العراق يطلق مبادرة إقليمية لحماية دجلة والفرات وسط تحديات المياه

ركائز مبادرة السوداني تتمثل في التعاون الإقليمي وتطبيق القانون الدولي والتكنولوجيا وبناء القدرات والدعم الدولي لضمان الأمن المائي.
السبت 2025/05/24
السوداني: المياه ركيزة الحياة والتنمية

بغداد - أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم السبت، إطلاق مبادرة إقليمية لحماية نهري دجلة والفرات، مُشيرًا إلى أن التحدي الأكبر في ملف شح المياه يكمن في محدودية التعاون على المستويين المحلي والإقليمي.

وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، الذي يُعقد في العاصمة تحت شعار: "المياه والتكنولوجيا.. شراكة من أجل التنمية".

ويُشكل إطلاق العراق لمبادرة إقليمية لحماية دجلة والفرات تحولا نوعيا في مقاربة بغداد لأزمة المياه، مُنتقلا من رد الفعل إلى استراتيجية استباقية تعتمد على الدبلوماسية والتعاون. لكن نجاح هذه المبادرة سيكون مرهوناً بمدى استجابة دول المنبع لتطبيق مبادئ القانون الدولي، وشفافية تبادل البيانات، والانخراط الجاد في الحلول المشتركة.

كما أن الاستثمار في البحث والتطوير، وتبني تقنيات حديثة لترشيد الاستهلاك ومعالجة المياه، سيكون حجر الزاوية في بناء قدرة العراق على الصديقة في ظل التغيرات المناخية. في الختام، تُبرز هذه المبادرة إدراك العراق أن أمنه المائي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن محيطه الإقليمي والدولي، وأن الحوار والشراكة هما السبيل الوحيد لضمان مستقبل مستدام للمياه في بلاد الرافدين.

وأكد السوداني في كلمته الافتتاحية للمؤتمر على المركزية المحورية للمياه كركيزة أساسية للدورات الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية، والتنموية.

ولم تكن رؤية السوداني مقتصرة على البعد الفني أو السياسي للمشكلة، بل شدد على "أهمية المشاركة المجتمعية في ملف المياه"، موضحا أن "قضية المياه ليست مجرد مسألة خدمية تعاني من تلكؤ، ولا هي ملف مجرد في ساحة صنع القرار السياسي، بل هي مضمار يشمل جميع نواحي الحياة، ومن الضروري تحديد المسؤولية للحفاظ على هذه الثروة الحساسة".

وفي معرض استعراضه لجهود العراق، بيّن رئيس الوزراء أن بلاده قد خطت "خطوات مهمة في مجال استخدام الري الحديث والمغلق، وتحلية المياه، ومعالجة الصرف الصحي، وإعداد سياسات للتكيف مع آثار التغير المناخي وتداعياته".

وعلى صعيد المسؤولية الدولية، أكد السوداني أن العراق قدم "إطار حل، ضمن مبادئ القانون الدولي، والأعراف التي تجمع البلدان المتشاطئة، خصوصًا في حوضي نهري دجلة والفرات".

وذكر أيضا أن العراق "حقق خطوات مهمة في مجال حماية المياه، ومكافحة التلوث، ووضع معايير صارمة للحد منه، والحفاظ على المياه الجوفية وعدم استنزافها، وتطوير برامج التوعية بهذه الجهود".

واختتم حديثه بتأكيد حاسم "نحن مصممون على تجاوز العقبات، نحو أمن مائي راسخ للعراق، وتطوير يجاري احتياجات المستقبل، ويراعي مصالح شعبنا، والانفتاح نحو المزيد من الشراكة والمصلحة المتبادلة مع دول الإقليم".

وتُقدم مبادرة العراق لحماية نهري دجلة والفرات رؤية شاملة للتعامل مع أزمة المياه، مُتجاوزة الحلول الداخلية لتشمل التعاون الإقليمي والدولي، وتتركز هذه الرؤية على عدة محاور حيوية ومتكاملة.

وتضع المبادرة في صدارتها تأسيس إطار قانوني دولي ملزم للدول المتشاطئة، حيث يُركز العراق على تفعيل مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالأنهار المشتركة.

وهذا يشتمل على المطالبة بإبرام اتفاقيات شاملة وملزمة مع دول المنبع، لا سيما تركيا وإيران، لتحديد حصص مائية واضحة ومستقرة، مُستبدلةً بذلك البروتوكولات الفنية المؤقتة. والأهم من ذلك، ضرورة تضمين آليات واضحة لفض النزاعات وحل الخلافات المائية بشكل سلمي وعادل.

وبالتوازي، تهدف المبادرة إلى تعزيز التعاون الفني وتبادل البيانات، ويتجسد ذلك في إنشاء لجان فنية مشتركة لتبادل المعلومات الهيدرولوجية والمناخية بانتظام بين دول الحوض، مما يُعزز الشفافية والثقة المتبادلة. كما تسعى لإجراء دراسات وبحوث مشتركة حول تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية، ووضع استراتيجيات تكيف إقليمية، مع تطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية على مستوى حوضي دجلة والفرات لضمان الاستدامة والاستخدام الأمثل.

ولا يغفل العراق أهمية الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وترشيد الاستهلاك. لهذا، تُركز المبادرة على دعم وتوسيع استخدام نظم الري الحديثة والمغلقة في الزراعة لتقليل هدر المياه، والاستثمار في محطات تحلية المياه، خاصة في المناطق الجنوبية، وتوسيع مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها.

وتتضمن المقترحات أيضًا بناء سدود صغيرة ومنشآت لحصاد مياه الأمطار والسيول، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مراقبة مناسيب المياه وجودتها والتحكم في توزيعها بكفاءة أعلى.

وإدراكا لأهمية العنصر البشري، تتضمن المبادرة برامج لبناء القدرات والتوعية المجتمعية. وتشمل هذه البرامج تدريب الكوادر العراقية والإقليمية في مجال إدارة المياه والتقنيات الحديثة والقانون الدولي للمياه. كما تُشدد على إطلاق حملات توعية مجتمعية واسعة لترشيد استهلاك المياه، وزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الثروة الحيوية للأجيال القادمة.

وتسعى المبادرة إلى حشد دعم دولي وضمانات مستقبلية، ويُدعى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالمياه والبيئة للعب دور أكبر في تسهيل الحوار والمفاوضات بين دول الحوض، وتقديم الدعم الفني والمالي للمشاريع المائية. يُضاف إلى ذلك حشد الدعم الدولي لمشاريع التنمية المستدامة في حوضي دجلة والفرات، والتي تُساهم بشكل مباشر في تحسين الأمن المائي والغذائي لسكان المنطقة.

ورغم طموح المبادرة العراقية ورؤيتها الشاملة، تواجه عملية تطبيقها تحديات جمة قد تُعرقل مسار تحقيق الأمن المائي المستدام. وفي مقدمة هذه العقبات، يبرز غياب الإرادة السياسية الكافية لدى بعض دول المنبع للانخراط بجدية في اتفاقيات ملزمة لتقاسم المياه، وتفضيلها لمقاربات أحادية تُعطي الأولوية لمصالحها الوطنية دون مراعاة كافية لحقوق دول المصب.

كما أن الوضع الأمني والسياسي غير المستقر في المنطقة يُلقي بظلاله على أي جهود تعاون إقليمي، فالتوترات القائمة قد تُعيق بناء الثقة اللازمة للحوار الفعال.

وداخليا، لا يزال العراق يواجه تحديات بيروقراطية وفساد يُعرقل تنفيذ المشاريع المائية وتحديث البنية التحتية، بالإضافة إلى نقص التمويل اللازم للمشاريع الكبرى المطلوبة لمواجهة شح المياه.

وتُشكل القدرة المؤسسية والفنية لإدارة الموارد المائية تحديًا آخر، فالمبادرة تتطلب كوادر متخصصة وتنسيقًا عالي المستوى قد لا يكون متاحًا بالقدر الكافي حاليًا.

وتأتي مبادرة السوداني الإقليمية في وقت حرج، حيث تُعاني المنطقة بأسرها من تحديات مائية متزايدة. وتُشكل هذه المبادرة فرصة حقيقية لتعزيز التعاون بين دول الجوار، خاصة تركيا وإيران وسوريا، لمواجهة أزمة المياه المشتركة.

فالتعاون الدولي يُعد أمرا حيويا لإدارة الموارد المائية المشتركة بفعالية، كما أن التركيز على "المياه والتكنولوجيا" يُشير إلى وعي بأهمية الحلول المستدامة.

وتتطلب مواجهة الأزمة استثمارات ضخمة في تحديث البنية التحتية، بينما تُعد المشاركة المجتمعية ضرورية لترشيد الاستهلاك.

وفي جوهرها، تُعبر مبادرة العراق عن إدراك عميق لحجم التحدي المائي الذي يُواجهه، وتُشير إلى رغبة جدية في التحرك على الصعيدين الداخلي والإقليمي لضمان أمنه المائي المستقبلي.

ويواجه العراق، شأنه شأن العديد من دول المنطقة، أزمة مائية خطيرة تُهدد أمنه القومي واستقراره. وتُعزى هذه الأزمة إلى عدة عوامل متراكمة، فقد أدت تداعيات التغير المناخي والجفاف إلى انخفاض معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مما فاقم من تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات، الشريانين الرئيسيين للحياة في العراق.

ويتفاقم الوضع بسبب تأثير السدود التي بنتها دول الجوار (تركيا وإيران) على نهري دجلة والفرات وروافدهما، مما يُقلل بشكل كبير من حصة العراق المائية وتدفق المياه الواردة.

ويُضاف إلى ذلك، أن النمو السكاني المتزايد في العراق يتسبب في تزايد الطلب على المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة، مما يُضاعف الضغوط على الموارد الشحيحة.

علاوة على ذلك، تُعاني شبكات الري والمياه في العراق من تهالك كبير وهدر للمياه، بالإضافة إلى ضعف في إدارة الموارد، مما يُفاقم الأزمة.

وتتفاقم هذه التحديات بتأثير تلوث المياه في الأنهار والروافد، بسبب الصرف الصحي والصناعي والزراعي، مما يُشكل خطرا كبيرا على جودة المياه وصحة السكان ويُقلل من المياه الصالحة للاستخدام.

كما تُفاقم النزاعات المحلية على مصادر المياه الشحيحة الأوضاع، خاصة في المناطق الريفية والزراعية.