العراق يرصد الحسابات الداعمة لإسرائيل.. نفوذ إيران يلاحق الناشطين

الصواريخ المتبادلة تتمدد إلى الفضاء الافتراضي العربي وتكشف التصدّع السياسي والطائفي.
الثلاثاء 2025/06/17
استقواء على الصور

تسببت الحرب بين إسرائيل وإيران في حالة من الاستقطاب الحاد على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما في العراق الذي يعاني من نفوذ واسع للموالين لإيران المرتبطين بمصالح معها، والذي أثبتته هيئة الإعلام العراقية التي دعت الناشطين إلى رصد الحسابات الداعمة لإسرائيل لمحاسبتها قانونيا، في خطوة تظهر محاولتها للسيطرة على سردية الحرب.

بغداد - أثارت دعوة عضو مجلس المفوضين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقية محمود الربيعي، الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي إلى رصد الحسابات والمنشورات التي تُعبّر عن دعمها للهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحابها، جدلا واسعا في العراق.

وعكست تعليقات الناشطين في العالم العربي وخصوصا في العراق حجم الانقسام بخصوص إيران والمواقف إزاء مشروعها الذي شهد فشلا في المنطقة خلال الأشهر الأخير، رغم شبه الإجماع على التعاطف مع الفلسطينيين وإدانة الحرب الإسرائيلية على غزة.

وقال الربيعي في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي على منصة إكس “أرجو أن تتعاونوا معي في رصد كافة الأشخاص الساقطين الذين يدعمون الكيان الصهيوني الغاصب في عدوانه الإجرامي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكي نقدمهم للمحاكمة بجريمة التطبيع مع العدو وفق القانون العراقي.”

كما طلب من الناشطين إرسال روابط الحسابات أو المنشورات التي تتضمن ما وصفه بـ”الدعم للكيان الصهيوني”، مشددا على أنه سيتخذ الإجراء “اللازم” بحقهم.

ومع اندلاع المواجهات العسكرية العلنية بين إيران وإسرائيل، لم تقتصر تداعيات الصواريخ المتبادلة على خرائط الشرق الأوسط، بل تمددت إلى الفضاء الافتراضي العربي، حيث انكشف حجم التصدّع السياسي والطائفي في المواقف الشعبية والنخبوية إزاء أطراف النزاع. فقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي انفجارًا من التعليقات المتباينة، عكست عمق الانقسام العربي حول “من العدو؟ ومن الصديق؟”

وكشفت التعليقات المتباينة على الأحداث الجارية كيف يتقاطع الصراع الإقليمي مع الأزمات الداخلية لكل دولة عربية، ومع ذاكرة حافلة بالتشكيك والتعبئة الطائفية.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات شامتة بإيران بعد أن تسببت في دمار عدة دول عربية وارتهان دولة عريقة مثل العراق بالنظام الإيراني. واستذكر الكثيرون مشاهد الممارسات الإيرانية ضد العراقيين، وجاء في تعليق:

@aliraqplus

كي لا ننسى، وكي نُذَكِّر كل عراقي وعربي يصطف مع إيران أو يحزن لقصف طهران: نحب أن نذكّركم ونقول: شاهدوا الفيديو، وشاهدوا كيف عاملت إيران الأسير العراقي، وكيف أهانت المواطن العراقي، وسحلت الطيّار العراقي الشهم حين وقع في الأسر. لا ذاكرة قصيرة مع من أهان كرامتنا.

وقال آخر:

@ABBASITB

مقارنة بين الخطر الإيراني الحاقد والخطر اليهودي، وحتى لا تستغفلك الحسابات الباطنية الموالية لإيران، ما فعلته إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان من مجازر وجرائم خلال 10 سنوات فقط لم تفعله إسرائيل في #فلسطين منذ احتلالها لها إلى اليوم.

وعلق ناشط:

@shimry1000

أبناء العراق على أتم الجاهزية لطرد إيران من العراق. غير أن الموالين لإيران يحاولون السيطرة على سردية الحرب ومنع انتشار الرأي الآخر المندد بهيمنة طهران على بلادهم، باعتبار أن مصالحهم لا تزال مرتبطة بطهران.

وقال آخر:

@Ta9788

بدأ توافد المواكب الحسينية عند الجسر المعلق ببغداد لخدمة المحتجين ضد سفارة الشر الأميركية. هذا البلد لا يمكن أن يكون ضمن محور الشر. كتائبنا المنصورة.

وانساقت بعض التعليقات إلى الرواية الإيرانية رغم أنها غير متطابقة مع الواقع. وقال معلق في هذا السياق:

@tamergamalhosny

الجيش الإيراني يخاطب الإسـرائيليين بالمكان الآمن الوحيد لهم من اليوم. سيكون المكان الآمن الوحيد هو المسجد الأقصى، وسيشاهدون الجحيم الليلة.

ورحّب البعض بردّ إيران على إسرائيل باعتباره “كسرًا لاحتكار الرد” و”خطوة تأديبية لجيش اعتاد القصف بلا عقاب” حيث رأى أن طهران بدت وكأنها تملأ فراغًا تركه النظام العربي الرسمي في مواجهة الحرب بغزة، وقد وُظفت المئات من المنشورات والفيديوهات والخرائط لإبراز دعم طهران لها، مع شعارات مثل “صاروخ من طهران دفاعًا عن القدس.”

وانتشر هذا النوع من الخطاب خصوصًا في الصفحات المناهضة للتطبيع مع الدولة العبرية، وبين أنصار الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران في العراق وأيضا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل فلسطينية، معتبرين أن الرد الإيراني -مهما كانت خلفياته- يمثل تحولًا نوعيًا في ميزان الردع الإقليمي، لاسيما بعد ضرب أهداف عسكرية إستراتيجية داخل العمق الإسرائيلي.

في المقابل ظهرت موجة رافضة وغاضبة، لم تخفِ شماتتها بطهران، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك في اعتبار إيران خصمًا أوّل، لا يقل خطرًا عن إسرائيل، إن لم يكن أكثر منها خطرا. وبرز هذا الموقف بقوة في تغريدات وتعليقات لمستخدمين من غالبية الدول العربية، ومن بينهم كتاب رأي مؤثرون ومؤسسات إعلامية ذات توجهات مناوئة للسياسة الإيرانية.

هيئة الإعلام العراقية تطالب الناشطين بالتبليغ عن الحسابات التي تتضمن "دعما للكيان الصهيوني"، لاتخاذ الإجراء "اللازم"

وعكست هذه المواقف البعد الطائفي، إذ ربط كثيرون دعم طهران لحماس أو الحوثيين بأنه مجرد غطاء لنفوذ “فارسي شيعي”، يسعى لتقويض الأنظمة العربية السنية، كما برزت مقارنات تاريخية تتهم إيران بـ”ازدواجية المواقف” تجاه العراق وسوريا، وبأنها “تتاجر بفلسطين لتوسيع نفوذها.”

واللافت أن فئات كبيرة من الرأي العام العربي أبدت ارتباكًا في تحديد الموقف، أو فضّلت تجنّب الانحياز، مكتفية بالتعبير عن الحزن والغضب من مشهد عربي مشتت بين قوتين أجنبيتين، لا تمثلان -حسب رأيها- مشروعًا حقيقيًا للنهضة أو التحرر.

ولم يكن الانقسام الافتراضي وليد اللحظة. فمواقف العرب تجاه إيران محمّلة بإرث من التوترات، بدءًا من الحرب العراقية – الإيرانية، مرورًا بدور طهران في سوريا والعراق ولبنان، ووصولًا إلى علاقتها مع الفصائل الشيعية المسلحة، وملفها النووي. وقد تعمّق هذا الاستقطاب من خلال اعتبار إيران “الخطر الأعظم”.

وقد تبنى هذه المقاربة العديد من العرب الذين يرون في النفوذ الإيراني تهديدًا مباشرًا لأمنهم الداخلي، كما أن وسائل الإعلام الرسمية متعددة الانتماءات ساهمت في حالة الاستقطاب هذه حتى في سياق تصعيدها ضد إسرائيل في الوقت نفسه.

ويأتي هذا الجدل على خلفية شن إسرائيل هجوما واسعا على إيران، منذ فجر الجمعة، بدأ بعشرات المقاتلات، وأسمته “الأسد الصاعد”، قصفت خلاله منشآت نووية ومواقع عسكرية في مناطق مختلفة، واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين. وفي مساء اليوم نفسه بدأت إيران بعملية أسمتها “الوعد الصادق 3″، للرد على الهجوم الإسرائيلي بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة 172 آخرين بجروح متفاوتة، فضلاً عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات في سبع مدن إسرائيلية.

5