العراق يستعجل تركيا لتنفيذ مشروع طريق التنمية رغم خروقاتها الأمنية

بغداد - بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الإثنين، مع السفير التركي الجديد لدى بغداد تفعيل مذكرة مشروع طريق التنمية وإجراءات التنسيق الأمني المشترك والخروقات في المناطق الحدودية بإقليم كردستان.
وذكرت الحكومة العراقية، في بيان نشره مكتبها الإعلامي على صفحته على فيسبوك أن لقاء السوداني وسفير تركيا الجديد لدى العراق أنيل بورا إنان تناول بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وأهمية توطيد التعاون البناء من أجل تفعيل ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد في أبريل الماضي.
وكانت زيارة أردوغان إلى بغداد، أثمرت عن توقيع اتفاق تعاون إطاري وأكثر من عشرين مذكرة تفاهم في مختلف المجالات والقطاعات، إلى جانب المذكرة الرباعية الخاصة بمشروع طريق التنمية الاستراتيجي.
وأكد لقاء السوداني وإنان، على الإسراع في تنفيذ الاتفاق وتلك المذكرات، وكذلك التطرق إلى تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه في ما يخص ملف المياه، على ما جاء في البيان.
ووقع العراق وتركيا وقطر والإمارات في بغداد، بوقت سابق، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع "طريق التنمية"، برعاية رئيس الوزراء العراقي والرئيس التركي.
ومشروع "طريق التنمية" عبارة عن طريق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
ووفق بيان الحكومة العراقية فقد جرى خلال اللقاء، بحث إجراءات التنسيق الأمني المشترك في المناطق الحدودية، بما يؤكد سيادة العراق على أراضيه ومنع أي خروقات.
وتعتزم لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عقد اجتماع غدا الثلاثاء لمناقشة ما وصفته بـ"الاحتلال" التركي لمناطق في محافظة دهوك، وفق ما أفاد عضو اللجنة محمد الشمري.
ونقل موقع "شفق نيوز" عن الشمري قوله الاثنين إن "يوم غد الثلاثاء سيكون بداية الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب العراقي، وسيكون هناك اجتماع للجنة الامن والدفاع البرلمانية لمناقشة التوغل التركي الأخير في الأراضي العراقية، والتطورات العسكرية هناك، ونحن نعتقد ما يجري هو عملية احتلال".
وبين الشمري ان "لجنة الامن والدفاع البرلمانية بعد اجتماعها يوم غد الثلاثاء، سيكون لها موقف وقرارات وتوصيات بشأن ما يجري من توغل تركي خطير وكبير داخل الأراضي العراقية، كما سيتم بحث استضافة عدد من المسؤولين لمناقشة هذا الملف المهمة، والذي يخص سيادة العراق وحفظ امنه القومي".
ووسّعت القوات التركية الموجودة في شمال العراق، وخصوصا في محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان، من انتشارها في بلدات وقرى جديدة تتبع إداريا لقضاء العمادية، وفيما تشير مصادر عراقية عن وضع تلك القوات نقاط تفتيش جديدة تمهيدا لإنشاء قواعد عسكرية جديدة، يؤكد الأتراك أن الهدف من عملياتهم هذه، زيادة الضغط على مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين أقدموا على تفخيخ المنازل والبساتين في تلك المنطقة، واتخاذ المدنيين دروعاً بشرية.
ونقلت مواقع إخبارية محلية عن مصادر قولها، "لقد قامت القوات التركية بتحركات عسكرية جديدة في منطقة نهلي التابعة لقضاء العمادية شمال دهوك، حيث نصبت عدة نقاط عسكرية بين وادي سركلي ووادي رشافة على سفوح جبل متين"، مبينة أنه "تم تجهيز هذه النقاط بالأسلحة والعربات العسكرية، إضافة إلى الآليات اللازمة لفتح الطرق وإنشاء القواعد العسكرية" حسب موقع "شفق نيوز".
كما تناقل مدوّنون على منصّات التواصل الاجتماعي، مشاهد مصورة تُظهر عربات تركية ضخمة تسير في شوارع مدن وقرى كردية تابعة لمحافظة دهوك، وهي تحمل معدات وكُتل خرسانية.
وشنت القوات التركية قبل ظهر الأحد، قصفا بواسطة المدفعية والطائرات الحربية استهدفت به مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في وادي "رشافة" التابع لناحية "ديرلوك شمال محافظة دهوك.
وأكد نزار سركلي، مختار قرية سركلي في تصريح لـ"شفق نيوز"، إن القصف التركي أسفر عن الحاق أضرار مادية كبيرة بممتلكات المواطنين حيث تم تدمير آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والغابات.
وأضاف أن النيران ما زالت مشتعلة في عدة مناطق منها قرية مزي، وسبيندار خلفو في سفح جبل متين إضافة إلى محيط قرى سركلي، وكوهرزي في جبل متين.
وتؤشّر هذه المعطيات الميدانية في مناطق شمال العراق على دخول المواجهة التي يخوضها الجيش التركي منذ عقود ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق مرحلة غير مسبوقة من التصعيد مع مضاعفة تركيا لمجهودها الحربي سعيا لحسم الصراع ضدّ الحزب في أمد منظور تنفيذا لتعهّدات أطلقتها القيادة السياسية للبلاد.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد في 25 يونيو الماضي إنّ قوّات بلاده ستنفذ عمليات مكافحة إرهاب "أكثر عزما وفعالية" على مدار شهور الصيف.
وفي أواخر يونيو الماضي، رصدت منظمة "فرق صناع السلام" الأميركية دخول الجيش التركي صوب إقليم كردستان العراق بـ300 دبابة ومدرعة وإقامة حاجز أمني ضمن حدود منطقة بادينان، خلال الأيام العشرة الماضية من الشهر ذاته.
ووفقا للتقرير الصادر عن المنظمة، فإن الدبابات والمدرعات التركية توغلت في قرى (أورا، وسارو، وارادنا، وكيستا، وجلك، وبابير) مؤكداً تنقل حوالي 1000 جندي تركي بين قاعدة (كري باروخ) العسكرية التركية، وجبل (متين) خلف ناحية (بامرني) في غضون ثلاثة أيام، وأقاموا حاجزا أمنيا بين قريتي "بابير" و"كاني بالافي" ولا يُسمح لأي مدني بالمرور إلا بعد التحقيق معه وإبراز هوية الأحوال المدنية العراقية أو البطاقة الوطنية.
وتثير التحركات العسكرية التركية على الأراضي العراقية امتعاض العديد من الأطراف السياسية العراقية التي توجه انتقادات للسلطات الاتحادية ولسلطات إقليم كردستان التي كثيرا ما تُتهم بالتواطؤ مع تركيا حفاظا على مصالح سياسية واقتصادية مع أنقرة.
لكن الأطراف المشاركة في قيادة الإقليم لا تحمل نفس الموقف من تركيا وعمليتها العسكرية وذلك تبعا لطبيعة العلاقة التي تجمعها بأنقرة.
وأدان تحالف "قيم" المدني، ما وصفه "العدوان التركي" في الشمال، داعياً إلى حماية المواطنين.
وقال في بيان صحافي، إنه "تستمر القوات التركية، منذ فترة ليست قصيرة بانتهاك السيادة العراقية، وتواصل توغلها العسكري والقصف شبه المستمر لمحافظة دهوك وبشكل خاص لقضاء العمادية، مع تواصل الاستهتار حد إقامة معسكرات ونقاط تفتيش ثابتة ومتحركة وتهجير عدد من المواطنين من قراهم، مما يدحض حجة الحكومة التركية وادعاءها أنها تلاحق حزب العمال الكردستاني".
وفي قرية شيفي بقضاء باطوفا التي تقع على عمق 20 كلم داخل أراضي إقليم كردستان، يعمل الجيش التركي الآن على مد طريق إلى ست نقاط عسكرية جديدة في سلسلة زريزة الجبلية، وقد مدوا شارعاً يبلغ طوله نحو 30 كلم.
ويقول أهالي ديمكا إن الأرض أرضنا لكن ترابها وسماءها ليسا تحت سيطرتنا الآن.
وأضاف تحالف "قيم" المدني "في الوقت ذاته، يستمر صمت الحكومتين الاتحادية، وفي إقليم كردستان، عن هذه الانتهاكات، وحتى الآن لم يجر اتخاذ أي إجراء رادع لوقف هذه الانتهاكات، سواء من قبل القوات التركية أو من حزب العمال الكردستاني، الذي يستخدم الأراضي العراقية في أنشطة تضر باستقرار وأمن بلدنا".
وأكد في بيانه "رفض عدوان القوات التركية وانتهاكها المستمر للسيادة" داعياً الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان إلى "الخروج عن صمتهما، واتخاذ مواقف مناسبة قوية وواضحة لحماية المواطنين والمصلحة الوطنية، وبيان حقيقة ما يجري، وهل إنه يحصل بموافقة الحكومتين؟".
ويؤكد الجانب العراقي انه لا يوجد أي اتفاق بين الجانبين العراقي والتركي على التوغل، باستثناء محضر اجتماع موقع عام 1984 ومدته عام واحد، يسمح للقوات التركية التوغل 5 كيلومترات فقط داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني.
وبينما بات الحزب الديمقراطي الكردستاني بمثابة حليف لتركيا ومتعاون معها اقتصاديا وكذلك أمنيا، وضعت حكومة أردوغان حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني في خانة أعدائها باتهامها له بالتعاون ضدّ قواتها مع عناصر حزب العمال الكردستاني، مهدّدة بأن تشمل عملياتها العسكرية مناطق نفوذ الاتحاد التي تقول إنّها تحوّلت إلى ملاذ لمقاتلي حزب العمّال وممرا لإمدادهم بالسلاح.
وبذلت تركيا خلال الأشهر الأخيرة جهودا مكثّفة لجعل بغداد طرفا في حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني، لكن وجود أطراف مناوئة لأنقرة داخل حكومة السوداني منعت من التوصّل إلى تفاهمات واضحة بهذا الشأن.
ويبدو أنّ أقصى ما توصّل إليه الجانب التركي هو الحصول على موافقة ضمنية غير معلنة من قبل بغداد على توسيع العملية العسكرية التركية في مناطق الشمال العراقي، وذلك بهدف تسهيل عقد شراكات اقتصادية بين البلدين والتوصّل إلى تفاهمات حول ملف المياه.