العراق ينظر بواقعية أكبر للتغيرات في سوريا

دمشق - ابتعد العراق عن توريط نفسه في سوريا وتحرك لإقامة علاقة تفاهم -ولو على الصعيد الأمني- مع دمشق من خلال إرسال وفد أمني بقيادة رئيس المخابرات حميد الشطري، واضعا مسألة تثبيت العلاقات السياسية مع جارته على الرف مؤقتا، إلى حين اتضاح الموقف الإيراني مما يجري في سوريا.
وتعكس زيارة الوفد الأمني العراقي، التي جاءت متأخرة مقارنة بزيارة وفود عربية وغربية أخرى كانت سباقة في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، نظرة أكثر واقعية تجاه ما يحدث في الجارة سوريا، وتراجعا عن التورط الذي لوحت به بغداد خلال الأيام القليلة التي سبقت سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بالتدخل لدعمه واعتبرت الفصائل المعارضة تنظيمات إرهابية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام التي يقود زعيمها أبومحمد الجولاني (أحمد الشرع) الإدارة السورية الجديدة.
ومنذ سقوط الأسد إلى ما قبل زيارة الشطري بيومين أو ثلاثة انقسم العراقيون بين من يؤيد الانفتاح على سوريا بعد الأسد ومن يدعو إلى الانكفاء والابتعاد. وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على رأس الداعين لإعادة العلاقات وأطلق مبادرة الرافدين من أجل تجنب الارتدادات العكسية للوضع في سوريا من خلال العمل على بناء شبكة نفوذ وعلاقات في الداخل السوري.
والتقى الخميس وفد أمني عراقي برئاسة الشطري أبومحمد الجولاني في دمشق، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب. والجمعة قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن “أي خلل في سجون سوريا سيدفعنا إلى مواجهة الإرهاب.” وتابع “أبلغنا الإدارة في سوريا رؤيتنا بشأن الوضع الراهن، ونحن حريصون على التنسيق مع سوريا لضبط الحدود.”
وتحرص بغداد على منح الانفتاح على دمشق بعدا أمنيا وهو ما يجنبها الوقوع في حرج حيال الإيرانيين الذين يسيطر الارتباك على علاقتهم بدمشق بعد سقوط حليفهم الأسد، لذلك يبدو أنها ستؤجل توثيق العلاقات السياسية إلى حين ترسيخ الإيرانيين نفوذهم في سوريا من جديد.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي قد أفاد الأحد بأنه “يتوقع ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء” في سوريا الذين سيقفون في مواجهة “انعدام الأمن”. وأشار إلى أن على الشباب السوري الوقوف “بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفّذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن، وسيتغلب عليهم إن شاء الله.”
بدوره قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقال نشرته وسائل إعلام صينية بمناسبة زيارة يجريها إلى الصين الجمعة، إن دعم الشعب السوري هو “مبدأ محدد يتعين على جميع الجهات الفاعلة أخذه في الاعتبار.”
وتقول أوساط عراقية إن اللهجة الإعلامية والسياسية للنظام والأحزاب والميليشيات في العراق قد تغيرت واتسمت بنوع من الدبلوماسية العالية والهادئة حيال النظام الجديد في سوريا، وذلك بعد تأكد هذه المكونات من أن وضعها أصبح سيئا نظرا إلى الرفض الشعبي الداخلي ودول الجوار التي لا تكن الاحترام للنظام السياسي في العراق.
◙ اللهجة الإعلامية والسياسية للنظام والأحزاب والميليشيات في العراق تغيرت واتسمت بنوع من الدبلوماسية حيال النظام الجديد في سوريا
وكانت الحكومة العراقية أعلنت قبل أيام عودة البعثة الدبلوماسية العراقية إلى دمشق ومباشرة مهامها بعدما غادر طاقمها إلى لبنان عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري. وقال السوداني حينئذ إن بلاده حريصة على التواصل مع الإدارة الجديدة في سوريا طالما يؤدي ذلك إلى استقرار المنطقة، لافتا إلى أنه لم يحدث تواصل حتى الآن بين الجانبين.
ويخشى النظام في العراق مصير حزب الله ونظام الأسد خاصة مع استمرار العمليات العسكرية للتحالف الدولي ضد الحوثيين في اليمن وسط تكهنات بشأن اقتراب نهايتهم. وقد وجهت ميليشيات عراقية تدين بالولاء لإيران ضربات متكررة إلى إسرائيل في إطار سياسة وحدة الساحات التي كانت تروج لها طهران ونفذتها أذرعها بعد الحرب في غزة واقتراب حماس من الانهيار.
وبحسب الأوساط ذاتها يخشى النظام وأحزابه في العراق تمدد الثورة الشعبية السورية إلى العراق؛ وذلك لعدة أسباب، أولها العامل الجغرافي المتجانس، وثانيا التمدد العشائري العربي المتداخل بين الشعبين، وثالثا تضرر أبناء العشائر وسكان المنطقة الغربية المجاورة لسوريا من اضطهاد النظام في العراق وميليشياته الولائية لأبنائهم الذين راحوا بين شهيد ومعتقل ومغيب، ولذلك هم مستعدون للثورة والمشاركة في إنهاء النظام الميليشياوي الإيراني المتحكم في العراق.
لكن الحكومة تقول إنها تخشى تكرار سيناريو سقوط الموصل تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي لذلك أعادت الانتشار على الحدود حتى قبل سقوط الأسد.