العراقي عبدالله جدعان: الطفل ليس قارئا عاديا

الأديب العراقي يدعو إلى ضرورة تطوير كاتب أدب الطفل لقدراته التنافسية أمام التطبيقات الرقمية بما تملكه من إبهار صوتي وموسيقي ورسوم متحركة.
السبت 2022/05/28
الطفل يحتاج إلى خيال مختلف (لوحة للفنانة سارة شمة)

القاهرة - يقول الأديب العراقي عبدالله جدعان إن أدب الطفل في العالم العربي يتحرك ببطء، و"يسير كالسلحفاة"، مشددا على ضرورة توفير الدعم اللازم للكتاب العرب العاملين بحقل أدب الأطفال والناشئة.

ويضيف جدعان في مقابلة معه أن "الكتابة للطفل ليست عملا سهلا، وذلك باعتبار أن الطفل ليس مجرّد متلقٍّ عادي يمكنه أن يستوعب كل ما يقدم إليه، ومن ثم فإنه يحتاج إلى دراسة نفسية جيدة لمختلف مراحل نموه".

ويشير إلى أن الطفل في سنواته الأولى لا يعرف غير مفردات بيئته وواقعه، وفي مرحلة التعليم الابتدائي يكون عاشقا للخيال والفانتازيا والرغبة في اكتشاف العالم، ولذلك فـ"الكاتب في مجال الأدب الموجه للأطفال مطالب بمهمتين تربوية وفنية في آنٍ واحد".

وحول رؤيته لحضور التراث في الآداب الموجهة للطفل العربي، يقول جدعان إن التراث حاضر في أدب الطفل ببلدان العالم العربي، وإن هناك الكثير من الكتاب في الوطن العربي والعالم قد استلهموا التراث في أعمالهم، مشيرا إلى أن دور نشر عربية حرصت على تحقيق ذلك في ما تصدره من كتب ودوريات، كما أن التراث حاضر في أعماله مثل قصته "يونس وحورية البحر" الصادرة عن دار المستقبل المصرية.

عبدالله جدعان: أدب الطفل المجدد يمكنه أن ينافس التطبيقات الرقمية

ويرى الكاتب أن التراث المتمثل في القصص والحكايات الشعبية عبر العصور والأزمان، هو موروث ثقافي وحضاري، وباستطاعة كل كاتب أن يتمرس على استلهام قصصه ورواياته الموجهة للناشئة من ذلك التراث الذي يعد أحد أهم مصادر الإلهام لدى المبدعين، لافتا إلى أن التراث إرث عظيم للإنسانية جمعاء، يسهم بشكل رئيسي في التكوين الثقافي لدى الطفل منذ الصغر.

وحول حاضر حركة النشر، وتحقيق طموح كُتّاب أدب الطفل بالدول العربية، يقول جدعان، إن حركة النشر للأدب الموجه للطفل العربي موجودة، لكن هناك جدلا دائما بين الكتاب والناشرين، مشيرا إلى أن ذلك الجدل يمكن أن ينتهي بوعي الطرفين، الكُتّاب والناشرين، واقتناعهما أن القصص والروايات وكذلك الدواوين الشعرية الموجهة للطفل “ليست للتجارة” وأنها تحمل بين طياتها قيما ومثلا ومبادئ هدفها خلق جيل عربي واعٍ.

وحول العقبات التي تحول دون تقدم مسيرة أدب الطفل في العالم العربي، يقول جدعان إن العقبات أمام تطور مسيرة ذلك الأدب متعددة، ومن أبرزها عدم وجود جدية من قبل الحكومات العربية في الاهتمام بالكاتب أو الطفل، وعدم وجود خطط لدعم طباعة وتوزيع الكتب الموجهة للناشئة والأطفال، وتراجع حركة تنظيم المعارض المخصصة لكتب الأطفال، والمدعومة من قبل المؤسسات الحكومية العربية، مؤكدا الحاجة الماسة إلى إقامة معارض كتب مدعومة يكون هدفها نشر الوعي المعرفي للطفل وليس الربح المادي.

وحول دور المهرجانات والمؤتمرات المعنية بأدب وثقافة الطفل في العالم العربي، وأهميتها في خدمة أدب الطفل، يؤكد جدعان أن كل ما يقام من مهرجانات وندوات وورش عمل تتناول ثقافة الطفل “جمعيها لها دور مهم وفاعل في خدمة ثقافة الطفل باعتباره رجل المستقبل".

ويلفت إلى أهمية المهرجانات المسرحية المعنية بالطفل، والتي تستحضر الماضي، وتربط التاريخ بالمستقبل، وذلك من خلال قصة أو حكاية على لسان الحكواتي (أشبه بالممثل) وسط جموع المتلقين الأطفال، خاصة وأن الغزو الإلكتروني وانتشار البرامج الرقمية جعلا الطفل يعزف عن القراءة الورقية، مشيرا إلى أنه بإمكان الكاتب أن يجعل الطفل ينجذب بشكل كبير نحو تلك الأعمال التي تتخذ طابعا تراثيا لتعريفه بالشخصيات التاريخية.

الأديب العراقي يلفت إلى أهمية المهرجانات المسرحية المعنية بالطفل والتي تستحضر الماضي وتربط التاريخ بالمستقبل

وحول رؤيته لدور الكُتّاب والحكومات في تحقيق نهضة حقيقية في مجال أدب الطفل بالعالم العربي، يرى الأديب العراقي أنه بما أن الكاتب لديه مهمة إنسانية وتعليمية، فعليه أن يساهم بالنشر في المجلات والدوريات الموجهة للأطفال حتى ولو كان ذلك بلا مقابل مادي، وذلك من أجل الحفاظ على مهمة الكاتب ودوره في تنشئة جيل عربي مثقف.

ويشير جدعان إلى أن التحولات الكبرى على مدار السنوات الأخيرة خلفت تأثيراتها الواضحة على الجميع، مؤكدا أنه لا يمكن اعتبار الطفل بمعزل عما جرى من حوله من حروب وثورات وربما فوضى في بلاده، حيث أن “نفسية الطفل البيضاء تحتفظ بكل شيء في داخلها”.

ويلفت إلى أن ذلك يستدعي تعاملا فكريًّا ونفسيًّا مختلفًا مع الطفل عن أقرانه في البلدان الأخرى، وهو ما يجعل الكاتب العامل في مجال أدب الطفل أمام سيل من التحديات، في مقدمتها فقدانه للدعم اللازم من أجل الاستمرار في الكتابة الحقيقية والجادة في مواجهة كتابات استهلاكية تبحث عنها وتروجها وتدعهما دور نشر تجارية.

ويشدد على ضرورة تطوير كاتب أدب الطفل لقدراته التنافسية أمام التطبيقات الرقمية بما تملكه من إبهار صوتي وموسيقي ورسوم متحركة، وما تبثه الترجمات التي راجت مؤخرًا، من قيم لا تتناسب مع ثقافة الطفل وقيمه العربية الأصيلة، مشيرا إلى أهمية أن “تعي المؤسسات الحكومية المعنية بالطفل وثقافته أهمية الآداب والفنون الموجهة للأطفال والناشئة، وأن تعمل على دعمها، ونشر وترويج الأعمال التي تحمل قيمة أدبية وفنية”.

يُذكر أن عبدالله جدعان هو فنان وكاتب عراقي في مجال أدب وفن الطفل، أخرج ومثّل وكتب العديد من المسرحيات للأطفال، وأصدر مجموعة من قصص الأطفال، والروايات الموجهة للفتيان، والتي صدرت من عدة دور نشر عربية، وبلغ مجموعها 27 كتاباً، وله تحت الطبع ثلاث قصص للأطفال وروايتان للفتيان.

13