العراق يكافئ ماكرون بصفقة ضخمة لفائدة شركة توتال

بغداد – وقّع العراق الأحد عقداً مع مجموعة “توتال إينيرجيز” الفرنسية للاستثمار في مجال الغاز والنفط وفي استغلال الطاقة الشمسية تبلغ قيمته 27 مليار دولار، في خطوة قال مراقبون إنها تأتي كمكافأة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد زيارته الأخيرة إلى بغداد.
وقال المراقبون إن ماكرون سعى لإظهار مساندته للحكومة العراقية والنظام السياسي الذي تسيطر عليه الميليشيات الموالية لإيران، وهو يحصل على مكافأة لأجل الاستمرار في الاقتراب من منظومة الحكم الموالية لإيران والدفاع عنها وتوسيع اعترافه بها من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن.
وأشار المراقبون إلى أن الصفقة، التي هي “أكبر استثمار لشركة غربية في العراق”، على حد وصف وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار إسماعيل، جاءت بخلفيات سياسية وهدفها هو تشجيع فرنسا على توفير غطاء دولي قابل بحكم الميليشيات في العراق والتغطية على الموقف الأميركي المعادي له.

إحسان عبدالجبار إسماعيل: صفقة توتال أكبر استثمار لشركة غربية في العراق
وتسعى الميليشيات بدعم إيراني لدفع الأميركيين إلى الانسحاب من العراق، وتعتقد أن فرنسا يمكن أن تملأ هذا الفراغ خاصة أنها قريبة من إيران وعلى استعداد للاعتراف بالمجموعات المرتبطة بها مثلما هو الموقف من حزب الله اللبناني. وتلعب تلك الميليشيات في كسب الموقف الفرنسي على عامل الاستثمارات وحاجة الشركات الفرنسية إلى التعويض عن الخسائر التي لحقتها بسبب النفوذ الأميركي المهيمن على العراق.
وكان الرئيس الفرنسي قد أطلق تصريحات فهمت على أنها مغازلة للميليشيات من خلال التركيز على محاربة الإرهاب ومحافظة فرنسا على قواتها في العراق بدل إثارة موضوع الفساد والضغط على الحكومة لتنفيذ إصلاحات تستجيب لمطالب المحتجين مثلما تفعل في أماكن أخرى.
وقال ماكرون على هامش حضوره قمةَ دول جوار العراق زائد فرنسا إن بلاده “ستبقي على قواتها في العراق في إطار عمليات مكافحة الإرهاب ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك، وسواء قررت الولايات المتحدة سحب قواتها أم لم تقرّر”.
وتعمل باريس ما في وسعها لاستعادة نفوذها في العراق الذي فقدته منذ حرب 1991 عندما قرر الرئيسي الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الانضمام إلى تحالف تقوده واشنطن لتحرير الكويت. وهي تراهن على عقد اتفاقيات مهمة في مجال النفط وإنتاج الكهرباء مستفيدة من الأزمة الحادة التي يعشها العراق في هذا المجال.
وأعلن وزير النفط العراقي أن الشركة الفرنسية ستبني أربعة مشروعات عملاقة للطاقة في جنوب البلاد كلفتها 27 مليار دولار، وذلك بموجب اتفاق وُقّع في بغداد الأحد.
وقال الرئيس التنفيذي لتوتال باتريك بويان خلال مراسم التوقيع إن الشركة ستبدأ باستثمار مبدئي حجمه عشرة مليارات دولار، مشيرا إلى أن الأعمال الهندسية ستبدأ “على الفور”.
وينتج العراق حاليا 16 ألف ميغاواط من الكهرباء وهذا أقلّ بكثير من حاجته المقدرة بـ24 ألف ميغاواط والتي تصل إلى 30 ألفاً في فصل الصيف، فيما قد يتضاعف عدد سكانه بحلول عام 2050 ما يعني ازدياد استهلاكه للطاقة، وفق الأمم المتحدة.
وتشهد البلاد انقطاعات متكررة للكهرباء لاسيما خلال الصيف حين تتجاوز الحرارة خمسين درجة. ويقول المسؤولون إن ذلك يرجع للنقص في الاستثمارات وتهالك الشبكة مع انخفاض أسعار النفط الذي يمثّل 90 في المئة من عائدات البلاد.

"توتال إينيرجيز" ستبدأ باستثمار مبدئي حجمه عشرة مليارات دولار
ويهدف أحد المشاريع الأربعة التي تم الاتفاق بشأنها إلى تنمية استغلال الطاقة الشمسية المتوافرة بشدة في هذا البلد الذي يغلب على مناخه الطابع الصحراوي. ووفق المصدر يفترض أن يؤمن المشروع إنتاج ألف ميغاواط، ما يساوي الطاقة المولدة من مفاعل نووي عبر الطاقة الشمسية.
فضلاً عن هذا الاستثمار غير المسبوق والطموح في مجال الطاقة المتجددة، يشمل اتفاق توتال وبغداد ثلاثة مشاريع في قطاع الطاقة الأحفورية، التي تراجع إنتاجها جراء تهالك البنى التحتية وتسرب الطاقة خلال استخراج النفط والغاز من تحت الأرض.
ويشمل المحور الأول “مد أنبوب ماء البحر وهو مهم لإدامة وإنتاج الحقول النفطية، يزود الحقول النفطية بماء البحر” الذي يعتبر عاملاً أساسياً في استخراج النفط.
والمشروع الآخر هو “استثمار الغاز من الحقول التي تقع خارج شركة غاز البصرة بمجموع كلي يصل إلى 600 مليون قدم مكعب قياسي باليوم”.
أما المشروع الثالث فيشمل تطوير حقل أرطاوي النفطي في جنوب البلاد وزيادة الإنتاج منه. وقالت المصادر إن “العراق لن يدفع أي شيء، فهذه تكاليف مستردة، بعد تشغيل المشاريع”.
ويعتمد العراق بشدة على جارته إيران التي يؤمن منها ثلث احتياجاته من الغاز والكهرباء. وتدين بغداد لطهران بستة مليارات دولار مقابل إمدادات الطاقة.
ويفترض من خلال تلك المشاريع استغلال وتكرير الغاز من الحقول الواقعة في جنوب البلاد المؤلفة من غاز طبيعي يتم حرقه حالياً في مشاعل شديدة التلويث وتكلف البلاد كل عام 2.5 مليار دولار، وفق البنك الدولي.
ويحتوي العراق على احتياطات هائلة من الغاز والنفط، فهو ثاني منتج للنفط بحسب منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، لكنه يواجه أزمة طاقة حادة ومزمنة تغذي الغضب الاجتماعي.
وتعدّ المجموعة التي كانت تسمّى “توتال” واحدة من أكبر خمس شركات طاقة في العالم، وأعادت تسمية نفسها بـ”توتال إينيرجيز” في إشارة إلى تنويعها في الاستثمار بمصادر طاقة نظيفة.
ولا يزال عمل المجموعة مرتكزاً على النفط والغاز، لكنها أعلنت عن نيتها هذا العام تخصيص 20 في المئة من استثماراتها في مجال الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة.