العراق في سباق للاستغناء عن الغاز الإيراني

تحقيق الاكتفاء الذاتي هدف رئيسي للحكومة رغم التحديات.
الاثنين 2024/05/13
مضيق استقلال الطاقة طويل

تراقب الأوساط الاقتصادية تحركات العراق، الذي صوب أنظاره بشكل كبير إلى قطاع الغاز في أحدث جولة تراخيص له أملا في تسريع تطويره بالاستثمار الأمثل للطاقات الإنتاجية المتاحة بعد سنوات من العثرات والتلكؤ في إدارة هذه الصناعة المهمة.

بغداد - وضع العراق قدما أخرى نحو إثبات أنه قادر على الاستغناء عن الغاز الإيراني، الذي ظل معتمدا عليه لأكثر من عقدين عبر منح المزيد من التراخيص الاستثمارية للشركات الأجنبية للتنقيب والاستخراج في العديد من الحقول.

ولوحظ خلال الأشهر الأخيرة تسريع البلد من وتيرة تركيزه على تعزيز قدرات إنتاج هذا المورد المهم في إنتاج الكهرباء، بعدما ظل بعيدا عن فلك الحكومات المتعاقبة بسبب الإهمال والفساد وعدم الاهتمام به رغم أنه مجال يدر مليارات الدولارات.

وفازت شركات صينية الأحد بخمسة استثمارات أخرى لاستكشاف حقول النفط والغاز في العراق خلال اليوم الثاني من جولة تراخيص السادسة لتطوير قطاع الوقود الأحفوري عصب اقتصاد البلاد.

ولا تزال الشركات الصينية هي الوحيدة من بين الشركات الأجنبية التي تحصل على استثمارات في الجولة الحالية، فقد حصدت تراخيص تغطي 10 حقول للنفط والغاز منذ السبت الماضي، بينما فازت مجموعة خالد عبدالرحيم العراقية الكردية باستثمارين.

وتشمل جولة التراخيص 29 مشروعا في المجمل، وتهدف في المقام الأول لزيادة الإنتاج للاستهلاك المحلي، وتأهلت أكثر من 20 شركة، ومنها مجموعات أوروبية وصينية وعربية وعراقية.

عاصم جهاد: أغلب الرقع الاستكشافية للتنافس تتعلق بموارد الغاز
عاصم جهاد: أغلب الرقع الاستكشافية للتنافس تتعلق بموارد الغاز

ويتمثل الهدف الرئيسي للعراق من الجولة في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي لاستخدامه في تشغيل محطات الطاقة، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد من إيران.

ولكن لم يتم تقديم أي عطاءات بشأن حقلي غاز على الأقل يتمتعان بإمكانات كبيرة، مما قد يقوض تلك الجهود. ومع ذلك، أكدت وزارة النفط أن العراق حقق الاكتفاء الذاتي من الغاز السائل وبدأ بتصدير الفائض.

ويستورد العراق من إيران 20 مليون قدم مكعب قياسي يوميا، فيما يتطلب توفير 70 مليون قدم مكعب قياسي يوميا من الغاز يوميا لتشغيل محطات توليد الكهرباء، إضافة إلى نحو 1300 ميغاواط من الكهرباء.

ويعد ملف الكهرباء حساسا في العراق، فسكانه البالغ عددهم نحو 44.5 مليون نسمة يعانون انقطاعا متكررا للتيار قد يصل إلى عشر ساعات يوميا ويزيد الأمر سوءا ارتفاع درجات الحرارة حتى الخمسين خلال الصيف.

وينتج البلد 20.5 ألف ميغاواط من الكهرباء أي أقل بكثير من 24 ألف ميغاواط، التي يحتاجها لتلبية الطلب، وهي احتياجات يتوقع أن تتعاظم في المستقبل في بلد تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد سكانه بحلول 2050.

وبما أن المحطات الكهربائية تعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني، لا يمكن لبغداد أن تدفع مستحقات استيراد الغاز الإيراني مباشرة بسبب الحظر الأميركي على طهران، بل ينبغي للأخيرة استخدام تلك الأموال لشراء سلع غذائية أو صحّية.

غير أن هذه الآلية معقدة وغالبا ما تنتج عنها تأخيرات وغالبا ما تقطع إيران الإمدادات التي تغطي ثلث احتياجات العراق، لحضّ بغداد على دفع مستحقاتها.

ومن الملحوظ عدم وجود شركات نفط أميركية كبرى في جولة التراخيص الجديدة، حتى بعد أن التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بممثلين عن شركات أميركية خلال زيارة رسمية للولايات المتحدة الشهر الماضي.

ويواجه العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، التي يزيد إنتاجها على عُشر الطلب العالمي صعوبات في تطوير قطاع الوقود الأحفوري بسبب شروط العقود التي تعتبرها شركات نفط كبرى عديدة غير مواتية.

كما أن الصراع العسكري المتكرر في المنطقة وتركيز المستثمرين المتزايد على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، أحد الأسباب في تأخر بغداد في تنفيذ طموحاتها وخاصة فيما يتعلق بإنتاج الغاز.

وتخارجت شركات نفط غربية عملاقة مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل من عدد من المشاريع في العراق بينما وسعت الشركات الصينية وجودها بشكل مطرد.

◙ 124.6 تريليون قدم مكعب احتياطي العراق، تمثل 1.9 في المئة من الاحتياطات العالمية المؤكدة

ولكن الناطق الرسمي باسم وزارة النفط عاصم جهاد قال في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية إن “العراق حقق الاكتفاء الذاتي من الغاز المسال”، لكنه لم يذكر بدقة الكمية التي تحتاجها السوق المحلية.

وبين أن هذه الخطوة مهمة في تعزيز الاقتصاد وأن “جولة التراخيص التكميلية الخامسة والسادسة تأتي انسجاما مع البرنامج الحكومي الذي يهدف إلى الاستثمار الأمثل للثروة النفطية والغازية”.

وأغلب الرقع الاستكشافية للتنافس تتعلق بموارد الغاز، وبالتالي هذا سيدعم قطاع الطاقة في العراق، بحسب جهاد، الذي أكد أن وزارة النفط حققت خطوات مهمة في مشاريع الاستثمار الأمثل للغاز.

ومن المشاريع المهمة تلك الموجود في محافظة ميسان بواقع 300 مليون قدم مكعب قياسي، وفي محافظة ذي قار/ الناصرية والغراف بواقع 200 مليون قدم مكعب قياسي يوميا.

كما أن العقود التي أبرمتها الوزارة بخصوص حقل نهران عمر سيوفر 300 مليون قدم مكعب قياسي على مرحلتين، أما العقد مع توتال أنيرجيز فسيوفر 600 مليون قدم مكعب قياسي يوميا.

ومن المرجح أن تحقق جولة التراخيص الخامسة أكثر من 800 مليون متر مكعب قياسي أو مليون قدم مكعب قياسي من الغاز، إضافة إلى ما تبذله شركة غاز البصرة، حيث وصل الإنتاج إلى 1200 مليون قدم مكعب قياسي يوميا.

وقال جهاد أيضا إنه “من المؤمل إضافة 200 مليون قدم مكعب قياسي هذا العام، بالتالي بالمجموع العراق يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي لدعم قطاع الطاقة والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي”.

وهنالك مشاريع واعدة وأهمها مشاريع تنفذها غاز البصرة، وهي مشتركة بين شركة غاز الجنوب وشركتي شل وميتسوبيشي وابتدأ العمل به منذ أكثر من عامين لاستثمار ما يزيد على 200 مليون قدم مكعب كمرحلة أولى و200 مليون أخرى كمرحلة ثانية.

وتصنف شركة بي.بي البريطانية العراق في المركز الرابع عربيا في احتياطات الغاز بواقع 124.6 تريليون قدم مكعب، وهي تمثل 1.9 في المئة من الاحتياطات العالمية المؤكدة من هذا المورد.

10