاتي للعريس الأبيض الذي يحبه كل الدمشقيين، لنا ذكريات معه نستعيدها اليوم، الثلج شيء حلو يدفّئ القلوب.”
وتدخلت صديقتها شامة لتقول “ليس هناك أحلى من الثلج، يوم الثلج كيوم العيد يأخذنا إلى عالم آخر حيث نستعدّ فيه إلى سيران مع الأصدقاء أو مع العائلة. رغم البرد، فنحن نحس في حضرة الثلج بالدفء والأمان.”
وتكتسب بلودان شهرة محلية وعربية كمنتزه شتوي، فهي إضافة لجمال طبيعتها، تضم الكثير من الآثار التي تعود للعصور القديمة، مثل آثار وادي مار إلياس ودير يونان الواقع فوق قمة جبل يونان، وكنيسة ودير مار جرجس، ومغارة موسى الأثرية، إضافة إلى الفنادق والمطاعم التي تتميز بإطلالة ساحرة.
ورغم أن بلودان هي مصيف بامتياز، لارتفاعها عن سطح البحر بنحو 1500 متر، فإنها تنفرد بكونها المنطقة الجبلية الوحيدة القريبة من دمشق، التي يكسوها الثلج شتاء، فيزيد البياض الناصع سحرا على المرتفعات الجبلية والسهول والأودية.
المغترب عبيدة الرومي القادم مع عائلته من دبي اختار زيارة بلودان لاستعادة ذكرياته الجميلة في هذه المنطقة، مشيرا إلى أن عائلته اعتادت زيارة بلودان قديما في كل المواسم لما تتمتع به من جمال الطبيعة والهواء العليل في الصيف والغطاء الأبيض الكثيف في الشتاء.
وأشار الشاب نزار عرقسوسي، إلى أنه ومجموعة من أصدقائه اختاروا قضاء يوم كامل ببلودان لأنهم اشتاقوا لممارسة هوايتهم باللعب بالثلج وتشكيل رجل الثلج والتقاط الصور معه.
وتستعد العائلات السورية لعطلة نهاية الأسبوع للخروج في سيران إلى بلودان، فالعائلات التي لا تستطيع توفير ثمن الطعام في المطاعم تعد طعامها في البيت وتأخذ معها عدّة الشاي لتختار مكانا تستمتع فيه بجلسة هادئة، بينما يلعب الأطفال بصناعة التماثيل التي يكسرونها سريعا.
ولا يقتصر اللعب على الصغار، إذ أن اللعب بالثلج يشترك فيه الرجال بالنساء من العائلة الواحدة، ويمكن أن تتوسع الحرب بالثلج لتشمل زائرين آخرين، هي حرب ممتعة على عكس التي عاشتها سوريا لسنوات عديدة.
وتكثر المنشآت السياحية الفاخرة في بلودان من فنادق ومطاعم ومتنزهات. فنادق بلودان متعددة المستويات، منها فندق برج آلاء وفندق الأزهار وفندق ريجنسي، ويعد فندق بلودان الكبير أقدم هذه الفنادق وأشهرها ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1935، ويتميز بإطلالته الساحرة على سهل الزبداني وجبال لبنان الغربية.
هذه الفنادق وعلى الرغم من أن أصحابها أعادوا تهيئتها لاستقبال الزوار، إلا أنها ما زالت تنتظر منذ سنة 2010 ضيوفها من الدول العربية وخاصة من الخليجيين.
غياب السياح العرب وغلاء تكاليف الحياة لم يمنعا السوريين من زيارة المنطقة بعد أن شهدت استقرارا أمنيا. وقال رئيس بلدية بلودان المهندس أكرم الخوري لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إن “مطلع هذا العام سجل ارتفاعا ملحوظا في عدد الزوار الراغبين باستعادة الذكريات الجميلة”.
ولفت، إلى أن البلدية عملت على مدار الوقت لإزالة الثلوج المتراكمة على الطرقات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير أجواء مناسبة ومريحة للزوار للتمتع بطبيعة بلودان ومناظر الثلوج فيها.
وأشار إلى أن بلودان بلدة قديمة جدا، واسمها مشتق من الاسم الآرامي “بيل دان”، ومعناه مكان الإله بيل أو بعل، كما سميت بلد اللوز لكثرة أشجار اللوز على سفوح مرتفعاتها، ووصفها العديد من الرحالة والشعراء الذين زاروها وأُعجبوا بجمال طبيعتها، أمثال الرحالة ابن بطوطة والشاعر الفرنسي لامارتين.
و تحتوي بلودان على مناطق أثرية منها مغارة موسى التي حيكت حولها الكثير من الأساطير، وتقول إحداها إن هذه المغارة هي مدخل إلى “العالم المسحور.”
تبعد بلودان عن مركز دمشق نحو 50 كيلومترا غربا، وتطل على سهل الزبداني، وتلتصق ببلدة مضايا التي كانت تعجّ بالسياح العرب والبضاعة الأجنبية.
وتستغل العائلات السورية عطلة نهاية الأسبوع والعطلة المدرسية للخروج في سيران تستمتع فيه بالثلج ومنظر البياض الناصع. وقالت الطفلة سيلين، إنها جاءت من الشام مع أهلها لرؤية الثلج واللعب به مع صديقاتها، لافتة إلى أن زياراتهم متكررة إلى بلودان نظرا لما يشعرون به من متعة وتسلية.
وقال بلال ورد وهو من سكان دمشق “أتيت من منطقة المهاجرين في دمشق لقضاء وقت جميل مع العائلة وسط أجواء مميزة افتقدناها خلال الأزمة التي عاشتها سوريا.”
وتستعد بلدية بلودان لموسم الثلج، خاصة خلال العاصفة الثلجية لمساعدة السيارات والمواطنين الذين انقطعت بهم الطرق بسبب تراكم الثلوج وفتح الطرق ضمن البلدة بشكل دوري لمنع تراكم الثلوج وحماية الزوار من الحوادث.
وأثنى مؤيد قاسم صاحب مطعم في بلودان، على الجهود التي بذلتها البلدية لفتح الطرقات بشكل دوري ومنع تراكم الثلوج وتسليكها أمام السياح لافتا إلى أن الحركة الجيدة للزوار وبقاءهم لساعات متأخرة من الليل دليل على عودة الأمان لربوع سوريا.
عودة الحركة إلى المناطق التي يغطيها الثلج، لم تخف معاناة سكان المنطقة الذين يعانون من صعوبات الحياة في ظل غلاء المعيشة وشح بعض المواد الأساسية، فشتاء السنوات الأخيرة ليس كما كان عليه قبل سنة 2010.
قال أبوسامر وهو من سكان بلودان إن “هذه الشتوية تحمل معها خيرا كثيرا حتما، فأولادنا يستمتعون باللعب بالثلج لكن مخاوفنا تزداد من إصابتهم بالمرض خاصة وأن الدواء مرتفع السعر إن توفر، ناهيك عن ثمن معاينة الطبيب”. وأضاف أن التدفئة صارت صعبة في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل وغلاء المازوت الذي لم يعد السكان قادرين على توفيره، وقال “الثلج حلو لكن الحياة صارت صعبة.”