العراق يغرق في المخدرات

معابر العراق الحدودية تحولت إلى مراكز عبور للمهربين المحميين من الأحزاب السياسية والميليشيات.
الأربعاء 2024/07/10
العراق تحول إلى سوق سوداء

لندن- وصلت أزمة المخدرات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط إلى العراق الذي صار دولة عبور واستهلاك محلي للمخدرات المصنعة في سوريا الكبتاغون، وذلك إثر فشل الجهود الإقليمية الرامية إلى التصدي للاتجار بالمخدرات.

وصادر جهاز الأمن الوطني العراقي خلال الصيف الحالي 1.4 مليون حبة كبتاغون في بغداد. وليست عملية التهريب بإخفاء المخدرات في لفائف القماش سوى الأحدث في التطور المتزايد لدور البلاد في الاتجار بالمخدرات من حيث العبور والاستهلاك المحلي.

وسجل النصف الأول من السنة الحالية زيادة في معدل الاعتقالات والاشتباكات المتعلقة بالاتجار بالمخدرات، مقارنة بالسنة الماضية.

والكبتاغون هو منبه يسبب الإدمان. وهو رخيص الثمن وسهل الصنع. ويقول مراقبون إن الحكومة في دمشق أصبحت متورطة بشكل متزايد في الإنتاج والتهريب، وخاصة نحو دول الخليج العربي منذ الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011.

◄ الأحزاب والميليشيات غالبا ما تحمي المهربين وتسهّل عملياتهم، لذلك تحوّل معبر البصرة الحدودي إلى مركز عبور رئيسي

وأصبح العراق جزءا مهما من طريق العبور، خاصة بعد أن أُنهِكت الدولة بعقود من الصراع والعقوبات الدولية، ما أتاح للشبكات الإجرامية إرساء سوق سوداء.

ويُذكر على سبيل المثال أن مضبوطات الميثامفيتامين في البلد ارتفعت ستة أضعاف تقريبا عام 2023 مقارنة بسنة 2019. ومكّنت المداهمات من العثور على حبوب المخدرات في كل شيء، من الأغنام النافقة إلى الفاكهة الطازجة. ويقع العراق أيضا على طريق عبور ثان، حيث تمر المخدرات من جنوب غرب آسيا إلى أوروبا.

ويقول مراقبون إن الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية غالبا ما تحمي المهربين بل وتسهل عملياتهم أيضا؛ لذلك تحول معبر البصرة الحدودي، على سبيل المثال، إلى مركز عبور رئيسي.

وتسيطر قوات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية، والمرتبطة بإيران، على نقاط التفتيش الرئيسية. ويرجح محللون أن تكون قد دخلت في شراكة مع الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها ماهر شقيق الرئيس الأسد، لنقل المخدرات.

كما تطور دور العراق في الاتجار بالمخدرات من مجرد بلد عبور يسهل اختراقه إلى بلد منتج. ونشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقارير عن الإنتاج. وضُبط على سبيل المثال معمل للكبتاغون في محافظة المثنى الجنوبية عام 2023. ورأت السلطات في ذلك تطورا كبيرا في علاقة العراق السابقة بالاتجار بالمخدرات.

لكن الأمر المثير للقلق بشكل أكبر هو تحول البلاد إلى منطقة استهلاك حيث تزايد بشكل كبير عدد العراقيين الذين يتعاطون المخدرات.

وحذر مسؤول كبير في وزارة الصحة من العواقب المميتة، مشيرا إلى أن “الإدمان منتشر بشكل خاص بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما. وكانت العقاقير الطبية والصيدلانية في السابق مصدرا شائعا لسد حاجيات المدمنين. ولكن السنوات الأخيرة شهدت انتشار أنواع جديدة من الحبوب المخدرة مثل الكبتاغون”.

ومع تطور هذا الاتجاه سُجّلت زيادة في استخدام الميثامفيتامين في البصرة واستهلاك الكبتاغون في المدن المركزية، بغداد والرمادي والأنبار. وسُجّلت أيضا زيادة في الاستهلاك المحلي للترامادول، وهو نوع من مسكنات الألم الأفيونية، وغيره من المواد المخدرة.

 وأنشأت السلطات العراقية في عام 2023 مراكز لإعادة تأهيل مدمني المخدرات استجابة لأزمة الإدمان المتنامية. لكن نظام الرعاية الصحية يبدو مثقلا وغير قادر على توفير تغطية شاملة بسبب ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات.

◄ قوات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران، تسيطر على نقاط التفتيش الرئيسية ويرجح أن تكون قد دخلت في شراكة مع الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها ماهر شقيق الرئيس الأسد، لنقل المخدرات

والارتفاع السريع في عدد المدمنين لا يرتبط بإغراق العراق في المخدرات فقط، وإنما يتصل أيضا بالتقلبات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والإجهاد الذي أعقب الصدمة في بلد هزته أعمال عنف استمرت أكثر من عقدين.

ويحذّر المحلل والباحث في شؤون الشرق الأوسط جوشوا ليفكوفيتش، ضمْن مقال منشور في موقع عرب دايجست، من إمكانية أن يؤدي الجمود السياسي المستمر في العراق، والجهود التي تبذلها النخبة الحاكمة لإغلاق جميع مخيمات النازحين، وطرد المنظمات الأممية، إلى المزيد من الاتجار بالمخدرات وإنتاجها واستهلاكها.

وشدد على أن المشاكل الأخرى التي تواجه العراق، مثل زيادة الهجرة من الريف إلى المدن بسبب تغير المناخ، قد تدفع المزيد من الشباب العراقيين إلى التورّط في استهلاك المخدرات والاتجار بها.

ولمواجهة الأزمة يرى جوشوا ليفكوفيتش أنه يجب على بغداد أن تعمل مع الدول المجاورة على البناء على الاتفاقيات القائمة التي تهدف إلى مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية ومعالجة مشكلة تعاطي المخدرات.

أما على الجبهة الداخلية فينبغي على الحكومة أن تركز اهتمامها على الممرات الرئيسية لتهريب المخدرات مع تعزيز العلاج وإعادة التأهيل.

وبحسب ليفكوفيتش يمكن أن تحقق هذه الجهود تقدما في حل مشكلة تخرج عن نطاق السيطرة، لكنها لن تكون كافية ما لم تتخذ الحكومة العراقية نفسها نهجا أكثر شمولا لإقامة حكم فعال ومعالجة مشكلة الفساد المستشري وتزايد عدم المساواة، مشددا على أنه إذا لم تُتخذ إجراءات بشأن هذه القضايا التي طال أمدها فسيزداد تعاطي المخدرات بينما يكافح العراقيون أوضاع معيشهم اليومي.

1