العراق يكشف استعداداته لمرحلة ما بعد انسحاب التحالف الدولي

بغداد - أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني القائد العام للقوات المسلحة اليوم السبت مواصلة تعزيز قدرات الدفاع الجوي ومراقبة الأجواء ضمن مرحلة إنهاء مهمة التحالف الدولي بالعراق، فيما بدت تصريحاته ردا على تلويح الميليشيات الموالية لإيران بعودة استهداف القواعد الأميركية بعد أربعة أشهر من التهدئة.
وأشاد السوداني، خلال مراسم افتتاح مركز عمليات قيادة الدفاع الجوي الجديد، "بجهود القادة والضبّاط الذين اشتركوا في إتمام وتشغيل هذا المركز، الذي جرى إنشاؤه بالتعاون مع شركة تاليس الفرنسية المختصة بمعدّات الدفاع، على مسار خطط تطوير تسليح قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها، إذ رصدت الحكومة ما يقارب 5 تريليون دينار لهذه الأهداف، منها 3 تريليونات في موازنة 2024، وضمن مشروع تعزيز القدرات التسليحية". حسب بيان للحكومة العراقية.
وأضاف "نهدف إلى الحفاظ على أمن وسيادة العراق على أرضه وأجوائه ومياهه وهذا محور رئيسي ضمن مستهدفات البرنامج الحكومي في مجال الدفاع ومواجهة التحديات الأمنية، لاسيما في مرحلة ما بعد انتهاء مهام التحالف الدولي في العراق".
وشدد السوداني على جهود الحكومة في "ملاحقة جميع أشكال التهديدات الإرهابية أو الخروقات وبناء قدرات الكشف والإنذار المبكر خاصة في مجال الكشف المنخفض، ومع تطور مستويات وتقنيات الدفاع الجوي في الدول المجاورة والمنطقة، إلى جانب التأكيد على تطوير توظيف المتصديات من أحدث الطائرات التخصصية لمواجهة جميع احتمالات الخرق أو العدوان".
وبحسب البيان، استمع القائد العام للقوات المسلحة إلى إيجاز مفصل قدمه قائد الدفاع الجوي بشأن تجهيز المركز الجديد بمنظومة حديثة من رادارات الكشف العالي، في إطار جهود قيادة الدفاع الجوي لتطوير البنى التحتية الخاصة بمراقبة وتأمين سلامة الأجواء العراقية واستمرار الحكومة في دعم وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة على الأجواء العراقية، وحمايتها من الخروقات ورفع مستوى الاستجابة الآنية.
ولم يكشف رئيس الوزراء العراقي أي تفاصيل بشأن الحوار مع واشنطن بشأن إنهاء وجود قواتها في العراق، إلا أن تصريحه يعد بمثابة تطمين للفصائل المسلحة التي بدأت تتذمر وتدلي بتصريحات هنا وهناك وتطالب بموقف حكومي واضح إزاء نتائج مطالبها بشأن الوجود الأميركي.
ويأتي خطاب السوداني بعد أيام من عودة التراشق بين الفصائل الشيعية العراقية والدبلوماسية الأميركية ما ينذر بتوتّر جديد، مقلق على نحو خاص لحكومته كونه يأتي في فترة حساسة من السنة باتت معروفة بارتفاع منسوب الغضب الشعبي خلالها بسبب سوء الخدمات لاسيما خدمتي تزويد السكان بالماء والكهرباء.
وخبت خلال الأشهر الأربعة الماضية نبرة مطالبة الأحزاب والميليشيات الشيعية بإخراج القوات الأميركية من الأراضي العراقية، وهو موضوع بالغ الحرج للحكومة تحاول الالتفاف عليه لمعرفتها بمدى إصرار الولايات المتّحدة على إبقاء قواتها في العراق تحت عنوان وجود حاجة إليها في المساعدة على مواجهة تنظيم داعش الذي تقول واشنطن إنه لا يزال يشكل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي.
وسارت تلك التهدئة خلال الأيام الأخيرة نحو الانهيار، وعادت بالتوازي مع ذلك النبرة العالية المطالبة بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على أرض العراق.
وشنّت الدبلوماسية الأميركية ممثّلة بالسفيرة الحالية لدى العراق ألينا رومانوسكي والسفيرة المرشّحة من قبل إدارة جو بايدن لخلافتها تريسي جاكوبسون حملة انتقادات لاذعة للميليشيات وتوعدتها بالتصدي لأنشطتها التي وصفتها بالتخريبية والهدامة.
وترافق ذلك مع إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن تصنيف حركة أنصار الله الأوفياء وأمينها العام حيدر مزهر ملك السعيدي "إرهابيين عالميين محدّدين بشكل خاص". وردّت الميليشيات على ذلك بعقدها اجتماعا وصفته بالاستثنائي، وقالت إنّها خصصته لبحث موضوع إخراج القوات الأميركية من العراق.
وقالت الوزارة في بيان إنّ "الحركة هي عبارة عن تجمّع لميليشيات متحالفة مع إيران ومقرها العراق.. وتضمّ العديد من الجماعات الإرهابية التي تصنفها الولايات المتحدة، وهي كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء التي هاجمت بشكل متكرر التحالف الدولي ضد داعش".
وعقّبت السفيرة رومانوسكي على القرار معتبرة أنّه "يؤكد من جديد التزام الولايات المتحدة بمواجهة النفوذ الخبيث لإيران والتهديدات التي تشكلها الميليشيات التابعة لطهران".
وزادت جاكوبسون من إثارة حفيظة مكونات المعسكر الإيراني في العراق، بحديثها عن مهمّة القوات العسكرية لبلادها على الأراضي العراقية، كاشفة عن عدم وجود أي نيّة لواشنطن لسحب تلك القوات استجابة لمطالبة القوى الشيعية ذات النفوذ الكبير في حكومة السوداني.
ووضعت تصريحات المرشحة لمنصب السفيرة الحكومةَ العراقية في موقف محرج كونها مضطرة إلى مسايرة الأحزاب والفصائل التي تمثّل مظلّتها السياسية عن طريق الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل من قوى مقرّبة من إيران.
وأضافت قولها عبر منصة إكس "واشنطن متلزمة بإضعاف وتعطيل قدرة الجماعات المدعومة من إيران على شن هجمات إرهابية، وباستخدام جميع الأدوات المتاحة لمواجهة دعم إيران للإرهاب".
وانضمت السفيرة بذلك إلى هجوم على إيران والميليشيات كانت بدأته جاكوبسون المرشّحة لخلافتها في المنصب. حيث قالت الدبلوماسية الأميركية في كلمة لها أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية إنّ "إيران ممثل خبيث في العراق ومزعزع لاستقرار المنطقة وندرك أن التهديد الرئيسي للبلد هو الميليشيات المتحالفة معها".
وقال علي الأسدي رئيس "المجلس السياسي" للحركة مخاطبا السفيرة المرشّحة عبر منصة إكس "عليك أن تعي وتعلمي أن الأيام بيننا ولن تكون صفعاتنا القادمة إلا على الأنوف، وسترين لمن الكلمة الفصل". واتهم الأسدي السياسيين العراقيين "بالتخبط والانجرار وراء المطامع والانتهاكات الأميركية، والتغافل عن حماية سيادة واستقلال العراق".
ولم تر الحكومة العراقية بدّا من مسايرة موقف الأحزاب والميليشيات الشيعية من تصريحات مرشحة بادين لمنصب السفيرة. ووصف خالد اليعقوبي المستشار الأمني لرئيس مجلس الوزراء العراقي حديث جاكوبسون بأنه لا يتناسب ومهامها الدبلوماسية.
وقال في تعليق عبر منصّة إكس "استمعنا لجلسة الاستماع الخاصة بالمرشحة لموقع سفيرة الولايات المتحدة في العراق وما فيها من عدم فهم واضح للعراق الجديد المتعافي وتدخل في شؤونه الداخلية والإساءة إلى جيرانه".
وختم بالقول "نتطلع إلى أداء يعزز العلاقة الجيدة بين البلدين خصوصا وأننا مقبلون على علاقات ثنائية تصون التضحيات العظيمة التي قدمت للانتصار على الإرهاب".
ولم يثن الردّ الحكومي على تصريحات جاكوبسون الميليشيات عن التوجّه نحو التصعيد ضدّ الولايات المتّحدة، حيث عقدت الفصائل التي تطلق على نفسها اسم المقاومة العراقية اجتماعا عاجلا أصدرت على إثره بيانا جاء فيه أن "تنسيقية المقاومة العراقية عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث في المنطقة عموما وفي العراق على وجه الخصوص".
وأضافت في بيانها "ناقشت التنسيقية الفرصة التي منحتها للحكومة قبل أكثر من أربعة أشهر والمتضمنة جدولة انسحاب الوجود الأميركي من العراق".
ولم يخل البيان من تلويح بالعودة إلى استهداف مواقع تواجد القوات الأميركية، حيث ورد فيه تأكيد المجتمعين "على ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة البلاد بعد مماطلة العدو وتعنته ليبقى محتلا لأرضنا ومستبيحا لسمائنا ومتحكما بالقرار الأمني والاقتصادي ومتدخلا بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة"، مضيفا أن "الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب قادرون ومصرون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة".
وقبل ذلك، لوحت كتائب "سيد الشهداء"، إحدى الميليشيات العراقية الموالية لإيران، منذ نحو أسبوعين باستئناف الهجمات على القوات الأميركية، في حال فشلت المفاوضات بين بغداد وواشنطن بشأن انسحاب قوات التحالف الدولي.
وبدأت المحادثات بين بغداد وواشنطن في يناير الماضي، بعد أقل من 24 ساعة من مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم في الأردن. وقالت الولايات المتحدة إن جماعات متشددة متحالفة مع إيران في سوريا والعراق هي التي نفذته، ما دفع واشنطن إلى تنفيذ ضربات انتقامية في العراق أسفرت عن اغتيال قيادات بارزة في الفصائل المسلحة، ما دفعها (الفصائل) والجهات السياسية المرتبطة بها إلى تصعيد مطالبتها بإخراج قوات التحالف من البلاد.
وأفضت الجولة الأولى للحوار الثنائي بين بغداد وواشنطن التي عقدت في بغداد، في 27 يناير الماضي، إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف وإنهائها والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية، في ظل الانتقادات الواسعة ضد الوجود الأميركي في العراق.
وتنشر الولايات المتحدة 900 جندي في سوريا، و2500 جندي على الأراضي العراقية ضمن قوات التحالف التي تقدم المشورة والمساعدة للقوات المحلية من أجل منع عودة تنظيم داعش الذي سيطر عام 2014 على مساحات كبيرة من الأراضي في البلدين قبل هزيمته.