العراق يسترد مطلوبين في قضايا فساد من ملاذاتهم بالخارج

بغداد – تمكن العراق في أقل من أسبوع من تسلم ثلاثة مسؤولين حكوميين مدانين في قضايا فساد ممن ظنوا أن دول الملاذ ستكون منفذا رئيسا للفاسدين وسارقي المال العام في الهرب من العدالة، لكن بغداد أخيرا لجأت إلى عقد اتفاقات دولية لاسترداد المطلوبين من سرقة المال العام.
وأعلنت هيئة النزاهة العراقية اليوم الخميس، أنها استردت أحد المتورطين بقضية سرقة الامانات الضريبية ما تُعرف إعلاميا بسرقة "القرن" من الأردن، وذلك عقب تسلمها مسؤولين حكوميين اثنين مدانين بقضايا فساد من سلطنة عمان.
وذكرت دائرة الاسترداد في الهيئة، في بيان، بأنها استردت أحد رجال الأعمال المُتَّهمين في قضية سرقة الأمانات الضريبية من السلطات الأردنية، مُنوّهة بأن العمليَّة جرت بإشراف ومُتابعة مباشرة من رئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني).
ووجهت للمتهم ـ بحسب بيان النزاهة ـ "عدة تهم، تمثلت بالتواطؤ مع أحد أبرز المتورطين في سرقة الأمانات الضريبية عبر تقديم تسهيلات لشركات أجنبية وهمية، وتنظيم تنازل غير حقيقي من هذه الشركات للمتهم الرئيس في القضية، وهو ما تسبب بسرقة أكثر من ثلاثة ترليونات دينار عراقي".
ووفقًا للنزاهة، فإنّ "المتهم مطلوب عن قضيتين، حيث أصدرت محكمة تحقيق الكرخ الثانية أكثر من أمر قبض وتفتيش بحقه، للتهم المنسوبة إليه في قضيتي سرقة الأمانات الضريبية، وانتحال صفة مسؤول بالدولة"، مشيرًا إلى أنّ "ذلك جاء استنادًا إلى أحكام المادة (444/11) من قانون العقوبات، ووفق القرار (160 لسنة 1983)"
وقالت النزاهة إنّ "الجهد الدبلوماسي لرئيس مجلس الوزراء وفتحه آفاق التعاون والعلاقات الثنائية مع الدول أفضى في الآونة الأخيرة إلى تعاون تلك الدول في استرداد المدانين والأموال المهربة وكان آخرها استرداد مدانين من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان"، مشيرًا إلى أنّ "الهيئة أعلنت فتحها حسابين في مصرف الرافدين بالدينار والدولار الأميركي، من أجل إيداع المبالغ المستردة، ومنها أموال الأمانات الضريبية المسروقة".
وكشفت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصدر مطلع بهيئة النزاهة أن المتهم رجل أعمال عراقي يدعى أحمد سعد غانم الصراف، وقد وتم اعتقاله في عمّان وفق مذكرة قضائية سابقة، وتم نقله إلى بغداد، وهو حاليًا معتقل في العاصمة.
وكانت هيئة النزاهة قد أعلنت الاثنين أن العراق تمكن من استرداد اثنين من المدانين بقضايا فساد الهاربين في أراضي سلطنة عمان، هما المدير العام للتخطيط العمراني في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة سابقاً، والمدير العام لدائرة زراعة الأنبار سابقاً، بعد إلقاء القبض عليهما في أراضي سلطنة عمان، بناءً على أوامر القبض الدولية وملفات الاسترداد التي نظمتها الدائرة بالتعاون مع المحاكم المتخصصة، وفقاً لإذاعة البحث الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب.
وقالت إن فريقا من دائرة الاسترداد برفقة مفرزة أمنية من مديرية الشرطة العربية والدولية في وزارة الداخلية (الإنتربول)، تسلموا المدانين بقضايا استغلال المنصب الوظيفي والإضرار العمدي بأموال الدولة العراقية والاستيلاء عليها من دون وجه حق في العاصمة مسقط، ووصلا صباح الإثنين إلى مطار بغداد الدولي، وذلك من أجل تسليمهما إلى الجهات القضائية.
وكانت الهيئة قد أعلنت في الثالث والعشرين من فبراير الماضي عن اتفاق مبدئي بين رئيس الهيئة القاضي حيدر حنون والشيخ غصن بن هلال العلوي رئيس جهاز الرقابة المالية والإدارية في سلطنة عمان على إبرام مذكرة تفاهم في مجال مكافحة الفساد وتبادل المعلومات والتحريات حول المتهمين المطلوبين قضائياً، وأموال الفساد المهربة إلى الخارج، بغية استردادها.
ولم تسترد السلطات العراقية حتى الآن سوى على 317.5 مليار دينار من أصل أكثر من 3.7 تريلون (نحو مليارين ونصف المليار دولار) في ما يعرف بـ"سرقة القرن"، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن مجلس القضاء.
وعدّ رئيس الوزراء العراقي "سرقة القرن"، بأنها "واحدة من الملفات الصارخة لاستباحة المال العام وللتخادم والتواطؤ بين السراق ومؤسسات رسمية وحزبية كلها متورطة في سرقة 3.7 تريليون".
وفي وقت سابق، عاد الحديث عن "سرقة القرن"، إثر ظهور وثائق رسمية تثبت رفع الحجز عن عقارات تعود إلى المتهم الرئيس في القضية نور زهير وزوجته في العاصمة بغداد ومحافظة البصرة، مع معلومات غير مؤكدة عن مغادرته البلاد.
والوثائق التي جرى تداولها بشكل واسع من قبل متفاعلين على منصات التواصل الاجتماعي، صادرة عن وزارة العدل إلى مديريات التسجيل في الكرخ الأولى والرصافة الثانية والبصرة الأولى لرفع إشارة الحجز عن نحو 50 عقارًا تعود إلى زهير، الذي استحوذ مع متهمين آخرين على أكثر من 3.7 تريلون دينار من حسابات الأمانات الضريبة في مصرف الرافدين.
وتثير القضية، التي كشف عنها في منتصف أكتوبر، وتورط بها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، سخطا شديدا في العراق الغني بالنفط والذي يستشري فيه الفساد.
وعلى الرغم من أن الفساد متفش في كل مؤسسات الدولة في العراق، إلا أن المحاكمات التي تحصل في هذه القضايا قليلة، وإن حصلت فهي تستهدف مسؤولين صغارا.