العراق يصحو من سباته التنموي الطويل على وقع التأثيرات الكارثية للتغير المناخي

غياب السياسات المستقبلية وإهمال الاستعداد المسبق للمتغيرات والكوارث فاقما تعرض السكان لتأثيرات التغير المناخي.
الأربعاء 2025/04/16
أزمة هواء بعد أزمة الماء

بغداد- بات العراقيون يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي على حياتهم كواقع يومي معيش لم يتوقّعوا خلال سنوات قليلة سابقة أن يكون بتلك الحدّة، حيث كان أمر تلك التغييرات مهملا في السياسات الرسمية للدولة في ظل النظام القائم منذ أكثر من عقدين.

وخلت السياسة العراقية على مدى تلك الفترة من العمل المستقبلي وتراجع العمل التنموي إلى مراتب متأخرة في سلم اهتمامات الدولة في ظل انصراف القوى المتحكمة فيها إلى الصراع على السلطة وتنفيذ الأجندات الضيقة الخاصة بها وبالجهات الخارجية التي تقف وراءها في أغلب الأحيان.

وازداد طقس العراق المعروف باشتداد حرارته في فصل الصيف تطرّفا إذ ازدادت الحرارة ارتفاعا وقلت التساقطات المطرية وتفاقم الجفاف وتأثرت الروافد المائية بذلك حيث لم يعد نهرا دجلة والفرات يفيان بحاجة السكان من المياه النظيفة الضرورية للشرب والزراعة وتربية الماشية.

خبراء: العواصف الترابية قد تزداد سوءا في العراق الذي تعتبره الأمم المتحدة واحدا من الدول الخمس الأكثر تأثرا ببعض أوجه التغيّر المناخي

وتطرح مشكلة المياه التي تنامت خلال سنوات قليلة بشكل سريع فاجأ السلطات العراقية جرّاء ظاهرة التغير المناخي وإفراط الجارتين إيران وتركيا في استغلال مياه الروافد المائية المتجة من أراضيهما صوب الأراضي العراقية، على البلد تحديات كبيرة مؤثرة بشكل مباشر على حياة سكانه وأنماط عيشهم فضلا عن تأثيراتها الخطرة على مسار التنمية الضعيف والمتعثّر أصلا في البلاد.

ويهدّد شح المياه الأمن الغذائي للعراقيين بتأثيره على الإنتاج الزراعي، كما يهدد استقرار بعض المجتمعات المحلية المعتمدة على الرعي والزراعة ويدفع أعدادا من أبنائها إلى النزوح نحو مناطق أخرى وخصوصا باتجاه المدن الكبرى غير المفتقرة بدورها أصلا لمشاكل الاكتظاظ والبطالة وسوء الخدمات.

وعلّقت الحكومة العراقية آمالا كبيرة على تقاربها مع السلطات التركية في مجالات أمنية واقتصادية لتكون أساسا لتليين الموقف التركي من قضية تقاسم مياه نهري دجلة والفرات. وقد تكثّف التواصل بين الجانبين لحلحلة القضية دون أن يكون لذلك أثر ملموس على أرض الواقع حيث ما تزال أزمة المياه قائمة وتتفاقم مع مرور الزمن، ذلك أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما تزال متوقفة عمليا عند إصدارها وعودا لنظيرتها العراقية بإيجاد حلول للمشكلة دون أن تمكّنها من أي إنجازات ملموسة عدا مقترحاتها بأن تشاركها تقنيات ونظم التحكم في المياه وترشيد استهلاكها والحد من هدرها.

واستجدت في العراق مشاكل بيئية مؤرقة للسكان ومنغصة لحياتهم اليومية على غرار مشكلة العواصف الرملية وارتفاع سحب الغبار داخل المناطق العمرانية.

سيف البدر: عدد حالات الاختناق التي تم تسجيلها الاثنين بلغ 3747 حالة دخول إلى ردهات الطوارئ

وأعلنت وزارة الصحة العراقية، الثلاثاء، عن تسجيل أكثر من ثلاثة آلاف حالة اختناق جرّاء عاصفة رملية ضربت الاثنين وسط البلد وجنوبه.

ولا تعتبر تلك العواصف أمرا مستجدا بالكامل على العراق الذي يمتد قسم من أراضيه على مناطق صحراوية لكن تواترها واشتدادها، إلى جانب الجفاف وتراجع الغطاء النباتي وتمدّد الصحراء عوامل زادت من تأثيراتها.

وكثيرا ما اتجه تفكير صناع القرار في البلاد منذ عقود طويلة ماضية نحو التصدي لظاهرة التصحّر بالتشجير وإقامة “سدود نباتية خضراء” دون أن يتمّ إنجاز ذلك بالفعل بسبب ما شهده البلد من توترات وعدم استقرار وأزمات مالية واقتصادية متلاحقة.

وتقول الحكومة العراقية الحالية بقيادة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إنّها حققت تقدّما كبيرا في حملة التشجير التي أطلقتها في وقت سابق.

وأعلنت وزارة الزراعة منذ مدّة أن مبادرة السوداني لتشجير مساحات شاسعة من الأراضي العراقية تجاوزت الهدف وحققت نجاحا كبيرا وذلك بغراسة أكثر من ستة عشر مليون شجرة.

ومع ذلك تقول تقارير محلية وأخرى دولية إن الغطاء النباتي في العراق في حالة تراجع سريع وليس في حالة ازدياد ونمو، مستندة إلى نموذج غابات النخيل وغيرها في محافظات مثل ديالى التي يقول المشتغلون في هذا النوع من الزراعة إنّها فقدت في ظرف سنوات الملايين من أشجار النخيل بسبب الجفاف وانتشار أنواع جديدة من الأمراض والفطريات الضارّة.

وذكر متحدث باسم الوزارة أنّ مبادرة رئيس الوزراء بغراسة خمسة ملايين شجرة قد نُفذت في وقت قياسي حيث تولت وزارة الزراعة، من خلال لجنة برئاسة الوزير تنفيذ هذه الحملة بالتعاون مع عدد من الوزارات والحكومات المحلية في المحافظات، مشيرا إلى تنوع الأشجار التي تمت غراستها بين نخيل وزيتون وحمضيات وأشجار غابية وأخرى للزينة.

لكن مواطنين يشككون في دقة تلك المعلومات ويقولون إنهم لا يلمسون أثر حملات التشجير المذكورة بشكل فعلي في بيئتهم ومحيطهم وحياتهم اليومية، قائلين إن الأمر لا يتجاوز مجرّد الدعاية الشكلية.

◄ على الرغم من أن هذه الظاهرة تراجعت حدتها نسبيا في عامَي 2023 و2024 فقد زادت العواصف الرملية من حيث العدد والشدة في السنوات الأخيرة في العراق

وأدّت العاصفة الرملية بين بعد ظهر الاثنين وأولى ساعات صباح الثلاثاء إلى انعدام الرؤية في العديد من المناطق وعرقلة حركة الملاحة الجوية في مطارَي النجف والبصرة الدوليين، بحسب وزارة النقل العراقية.

وأفاد مصوّرو وكالة فرانس برس في النجف والبصرة والناصرية أن سحبا برتقالية كثيفة من الغبار غطّت الشوارع والمنازل وأرغمت رجال الشرطة والمارّة على وضع كمامات. وساعد أحد المسعفين في النجف رجلا على التنفس من أسطوانة للأوكسجين.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر إن “عدد حالات الاختناق التي تم تسجيلها بسبب موجة الغبار ليوم الاثنين بلغ 3747 حالة دخول إلى ردهات الطوارئ في بغداد والمحافظات”.

وأكّد عدم تسجيل أيّ وفيات “ولا حالات رقود في العناية المركّزة،” مشيرا إلى أن معظم المصابين غادروا المستشفيات “بعد تلقي العلاجات اللازمة” و”تماثلوا للشفاء التام”.

ولفت إلى أن العدد الأكبر من حالات الاختناق سُجّل في محافظة البصرة حيث دخل 1041 مصابا إلى المستشفى، تليها محافظتا المثنى بـ874 حالة وميسان بـ628 حالة.

وقررت السلطات في البصرة تعطيل الدوام الرسمي الثلاثاء “بسبب سوء الأحوال الجوية،” حسب ما ورد في بيان لديوان المحافظة نشرته وكالة الأنباء العراقية.

وأوردت الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي التابعة لوزارة النقل العراقية في بيان أن مدن جنوب ووسط العراق تأثرت “بموجات غبار كثيفة ناتجة عن نشاط رياح سطحية قادمة من شرق السعودية وجنوب غرب العراق”.

وخلال عاصفة رملية مماثلة في مايو 2022، سجّل العراق وفاة شخص واحد على الأقلّ ودخول نحو خمسة آلاف شخص المستشفى بسبب إصابتهم بمشاكل تنفسية.

وقالت السلطات الصحية وقتها إن أكثر المتضررين من هكذا عواصف هم الأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل الربو وكبار السن الذين يعانون من قصور في القلب.

وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تراجعت حدتها نسبيا في عامَي 2023 و2024 فقد زادت العواصف الرملية من حيث العدد والشدة في السنوات الأخيرة في العراق.

ويقول خبراء إن العواصف الترابية قد تزداد سوءا في العراق الذي تعتبره الأمم المتحدة واحدا من الدول الخمس الأكثر تأثرا ببعض أوجه التغيّر المناخي.

3