العراق يقاوم ضغوط ندرة المياه بمحطات التحلية

270 مليون دولار كلفة تشييد مشروع أم قصر ويعتبر الثاني من حيث الحجم في منطقة الشرق الأوسط.
الاثنين 2024/04/22
جرب أول كمية محلاة

يركز العراق على ضخ المزيد من الاستثمارات في مشاريع لتحلية المياه، ولاسيما باستعمال تقنية التناضح العكسي في مسعى لحلّ مشكلة ندرة المياه في البلاد بعدما ضربت أرجاء الشرق الأوسط وجعلت المنطقة الأكثر جفافا على مستوى العالم.

البصرة (العراق) - يسعى العراق عبر الإصرار، الذي يبديه مسؤولوه على خوض معركة تحقيق الأمن المائي، إلى تبني مشاريع التحلية بعدما صار نقص هذا المورد معضلة إستراتيجية للبلاد في ظل التغيرات العميقة للمناخ.

وتستهدف محطة جديدة لتحلية المياه في أم قصر بمحافظة البصرة هي الأولى في البلاد، معالجة أزمة ندرة المياه المتاحة للسكان وتوفيرها للاستخدام في أغراض الزراعة من خلال تنقية 360 ألف متر مكعب يوميا.

ويبدو العراق إحدى دول المنطقة العربية المتخلفة عن ركب تحلية المياه، لكنه بدأ منذ العام 2023 يهتم بالاستثمار فيها لمواجهة تحديات المستقبل، حيث تضغط هذه المشكلة على الحكومات لتلبية الطلب مع النمو الديموغرافي وكثرة المشاريع الصناعية.

والمشروع البالغة كلفة تشييده نحو 270 مليون دولار سيستوعب ثاني أكبر محطة لتحلية المياه في ‏الشرق الأوسط بعد محطة الجبيل السعودية وسيتم بناؤها بالتعاون مع شركتي هيتاشي اليابانية وأو.تي.في ‏‏الفرنسية.

صالح عبدالمهدي: الحصول على المياه النظيفة ظل مشكلة منذ سنوات
صالح عبدالمهدي: الحصول على المياه النظيفة ظل مشكلة منذ سنوات

وفي ظل الزيادة المستمر لسكان المدينة البالغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة من بين نحو 43 مليون نسمة هم تعداد البلد النفطي، فالبصرة تحتاج إلى أكثر من 1.25 مليون متر مكعب يوميا.

وقال حسين مرتضى، معاون رئيس مهندسي محطة تحلية أم قصر، إن سعة المنشأة التي سيتم تشغيلها بكامل طاقتها في يونيو المقبل المقبل يمكن أن تصل إلى إنتاج ألف متر مكعب من المياه النظيفة اعتمادا على المياه الجوفية.

وأضاف لرويترز إن “هذه المحطة، أول مرة بالعراق بهذا الحجم، تستخدم المياه الجوفية لتحليتها وضخها للمواطن. محطة سعتها على مرحلتين، أول مرحلة 400 متر مكعب والثانية 600 متر مكعب، مجموعها ألف متر تخدم ناحية أم قصر”.

وتابع “المحطة تستخدم المياه الجوفية. ولجأنا إلى هذا المصدر لأن هذه المنطقة صحراوية، لا يمر بها أي نهر ولا مصادر مياه قريبة. واتجهنا إلى هذه الفكرة، نستخدم مياه الآبار أو المياه الجوفية لتصفيتها وتحليتها وإنتاجها للمواطن كمياه صالحة للشرب”.

ووفقا لتقرير صادر مؤخرا عن شركة بي.أن.سي إنتلجنس، فإن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل وحدها نصف ما يتم تحليته من مياه سنويا، حيث تسجل حوالي 48 في المئة من الإنتاج العالمي اليومي للمياه المحلاة.

وقال صالح عبدالمهدي مدير ناحية أم قصر إن الحصول على المياه النظيفة ظل مشكلة في هذه المنطقة لسنوات عديدة بسبب الزيادة السكانية الكبيرة ونمو الأنشطة الصناعية.

وأضاف “أم قصر، هذه الناحية تبعد عن مركز محافظة البصرة ما يقارب 75 كيلومترا، أكبر مشكلة بها خدمية، قضية شحة وملوحة مياه الإسالة، حتى بالفترة السابقة، فترة النظام السابق”.

وتابع “لقد كانت هذه المشكلة موجودة لكن مع تقادم الزمن وارتفاع النسبة السكانية وارتفاع الفعاليات بهذه المدينة، حيث باتت تستقطب عمالة وعدد السكان يزداد سنة بعد سنة.. لقد بدأت تكبر هذه المشكلة”.

وأوضح عبدالمهدي أن هذا الاتجاه كان له تأثير عكسي على مدى السنوات الماضية، حيث اضطر الكثير من السكان إلى الرحيل لأنهم لم يتمكنوا من تلبية احتياجات أسرهم من المياه.

مشروع نوعي

وقال “وصل بنا الحال خلال السنوات السابقة إلى أن يكون تجهيز الماء للمناطق بمعدل يومين بالأسبوع بأحسن الأحوال. وكل يوم بمعدل من ست إلى ثماني ساعات، فما كان أمام الناس إلا الارتحال من مدينة أم قصر ولو بشكل مؤقت”.

واستطرد بالقول لرويترز إن البعض أجّروا بيوتهم وتركوها وانتقلوا إلى مركز المحافظة، لكن اليوم “نحن مصرون على معالجة هذه المشكلة وهذه بارقة الأمل”.

ويقول السكان إن أزمة المياه يصعب التغلب عليها إذ تؤثر تكاليف المياه بشكل كبير على ميزانياتهم في ظل استمرار ارتفاع أسعارها.

وقال المواطن سعيد عبدالواحد إن “المياه في مدينة أم قصر أزمة قوية جدا. يعني منذ سنوات ونحن نشاهد كل بيت عليه 3 أو 4 خزانات بسبب أزمة المياه، يعني بالأسبوع يضخون المياه أحيانا يوم أو يومين. ولذلك الناس يشترون من خزانات المياه المتنقلة”.

أما المواطن محمد عبدالحسن فقال “إذا كان المواطن صاحب عائلة كبيرة ولديه عائلة عليه أن يشتري من المحطات أو من سيارات الخزانات المتنقلة”.

وأضاف “يعني أقل شيء من الممكن أن يصرفه رب الأسرة أسبوعيا على المياه يصل إلى ما بين 15 و20 ألف دينار (10 دولارات إلى 13 دولارا).. يعني كم يحتاج بالشهر”.

ويعاني العراق من نقص المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتلوث، وتندّد السلطات بسدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، تتسبب بانخفاض منسوب النهرين مما يقوض الأمن الغذائي للبلد.

البلد يعاني نقص المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتلوث وجراء سدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات

وتظهر تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن 3.5 في المئة من الأراضي الزراعية مزوّدة بأنظمة ري، فيما يطال التصحر نحو 69 من الأراضي.

وقال عمار عبدالخالق، مدير دائرة المياه الجوفية بالمنطقة الجنوبية، إن “المياه الجوفية كما هو معروف هي عبارة عن خزانات موجودة تحت الأرض بأحجام مختلفة غير محددة إلى حد الآن”.

وأوضح أن أسماؤها وأماكن وجودها محددة لكن كمية المياه الموجودة فيها بشكل دقيق غير محددة طبعا بشكل علمي. وأضاف “إذا تأخذ من خزان مياها ولا تضيف إليه مياها سوف ينفد بمرور الزمن ويعتمد على كمية المسحوب من الماء”.

وتابع “إذا لا توجد تغذية (تعويض) أكيد سوف ينفد بمرور الزمن لكن إذا توجد تغذية.. طبعا التغذية تعتمد على مياه الأمطار إذا توجد إنها قريبة تغذي”.

وأضاف “نعرف هنا الأجواء في محافظة البصرة، هي أجواء صحراوية وخاصة بالسنوات الأخيرة، تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار بالعراق عموما، لذلك التغذية تكون قليلة جدا”.

ويسعى العراق كذلك إلى التعافي من آثار صراعات على مدى سنوات، بدءا من غزو صدام حسين للكويت في عام 1990 إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أدى في نهاية المطاف إلى الإطاحة به.

ولكن الفترة الأكثر قتامة للدولة كانت مع تفجر أعمال عنف واسعة لتنظيم داعش المتطرف الذي سيطر مسلحوه على مساحات شاسعة من البلاد، وانجر عن ذلك تدمير اقتصاد العراق ومنشآت بنيته التحتية.

11