العراق يواجه صعوبات في التخلص من إدمان النفط

يجمع محللون على أن العراق يواجه صعوبات كبيرة في التخلص من إدمان النفط باعتباره ركيزة أساسية لتمويل الموازنة حتى مع وجود محاولات خجولة لتنويع مصادر الإيرادات من قطاعات أخرى ظلت بعيدة عن فلك المسؤولين بسبب الحرب واستشراء الفساد.
بغداد - يتفق محللون على أن العراق يستطيع بالاعتماد على مخزوناته الهائلة من النفط مواصلة التصدير لقرن آخر وبالوتيرة نفسها، لكن فيما يتجه العالم نحو عصر ما بعد الخام لا يزال البلد بعيدا عن هذا التحول الكبير الذي قد يتيح لاقتصاده فرصة أن يتحسّن.
ويقول المحلل العراقي عمار العزاوي لفرانس برس "اقتصادنا الآن يعتمد كله على النفط وسعر النفط"، محذرا من أنه "في حال انخفاض (سعر) النفط، سيتجّه اقتصادنا إلى غرفة الإنعاش".
ويرى العزاوي، رئيس مركز اليرموك للدراسات الإستراتيجية، أن الحل يكمن في “الاعتماد على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية” لدعم ميزانية البلاد.
لكن ذلك يبدو بعيد المنال، فالعراق الذي يصدّر النفط منذ عشرينات القرن الماضي، يعتمد تماما على النفط في عالم يتجّه نحو تحقيق الحياد الكربوني.
◙ محللون يتفقون على أن العراق يستطيع بالاعتماد على مخزوناته الهائلة من النفط مواصلة التصدير لقرن آخر وبالوتيرة نفسها
ويعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر عرضة لعواقب التغير المناخي، وفق الأمم المتحدة. كما أثّرت عقود من النزاعات على البنى التحتية للبلاد واقتصادها المعتمد بدرجة كبيرة على النفط الذي يمثّل نسبة 90 في المئة من الإيرادات.
وفي منتصف أبريل الماضي تعهّدت مجموعة الدول الصناعية السبع، بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا، بـ"تسريع" عملية خروجها من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 "على أقصى تقدير".
وصادق الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي على وقف استخدام المحركات الحرارية في السيارات الجديدة التي ينبغي ألا تصدر أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، اعتبارا من 2035.
ويشعر سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون نسمة منذ الآن بتداعيات هذا التغير المناخي، من جفاف وعواصف رملية، في بلد هو في أمسّ الحاجة إلى تنويع إيراداته كما تفعل دول الخليج الغنية بالوقود الأحفوري.
وسبق للبلد أن تعرّض في عام 2020 لمخاطر اعتماد اقتصاده على النفط الذي تراجعت أسعاره آنذاك إثر انتشار وباء كورونا. وبحسب العزاوي تضاعفت "معدلات الفقر بين ليلة وضحاها تقريبا" جراء ذلك.
وفعليا تعترض بغداد مجموعة من التحديات باتجاه تنظيف اقتصاده المعتمد على الريع النفطي، أسوة بما يفعله جيرانه في منطقة الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج وأيضا مصر والمغرب.
وحث البنك الدولي السلطات العراقية مرارا على الإسراع إلى اعتماد إستراتيجية واضحة المعالم من أجل اللحاق بركب البلدان التي تعمل على مسح بصمتها الكربونية وتحويل اقتصادها إلى نموذج نمو أخضر.
وذكر البنك في مارس الماضي أنه "خلال عام 2021 كانت 60 في المئة من الاستثمارات العامة مرتبطة بالنفط، مقارنة بأقل من 17 في المئة خلال عام 2010".
وتابع التقرير "تاريخيا أضعفت سهولة تحقيق عائدات من النفط وإعادة توزيعها بشكل يسمح بالاحتفاظ بشبكات السلطة، الإرادة في اعتماد إصلاحات” تسمح بتعزيز النمو. وهذا “يحدّ بشكل كبير من قدرة العراق على بدء عملية انتقال وخفض انبعاثات الكربون".
ومع ذلك، يحدو المستشار الاقتصادي لرئاسة الوزراء مظهر محمد صالح أمل أن تتغيّر الأوضاع، متوقعا "اتخاذ خطوات كبيرة لتنويع الاقتصاد خلال السنوات العشر القادمة".
ويرى أنه من الضروري الاستثمار في الزراعة عبر شراكة تجمع القطاعين الحكومي والخاص لتنفيذ مشاريع واسعة، وكذلك التوجه نحو صناعة الأسمدة والبذور.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني السبت الماضي عن مشروع "طريق التنمية" بكلفة 17 مليار دولار، وهو خط ربط بري يصل الخليج بالحدود التركية، ويتوقع تنفيذه في غضون فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
لكن البلد الذي يهدّد الجفاف غالبية مناطقه "لا يزرع اليوم سوى 10 ملايين دونم (مليون هكتار)، أو أقل في السنة من أصل 27 مليون دونم" قابلة للزراعة، وفق صالح.
ويعرب المستشار عن أمله في التمكّن من رفع النسبة إلى 1.5 مليون هكتار. ويرى أن تنويع الاقتصاد يتطلّب تطوير استثمار مواد خام أخرى غير نفطية مثل الفوسفات والكبريت والغاز الطبيعي. وشدّد خلال حديثه مع فرانس برس على وجوب "ألا نعتمد على النفط بعد خمسين سنة بالشكل الموجود حاليا".
ويعدّ العراق الدولة الخامسة من حيث احتياطات النفط المؤكدة، وبإمكانه الاستمرار بمعدلات الإنتاج الحالية لمدة 96 سنة إضافية. ولكن لإطلاق "نمو أخضر" قدّر البنك الدولي كلفة الإصلاحات اللازمة بحوالي 233 مليار دولار حتى 2040.
ويشير البنك إلى أن من بين الإجراءات "الطارئة" التي ينبغي على العراق اتخاذها، وضع حدّ للنقص في الكهرباء لاسيما عبر إنهاء حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط واستخدامه في إنتاج الكهرباء، وكذلك عبر تحديث نظام الري وإعادة تأهيل السدود.
وتعمل بغداد على إنجاز الكثير من المشاريع لوقف الممارسات الملوِّثة واستغلال الغاز المصاحب لاستخراج الخام. ويطمح البلد كذلك إلى تأمين ثلث إنتاجه الكهربائي من مصادر طاقة متجددة بحلول 2030.
ووقّعت الحكومة اتفاقات لبناء محطات طاقة شمسية لاسيما مع شركة توتال إنرجي الفرنسية وشركة مصدر الإماراتية.
ويصف علي الصفار، خبير التحوّل في مجال الطاقة بمؤسسة روكفلر، هذه الخطوات بأنها تذهب في الاتجاه الصحيح، مشيرا إلى أن “أسوأ موقع للاستفادة من الطاقة الشمسية في العراق يؤمن طاقة أعلى بنحو الثلثين من أفضل المواقع في ألمانيا”.
وفيما تسعى أوروبا لوضع محطات شحن كهربائية للسيارات على الطرق الأساسية بحلول 2026 وإنشاء محطات للتزود بالهيدروجين قبل 2031، لا يزال العراق في خطواته الأولى باتجاه استخدام المركبات الهجينة بينما الكهربائية فيه قليلة جداً.
ويقول حسنين مكية، مدير مبيعات شركة وكيلة للسيارات الهجينة، “الخطوة القادمة هي السيارات الكهربائية”.
ويرى الأربعيني، الذي يعمل في تجارة السيارات منذ أكثر من عقد، أن التحديات لا تزال ماثلةً أمام ذلك في بلد نهشته الحروب وأنهكه الفساد، وثمة حاجة إلى "بنية تحتية معينة لإنتاج الكهرباء، نحن غير جاهزين".
ومع ذلك، يتحدّث عن “إقبال كبير وتغيّر في ثقافة المجتمع تجاه السيارات الهجينة”. وتساءل أنه إذا “كان نصف أسطول السيارات في يوم من الأيام يعمل بالكهرباء، فما كمية الكهرباء التي ستحتاج البلاد إلى استهلاكها؟".