العراق يحث الخطى لدخول عهد الهيدروجين الأخضر

ترجم العراق أخيرا خططه الطموحة لترسيخ أسس إنتاج الهيدروجين الأخضر في البلاد مع تدشين باكورة مشاريع هذه الصناعة الناشئة، والذي يقول خبراء إن من شأنه وضع البلاد على طريق التحول إلى الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون.
بغداد - وضعت الحكومة العراقية قدما في طريق طويل لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي جزء من جهود تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة والتوجه إلى البدائل النظيفة والمتجددة بما ينسجم مع خطط مسح البصمة الكربونية.
وبدأت وزارة النفط إنشاء أول مشروع للهيدروجين الأخضر لصالح شركة مصافي الجنوب بطاقة إنتاج تبلغ 800 طن سنويا مع محطة الطاقة الشمسية بسعة 130 ميغاواط، وفقا لبيان نشرته على حسابها في منصة فيسبوك.
ودشن وزير النفط حيان عبدالغني المشروع، الذي لم يتم الكشف عن كلفة تشييده، خلال افتتاح معرض ومؤتمر طاقة العراق الدولي التاسع الاثنين الماضي، والذي تحتضنه العاصمة بغداد.
ويتزامن إطلاق المشروع مع حرص المسؤولين على سن تشريع خلال الفترة القليلة القادمة حتى يؤسس للنهوض بقطاع الطاقة النظيفة من أجل تنويع مزيج الطاقة وفي الوقت ذاته خفض الانبعاثات الضارة.
وقال عبدالغني خلال كلمته في المؤتمر إن “وزارة النفط عرضت مسودة قانون للطاقة المتجددة في المجلس الوزاري للطاقة، وتم إرساله إلى مجلس النواب لإقراره”.
ويهدف القانون إلى تأسيس هيكلية إدارية لهذا الملف الحيوي، وإصدار التشريعات اللازمة لتسريع العمل به حتى يمهد لتوسيع مشاريع الهيدروجين البيئي خلال المرحلة المقبلة.
وتتواكب جهود إنشاء أول مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر مع مشروعين محتملين لإنتاج الهيدروجين الأزرق، من المقرر أن تنفّذهما شركة توتال إنيرجيز الفرنسية، بحسب التقرير السنوي لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك).
وكانت هناك تجربة سابقة لم تحظ بالكثير من التركيز، حيث افتتح مركز البحث والتطوير النفطي التابع لوزارة النفط في أغسطس 2022 وحدة لإنتاج وقود الهيدروجين بقدرة إنتاج تبلغ 12 مترا مكعبا في الساعة.
ويتم إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر عملية التحليل الكهربائي باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لتقسيم جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين.
وتعتبر الطاقة الشمسيةُ المصدرَ الأكثر استخداما لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ووفقا لوزارة الطاقة العراقية قد تصل نسبة انتشار الطاقة المتجددة إلى 20 و40 في المئة بحلول عام 2030.
وبالتوازي مع جهود الدولة لتقليل اعتمادها على النفط والغاز، تستمر تكاليف الاستثمار المرتبطة بالطاقة الشمسية والتكنولوجيا في الانخفاض، ما يجعل التركيب الاقتصادي لهذه الموارد الوفيرة أكثر جدوى.
ويوفر الجمع بين أنظمة الطاقة الشمسية وغيرها من الأنظمة المتجددة إمكانات اقتصادية قوية بسبب فوائد الفاعلية والكفاءة العاليتين، ما يقلل كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.
ويتمتع العراق بموارد هائلة من الطاقة الشمسية، كما أن مناطق شاسعة تجعله موقعا مثاليا لتطوير مشاريع طاقة الرياح، ومع ذلك يبدو البلد متخلفا عن جيرانه في الشرق الأوسط بسبب تبعات الأزمات والحروب التي تعرض لها على مدار أربعة عقود.
40
في المئة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العراقية بحلول عام 2030
ويقول متابعون إن من شأن تطوير مشاريع الطاقة المتجددة أن يسهم في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبالتالي يعزز جهود بغداد لتقليل بصمتها الكربونية والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
ويريد العراق اللحاق بجيرانه في المنطقة، حيث وضعوا الهيدروجين الأخضر نصب أعينهم وذلك في إطار رغبتهم المعلنة في جعل اقتصادات دولهم صديقة للبيئة بعد أن حقّقت أرباحا هائلة من الوقود الأحفوري على مدى عقود.
وتعمل حكومات الخليج العربي على إطلاق المزارع الشمسية في الأعوام القادمة مع ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي في جميع أنحاء المنطقة. ومن المتوقع أن يمثل هذا المصدر نحو 15 في المئة من مزيج الطاقة في دول الخليج بحلول نهاية هذا العقد.
كما اعتمد المغرب إستراتيجية حتى يكون في غضون سنوات أحد مصادر الهيدروجين الأخضر، بالتزامن مع إصرار مصر والأردن وتونس والجزائر على اللحاق بنجاحات هذا القطاع الواعد.
ويستهدف العراق توقيع عقود لإنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة بقدرة 3700 ميغاواط قبل نهاية العام الجاري، بحسب وزير الكهرباء زياد علي فاضل في مقابلة مع بلومبرغ الشرق في منتصف الشهر الماضي.
وأشار إلى أنه تمّ بالفعل توقيع ثلاثة عقود لتوليد نحو 2400 ميغاواط، وتوقع أن يُنجز منها 500 ميغاواط من الطاقة المتجددة بحلول الصيف المقبل.
وأكد فاضل أن الوزارة تقوم حاليا بتفعيل عقد شركة أكوا باور السعودية لتوليد ألف ميغاواط في محافظة النجف، إضافة إلى تفعيل العقد مع مصدر الإماراتية لتوليد ألف ميغاواط أخرى في المناطق الغربية من البلاد.
وفي سياق تسريع التحول الأخضر طرحت وزارة النفط العراقية أول مناقصة لتنفيذ مشاريع حفظ الكربون ممولة من سندات الكربون لمشروع حرق الغاز بالحقل الشرقي في بغداد بطاقة 12 مليون قدم مكعبة قياسية.
وقال عبدالغني “نحن على أبواب مرحلة مهمة في ملف الطاقة العراقي، حيث نحتاج إلى تأسيس إستراتيجية متكاملة وخفض الانبعاثات ليكون التحول مصدرا لإنعاش الاقتصاد”.
وتعمل بغداد على إطلاق مشروع الغاز المتكامل بسعة 600 مليون قدم مكعبة قياسية، مع توتال إنيرجيز بطاقة 150 مليون قدم مكعبة قياسية قابلة للزيادة إلى 300 مليون قدم مكعبة قياسية.
وفضلا عن ذلك هناك مشاريع أخرى في المنصورية وعكاز بطاقة تتراوح بين 300 و400 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز.
وبحسب البيانات الرسمية للحكومة تبلغ قدرة إنتاج مشاريع الطاقة قيد التعاقد التي أبرمتها وزارة النفط مع الشركات العالمية حتى الآن أكثر من 8 آلاف ميغاواط.
وكشف عبدالغني خلال المؤتمر أن العام الجاري سيشهد إطلاق عدد من مشاريع الطاقة، منها مشروع البصرة والحلفاية بطاقة 300 مليون قدم مكعبة قياسية ومشروع الناصرية بطاقة 200 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز.
وخلال السنوات الأخيرة ضاعف العراق إنتاج النفط الخام إلى أكثر من 4.7 مليون برميل يوميا، رغم الالتزام بسياسة خفض الإنتاج التي يتبعها تحالف أوبك+. وتتراوح الصادرات الحالية بين 3.35 و3.4 مليون برميل يوميا.
ومن المتوقع أن تستأنف صادرات النفط الخام من حقول إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي خلال المدة القريبة القادمة بعد توقف دام أشهرا.