العراق يعتمد لأول مرة موازنة أهداف متعددة السنوات

فاجأ العراق المتابعين باعتماد موازنة أهداف تستمر لثلاثة أعوام لأول مرة في تاريخه بدعم من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رغم أن هذه الخطوة تنطوي على سلاح ذي حدين قد يأتي بنتائج عكسية بالنظر إلى الاعتماد الشديد على إيرادات النفط.
بيروت - أقر البرلمان العراقي الاثنين، بعد مداولات طويلة مع الحكومة امتدت لأشهر، موازنة أهداف متعددة السنوات تتضمن المزيد من النفقات والاستثمارات كنتيجة مباشرة لازدياد مكاسب النفط التي تشكل 90 في المئة من إيرادات البلاد.
ويرى الخبراء أن الموازنات متعددة السنوات يمكن أن تضمن التمويل الكافي للمشاريع والبرامج طويلة الأجل مع تجنب الاضطرابات بسبب دورات الموازنة السنوية، وفي الوقت ذاته تكون هذه الموازنة مرنة أمام أي طارئ إذ يمكن تعديلها بالإضافة والحذف.
ومع أن عوائد النفط توفر حاليا فرصة لكي تنفذ الحكومة أجندتها الإصلاحية بالنظر إلى سياسة تحالف أوبك+ لإبقاء الأسعار مرتفعة، قد تجد بغداد نفسها في وضع صعب إذ قلّت الإيرادات ما يتطلب وضع خطط استباقية واضحة المعالم لتفادي المشاكل.
ومن المفترض أن يتم اعتماد موازنات العراق قبل بداية السنة التي تغطيها، لكنها تتأخر في الكثير من الأحيان أو لا يتم تمريرها على الإطلاق بسبب عدم الاستقرار والخلافات السياسية.
وكانت الحكومة قد أقرت في منتصف مارس الماضي أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد، مستغلة زيادة أسعار النفط عالميا، وسط اعتراضات خبراء مال وقانون حيال بعض بنودها.
واختارت أن تكون لديها موازنة لثلاث سنوات متتالية لتوفير قدر أكبر من اليقين والاستقرار لعملية التخطيط.
وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حينها “هناك إمكانية للتعديل من قبل وزارتي المالية والتخطيط وبموافقة مجلسي الوزراء والنواب إذا تغيرت أسعار النفط والأرقام”.
ويبلغ حجم الموازنة السنوية 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار) لكل عام، تشمل إنفاقا قياسيا على فاتورة أجور حكومية متزايدة ومشاريع تنمية تهدف إلى تحسين الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرها الإهمال والحرب.
ووفقا لمشرعين ووثيقة موازنة يقدر العجز السنوي المتوقع بحوالي 49 مليار دولار، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي، ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز موازنة مسجل في 2021.
وتقول الحكومة إن الموازنة التي جاءت بشكل متأخر تستند إلى سعر نفط 70 دولارا للبرميل لتحقيق عوائد بقيمة 103.4 مليار دولار، وتوقعات بتصدير 3.5 مليون برميل نفط يوميا، منها 400 ألف برميل يوميا من إقليم كردستان.
كما تحدد سعر الصرف لإيرادات النفط بالعملة الأميركية عند 1300 دينار مقابل الدولار. وسيظل هذا ساريا حتى 2025، لكنه سيكون قابلا للتعديل، ويشمل سعر النفط الذي يستخدمه العراق في ظل اعتماده الكامل تقريبا على إيرادات النفط.
وتتضمن الموازنة الجديدة أكثر من نصف مليون وظيفة جديدة للقطاع العام، ما يتعارض مع توصيات العديد من المراقبين والمؤسسات المالية الدولية المانحة، التي تقول إن على بغداد تشديد السياسة المالية.
وقال محمد نوري، عضو اللجنة المالية في البرلمان، لوكالة رويترز قبل الجلسة “تمت إضافة أكثر من مليون عامل جديد بمن في ذلك المتعاقدون والموظفون اليوميون والموظفون العاملون بدوام كامل”.
ولكن في ظل اعتماد البلد كثيرا على صادراته النفطية مع تواصل التحديات الاقتصادية والصراعات السياسية، فإن السلطات في حاجة ماسّة إلى ضخّ استثمارات كبيرة في بنية البلاد التحتية.
أبرز معالم الموازنة
• 153 مليار دولار حجم الموازنة سنويا حتى العام 2025
• 103.4 مليار دولار قيمة العوائد المتوقعة لكل عام
• 49 مليار دولار مقدار العجز السنوي في الموازنة
وقدر أحمد الطبقجلي، الزميل الزائر في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، عدد الموظفين الجدد بنحو 600 ألف موظف، وهو ما قال إنه “سيرفع الكلفة الإجمالية للأجور العامة ومعاشات التقاعد إلى أكثر من 76 تريليون دينار (58 مليار دولار)”.
وقال إن “العراق ضعيف لأنه إذا انخفضت أسعار النفط سيتعين عليه تخفيض الموازنة ولذلك يجب أن يرتفع سعر النفط أكثر فأكثر فقط للحفاظ على الإنفاق وسيؤدي ذلك إلى المزيد والمزيد من الاقتراض”.
وأضاف أنه رغم ذلك وبما “أننا لا نستطيع تقليل النفقات الثابتة، سيتعين علينا تقليل نفقات الاستثمار”.
ويتعرض العراق لضغوط متزايدة من المؤسسات المالية الدولية المانحة لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والاستعداد بشكل أكبر للتحول الأخضر العالمي.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر المسؤولين العراقيين في الشهر الماضي من “الاعتماد على الإيرادات النفطية”، داعيا بغداد إلى “وضع سياسة للمالية العامة أكثر صرامة”.
وقال الصندوق في مذكرة إن “زيادة فاتورة رواتب القطاع العام ستسهم في تصاعد العجز والضغط المالي ما لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط”.
ولتحقيق التعادل ذكر صندوق النقد أن العراق طلب سعرا للنفط يبلغ 96 دولارا للبرميل، بينما بلغ متوسط السعر 71.3 دولار للبرميل في مايو الماضي.
والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية بمتوسط إنتاج يومي يبلغ نحو 4.6 مليون برميل في الظروف الطبيعية، لكنه الآن عند نحو 3.3 مليون برميل يوميا.
وخفض غولدمان ساكس الاثنين توقعاته لسعر النفط مرة أخرى خلال هذا العام، مع تزايد الإمدادات ومخاوف من الطلب.
ووضع البنك الذي كان أحد أبرز المتفائلين بأسعار النفط تقديرات لخام برنت عند 86 دولارا من 95 دولاراً للبرميل، كما أنه خفض توقعاته لخام غرب تكساس إلى 81 دولاراً من 89 دولاراً.
وقال جيف كوري، رئيس أبحاث السلع في البنك خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الأسبوع الماضي “لم نخطئ قط لهذه المدة الطويلة دون رؤية أدلة لتغيير وجهات نظرنا”.
ويرى صندوق النقد أن بغداد تحتاج إلى اعتماد سياسة مالية أكثر صرامة لتعزيز المرونة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط مع حماية احتياجات الإنفاق الاجتماعي الهامة.
وتتفاخر الحكومة العراقية بأن لديها خططا لتنمية الاقتصاد والإصلاحات المالية وعوائدها الإيجابية على الاقتصاد المحلي ومساعدتها في توفير فرص العمل الحقيقية وتنشيط القطاع الخاص.
ويواجه سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة انقطاع التيار الكهربائي الباهظ بشكل منتظم. وتتلقى البلاد حوالي ثلث الغاز والكهرباء اللذين تعتمدهما من إيران. وغالبا ما تتعطل عمليات التوصيل، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي.