العراق في معركة مفتوحة مع المتلاعبين بالنظام المالي

إنهاء كافة عمليات السحب النقدي بالدولار من القطاع المصرفي بحلول 2024 لحماية الدينار.
الجمعة 2023/10/06
كل السيولة المتوفرة تحت الرقابة

تلوح معركة مفتوحة بين السلطات العراقية والمتلاعبين بالنظام المالي مع دخول قرار إقصاء الدولار من التعاملات التجارية حيز النفاذ بحلول العام المقبل، أملا في حماية الدينار الذي تدهورت قيمته بسبب التعاملات في أسواق الظل.

بغداد – يكافح المسؤولون في العراق من أجل تطويق السوق السوداء للعملة، وهو ما يعتقد محللون أنه محاولة قد تعطي ثمارها بمرور الوقت مع إنهاء كافة عمليات السحب النقدي بالدولار بحلول 2024.

لكن الخطوة التي بدأت البنوك في تفعيلها منذ فترة بداعي عدم توفير البنك المركزي السيولة الكافية من الدولار تثير سخط المتعاملين والمودعين وتنذر بتداعيات أخطر خلال الفترة المقبلة.

ويخشى العراقيون أن يقفز سعر صرف العملة الأميركية في السوق الموازية إلى أرقام قياسية مقارنة بالسعر الرسمي مما ينعكس سلبا على واقعهم المعيشي.

وستحظر بغداد السحب النقدي والمعاملات بالدولار اعتبارا من يناير المقبل، وذلك في أحدث مسعى للحد من إساءة استخدام احتياطيات البلاد من العملة الصعبة في الجرائم المالية والتهرب من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

مازن أحمد: هدفنا وقف الاستخدام غير المشروع للاحتياطات النقدية
مازن أحمد: هدفنا وقف الاستخدام غير المشروع للاحتياطات النقدية

وقال مازن أحمد مدير عام إدارة الاستثمار والتحويلات في المركزي لرويترز إن “الهدف هو وقف الاستخدام غير المشروع لنحو 50 في المئة من مبلغ نقدي يبلغ 10 مليارات دولار يستورده العراق سنويا من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)”.

وتأتي الخطوة في إطار حملة أوسع لوقف اعتماد الاقتصاد على الدولار بعدما بدأ السكان يفضلون العملة الأميركية على الدينار.

وأكد أحمد أن الأشخاص الذين يودعون الدولارات في البنوك قبل نهاية 2023 سيمكنهم سحب الأموال بالدولار في 2024، لكن الدولارات التي سيتم إيداعها خلال العام المقبل لا يمكن سحبها إلا بالعملة المحلية بالسعر الرسمي البالغ 1320 دينارا للدولار.

وبلغ سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية 1560 دينارا الخميس، أي أقل بنحو 15 في المئة من السعر الرسمي.

وقال أحمد “تريد تحويل أموال؟ لتفعل. تريد بطاقة بالدولار؟ تفضل، يمكنك استخدام البطاقة داخل العراق بالسعر الرسمي، أو إذا كنت تريد السحب النقدي، يمكنك بالسعر الرسمي بالدينار لكن لا تتحدث معي عن الدولار نقدا بعد الآن”.

وأنشأ العراق بالفعل منصة لتنظيم التحويلات المصرفية التي تشكل الجزء الأكبر من الطلب على الدولار، والتي كانت بمثابة بؤرة للإيصالات المزيفة والمعاملات الاحتيالية التي سربت الدولارات إلى إيران وسوريا اللتين تخضعان لعقوبات أميركية.

وتم تأسيس المنصة بالتنسيق مع السلطات الأميركية حيث يتم الاحتفاظ باحتياطات العراق البالغة 120 مليار دولار من مبيعات النفط.

وذكر أحمد أن هذا النظام أصبح الآن شبه محكم ويوفر الدولارات بالسعر الرسمي للذين يمارسون أنشطة تجارة مشروعة مثل استيراد المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.

لكنه أوضح أن إساءة استخدام عمليات السحب النقدي لا تزال مستمرة بطرق تشمل الراغبين في السفر الذين يحق لهم رسميا الحصول على ثلاثة آلاف دولار، لكنهم يبحثون عن أساليب للتحايل على النظام.

ويعتمد العراق بشكل كبير على علاقاته مع الولايات المتحدة في ضمان عدم تعرض عائدات النفط وأموال البلاد لرقابة أميركية.

المركزي أنشأ منصة لتنظيم التحويلات من احتياطاته في أميركا والبالغة 120 مليار دولار من مبيعات النفط

وفي الوقت نفسه تحرص الحكومة الحالية المدعومة من أحزاب قوية وفصائل مسلحة قريبة من إيران على عدم مجافاة طهران أو إثارة غضب الأحزاب والجماعات المسلحة التي لها مصالح كبيرة في الاقتصاد العراقي غير الرسمي.

وحدت الكثير من البنوك المحلية بالفعل من عمليات السحب النقدي بالدولار على مدى الأشهر القليلة الماضية مما أدى إلى تفاقم النقص الذي تسبب في استمرار ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية.

وقال أحمد إن بعض البنوك تعاني من نقص الدولار لأن الكثير من الناس يحاولون السحب في نفس الوقت، في ظل شعور بعدم الارتياح حيال النظام المالي، بينما تعاني بعض البنوك من نقص أيضا لأنها قدمت قروضا مقومة بالدولار تم سدادها بعد ذلك بالدينار.

وحد البنك المركزي العراقي أيضا من كمية الدولارات التي يوفرها في إطار اتفاق مع المركزي الأميركي للحد من السيولة النقدية والتحول إلى المدفوعات الإلكترونية.

ويتوقع المركزي أن يخسر الدينار المزيد من قيمته مع دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ، لكن ذلك، بحسب أحمد، “يعد أثرا جانبيا مقبولا لإضفاء الطابع الرسمي على النظام المالي”. وأشار إلى أن المركزي يوفر الدولارات بسعر الصرف الرسمي لكل الأغراض المشروعة.

ولدى المسؤولين قناعة بأن الكلفة التي يتحملها العراق اليوم لا تقارن بقيمة تحقيق هذا الهدف. وذكر أحمد أن عمليات التمويل التي تتم بشفافية وبصورة قانونية عبر البنك وبالسعر الرسمي هي الأهم وبالتالي لا يهم أي أمر آخر حتى وإن تراجع سعر صرف الدينار.

خطط المركزي لن تلقى ترحيبا واسعا حيث هدد أحد المودعين في بنك في بغداد بحرق الفرع إذا لم يتسلم وديعته نقدا بالدولار

وتابع “الكلفة التي نتحملها الآن هي لا شيء أمام تحقيق هذا الهدف بكل صراحة ما دام أسست القنوات الشرعية ما يهم حتى لو وصل سعر الصرف إلى 1700 لأن الغرض الشرعي هو السعر الرسمي”. وأضاف “ما دامت كل عمليات تمويل التجارة الشرعية والواضحة تتم عن طريقنا البقية لا تهم”.

لكن ظهرت مؤشرات على أن خطط المركزي لن تلقى ترحيبا واسعا. وانتشر مقطع فيديو الخميس على الشبكات الاجتماعية يظهر فيما يبدو أحد المودعين في بنك في بغداد وهو يهدد بحرق الفرع إذا لم يتسلم وديعته نقدا بالدولار.

وظهر الرجل في مشهد يذكّر بما أقدم عليه مودعون خلال أزمة البنوك اللبنانية، وهو يقول “أقسم سأحرقه. أقسم سأدخل للخزينة وأحصل على مالي”.

وأفاد عملاء لوكالة الأنباء الألمانية الخميس بأن جميع البنوك أوقفت عمليات صرف الدولار للزبائن وأصحاب الودائع والمدخرات تحت ذريعة أن المركزي أوقف تأمين الدولار.

وأوضح متعاملون أنهم منذ مطلع الشهر الحالي يواجهون ردا من البنوك بعدم توفر عملة الدولار، واقترحت عليهم تسليم مدخراتهم والحوالات الخارجية بالسعر الرسمي بدلا من تسليمهم مدخراتهم وحوالاتهم بالدولار.

وقال الحاج سلام، صاحب شركة صرافة في بغداد، إن “شركات الصرافة تتعرض لقيود قاهرة تعكس حالة التخبط التي تعيشها إدارة البنك المركزي وعدم وضوح سياستها النقدية”.

وأضاف “ليس من الصحيح أن يلجأ البنك إلى معاقبة شركات الصرافة وتقييد نشاطها وهي معتمدة رسميا ومجازة للعمل في سوق العملات”.

11