العراق يحاول امتصاص صدمة تقلبات الاقتصاد العالمي

تسعى السلطات العراقية من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة لامتصاص آثار تقلبات الاقتصاد العالمي على السوق المحلية والذي بات في مرمى ارتدادات استيراد التضخم ومعضلة الأمن الغذائي ولاسيما تداعيات العقوبات الغربية على الاستثمار الروسي في البلاد.
بغداد- أحدث الغزو الروسي لأوكرانيا هزة في الأسواق المحلية العراقية على غرار معظم دول العالم، بارتفاع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية الأساسية، ما دفع الحكومة إلى إقرار حزمة من الإجراءات لتخفيف وطأة الأزمة على الشرائح الهشة.
ودخل العراق مبكرا في أزمة ارتفاع الأسعار العالمية على اعتبار أن البلد النفطي يعد مستوردا رئيسا للمواد الغذائية وخاصة الحبوب والزيوت النباتية التي صعدت أسعارها مدفوعة بمخاوف توقف الإمدادات.
ووفق التقديرات بلغ إجمالي حصص روسيا وأوكرانيا من صادرات القمح العالمية 29 في المئة عام 2020. وكانت لروسيا أكبر مصدر للقمح في العالم حصة تقارب 19 في المئة من صادرات القمح العالمية.

مظهر محمد صالح: نحن في نقطة التعادل في ظل ما يحدث في شرق أوروبا
وتضيق الدول الغربية الخناق على الاقتصاد الروسي يوما بعد آخر بفرض عقوبات قاسية على موسكو وهو ما يثير الجدل بشأن مصير الشركات الروسية العاملة في العراق.
وتعمل العديد من الشركات الروسية في العراق في مجال الطاقة وعمليات استخراج النفط باستثمارات تقدر بمليارات من الدولارات بينها غازبروم ولوك أويل وروسنفت.
وكان السفير الروسي لدى بغداد ماكسيم ماكسيموف قد كشف في أغسطس 2020 أن إجمالي استثمارات بلاده في العراق ضمن قطاع النفط تبلغ 13 مليار دولار.
ولا يقتصر حجم الاستثمار الروسي على مجال الطاقة والنفط فحسب، وإنما يمتد إلى مجال التسليح العسكري، وخصوصاً أن العراق كان قد تحرك مؤخرا لتوريد دبابات روسية الصنع من نوع تي – 90.
وبشأن احتمال تأثر الشركات الروسية بالعقوبات الغربية، أو اتخاذ بغداد قرارا بتعليق أعمالها، أشار متحدث وزارة النفط العراقية عاصم جهاد إلى “عدم صدور قرار رسمي من قبل مجلس الوزراء العراقي حول هذا الملف”.
وقال جهاد لوكالة الأناضول إن “الحكومة هي المخولة الوحيدة بشأن إبداء الرأي والتعليق على ملف الحرب بين أوكرانيا وروسيا”.
ونأت بغداد بنفسها عن الحرب الدائرة منذ أكثر من أسبوعين، ولم تتخذ موقفاً صريحاً بشأنها، واكتفت الخارجية العراقية بتكرار “ضرورة اللجوء إلى الحوار لاحتواء الأزمة”.
لكن البنك المركزي العراقي اقترح الأسبوع الماضي على الحكومة عدم إبرام أية عقود جديدة وتعليق التعاملات المالية مع روسيا إثر فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على موسكو. وحتى الآن لم تعلن الحكومة موقفها من مقترح المركزي.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى للأناضول إن “العراق لم يتأثر إلى الآن بشأن عمل الشركات الروسية في البلاد”، مبينا أن “العمل متواصل في محطة الناصرية بمحافظة ذي قار (جنوب) من قبل شركة روسية”.

أحمد موسى: العراق لم يتأثر بشأن عمل الشركات الروسية في البلاد
وبشأن إمكانية تعليق عمل الشركات الروسية في البلاد استجابة لعقوبات الغرب وخاصة واشنطن، أوضح موسى أن “قرار إيقاف التعامل مع الشركات الروسية هو قرار سياسي بالدرجة الأساس ويصدر عن الحكومة الاتحادية”.
وأضاف أن “وزارة الكهرباء لم تتسلم إلى الآن أي إشعار بشأن إيقاف التعامل أو التعاون مع الشركات الروسية”.
وبالنسبة إلى العراق، فإن الأزمة لم تكن نقمة في المجمل، بل حملت جانبا إيجابيا بارتفاع أسعار النفط ووصول سعر البرميل الواحد إلى نحو 140 دولارا.
والعراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية بمتوسط إنتاج 4.6 مليون برميل يوميا في الظروف الطبيعية، ويعتمد على إيرادات النفط لتمويل ما يصل إلى 92 في المئة من نفقات الدولة.
وقال مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء للأناضول إن “العراق هو في نقطة التعادل في ظل الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا، كونه منتجا للنفط ويجني مكاسب ريعية جراء ارتفاع قيمة عائدات البلاد النفطية”.
وأضاف أن “العراق في جانب آخر يتحمل تضخما عالميا للمواد المستوردة، ولاسيما في مجال المواد الغذائية التي يعتمد فيها على الاستيراد بنسبة 70 إلى 80 في المئة”.
وأوضح صالح أن بلده سيصاب بتضخم انتقالي أو مستورد، وهو الأمر الذي سيوسع من فقرة الدعم في الموازنة العامة لمصلحة دعم الشرائح الهشة والفقيرة والتصدي لمظاهر التضخم بوسائل السياسة المالية الداعمة، ومنها دعم البطاقة التموينية وتخفيض بعض أوجه الضرائب.
ولم يخف المسؤول العراقي قلقه من أن سوق الحبوب المحلية كما هو الحال في السوق العالمية ستتأثر بما يحدث في شرق أوروبا.
وسارعت بغداد إلى اتخاذ جملة من القرارات تهدف إلى تأمين خزين من القمح والسيطرة على الأسواق المحلية ودعم الشرائح الهشة.
وقرر المجلس الوزاري للاقتصاد الاثنين الماضي تخصيص مبلغ 100 مليون دولار لشراء 3 ملايين طن من الحنطة المستوردة “بشكل عاجل” بهدف توفير خزين استراتيجي.
وفي اليوم التالي، قررت الحكومة صرف منحة نقدية مقدارها 100 ألف دينار (68 دولارا) لمرة واحدة باسم “منحة غلاء معيشة” للشرائح الهشة في البلاد.
العديد من الشركات الروسية في العراق تعمل في مجال الطاقة وعمليات استخراج النفط باستثمارات تقدر بمليارات من الدولارات بينها غازبروم ولوك أويل وروسنفت
كما قررت الحكومة تصفير الرسم الجمركي على البضائع الأساسية من مواد غذائية ومواد بناء ومواد استهلاكية ضرورية لمدة شهرين، وإطلاق حصتين للمواد الغذائية في البطاقة التموينية (الحصة الغذائية الشهرية) فورا، وتأجيل استيفاء الضرائب على التجار من مستوردي المواد الغذائية.
وقال وزير التجارة علاء الجبوري لصحيفة الصباح الحكومية الأربعاء الماضي إن “المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي حتى انطلاق الموسم التسويقي في مطلع أبريل المقبل”.
وتستورد الحكومة القمح وتقوم بطحنه لتوزيع الدقيق على السكان ضمن برنامج الحصص الغذائية شبه المجانية والمتبع منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.