العراقيون يتضامنون مع فلويد والأميركيين: نحن أيضاً نريد أن نتنفس

بغداد - يتابع العراقيون عن كثب الاحتجاجات الأميركية المناهضة للعنصرية بعد حادثة مقتل رجل أسود على يد شرطي أبيض، ويقدم العراقيون نصائح للأميركيين في احتجاجاتهم.
وتحت شعار “هذا وعد هذا وعد، تكساس ما تسكت بعد” يحاول العراقيون البعث برسائل طمأنة ودعم للأميركيين.
وتأتي هذه الحادثة بعد مرور 17 عاما على غزو القوات الأميركية للعراق، وثمانية أشهر على أكبر الاحتجاجات التي شهدتها بلاد الرافدين والتي يحاول أبناؤها أن يبعثوا اليوم برسائل تضامنية وتحذيرات وتوجيهات إلى المتظاهرين في الولايات المتحدة.
وسواء في ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد، أو على منصة تويتر، يراقب العراقيون الاحتجاجات غير المسبوقة التي أثارها مقتل جورج فلويد، الرجل الأسود غير المسلح الذي توفي أثناء توقيفه في 25 مايو الماضي عندما جثا شرطي أبيض البشرة بركبته على عنقه لنحو تسع دقائق.
ويقول ياسين علاء ابن العشرين عاماً في إحدى خيم المتظاهرين في ساحة التحرير المركزية وسط العاصمة “أعتقد أن ما يفعله الأميركيون شجاع، ويجب أن يكونوا غاضبين، لكن أعمال الشغب ليست الحل”. ولم يبق سوى بضع عشرات من العراقيين في الخيم في ساحة الاحتجاجات الرئيسية في بغداد، التي شهدت قبل أشهر فقط إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي على المتظاهرين، الذين ردّوا بالحجارة أو في بعض الأحيان بزجاجات مولوتوف.
وخلف عنف التظاهرات أكثر من 550 قتيلاً، لكن أحداً لم يتعرض للمحاسبة تقريباً، وهو بحسب عراقيين، مشابه لحالات الوفاة على أيدي رجال الشرطة في الولايات المتحدة.ولذا، يسعى العراقيون اليوم إلى مشاركة خبراتهم ودروسهم المستفادة، خصوصاً أن كثيرين منهم ما زالوا يؤمنون بـ”الحلم الأميركي”.
وامتد صخب الاحتجاجات الأميركية إلى العديد من أقطار العالم، فشمل دولا أوروبية وأخرى عربية، لكن العنف الذي تخلل بعض التظاهرات في الولايات المتحدة مثير للجدل وتحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب استغلاله لإخماد هذه التحركات بالقوة بعد التلويح باستدعاء الجيش لقيادة هذه المهمة.
وفي هذا الصدد يقول علاء متوجهاً إلى الأميركيين “لا تضرموا النار بأي شيء. ابقوا بعيدين عن ذلك، لأن الشرطة ستعاملكم بالقوة منذ البداية وقد تتصرف بشكل غير متوقع”، مضيفاً أن الأهم من ذلك، هو وحدة الصفّ.
ويتابع “إذا اتحد السود والبيض ونبذوا العنصرية، فلا يمكن للنظام أن يوقفهم أبدا”.
ووجد العراقيون في كل أنحاء البلاد أوجه تشابه بين جذور الاحتجاجات الأميركية ومجتمعهم.
التضامن امتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي مع قيام العراقيين بتعديل شعاراتهم الاحتجاجية لتتناسب مع الأميركيين
ويقول حيدر كريم (31 عاماً)، الذي تعيش أسرته في الولايات المتحدة وقد شارك في الاحتجاجات المطلبية في ساحة التحرير “إنها حرب عرقية في الولايات المتحدة، بينما هنا هي حرب سياسية وطائفية”. ويضيف “لكن الشيء المشترك بيننا هو الظلم”.
وللعراق تاريخه الخاص في العنصرية، وخصوصاً ضد أبناء أقلية من أصول أفريقية في جنوب البلاد تعود جذورها إلى عرق البانتو في شرق أفريقيا. ففي العام 2013، قُتل القيادي العراقي من أصول أفريقية جلال ذياب بالرصاص في مدينة البصرة الغنية بالنفط، لكن التمييز ضد هذه الأقلية غير عنيف في الغالب.
ويقول أحد أبناء هذه الأقلية علي عصام (34 عاماً)، الذي أخرج مسرحية شعبية حول احتجاجات العراق العام الماضي إن “عنصريتنا مختلفة عن عنصرية الولايات المتحدة”. ويضيف “هنا يطلقون النكات والمزاح عن السود، ولكن في الولايات المتحدة إذا كنت أسود فالبعض يعتبرك تهديداً”.
وامتد التضامن إلى وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً، مع قيام العراقيين بتعديل هتافاتهم وشعاراتهم الاحتجاجية لتتناسب مع الولايات المتحدة.
ففي أحد مقاطع الفيديو، يظهر عراقي مسن وهو ينشد “هوسة” أي هتاف إيقاعي موزون يشتهر به العراقيون في الأفراح والأتراح وكان أساسياً في الاحتجاجات، ليحاكي الهبّة الأميركية قائلاً “هذا وعد هذا وعد، تكساس ما تسكت بعد” وممازحاً “كنتاكي ما ناكل بعد”.
وينصح هذا المسنّ الأميركيين بالحفاظ على عفوية واستقلالية احتجاجاتهم ومنع أي تدخل أجنبي “من السفارات العربية فيها”، على غرار تحذيرات الحكومة الأميركية للعراقيين العام الماضي. واستخدم ناشطون آخرون هاشتاغ “أميركا تنتفض”، في نسخة عن الشعار الشعبي المستخدم في احتجاجات العراق ولبنان. وترجم البعض الكلمات الأخيرة لفلويد وحوّلوها إلى هاشتاغ “نحن أيضاً نريد أن نتنفس”. ورغم ذلك، لم تكن كل المقاربات باعثة على الارتياح.
فقد قال حاكم مينيسوتا، حيث تقع مينيابوليس، إن عنف الشوارع “يذكرنا بمقديشو أو بغداد”.
والقوات التي نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفترة وجيزة لتهدئة الاضطرابات في واشنطن العاصمة، كانت من الوحدة 82 التي عادت لتوّها من عملها في العراق. وقال مرشح الحزب الديمقراطي ونائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إن “ترامب يستخدم الجيش الأميركي ضد الشعب الأميركي”.
ولكن العراقيين ردوا على ذلك بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلين “توقفوا عن ربط بغداد بالاضطرابات”.
وقد اتجه آخرون إلى السخرية.
وتعليقاً على مقاطع فيديو لحشود اقتحمت متاجر في مدن أميركية، سارع العراقيون إلى اقتباس قول غير محبّب من وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد في العام 2003، رداً على سؤال صحافي حول عمليات نهب واسعة النطاق والفوضى في بغداد بعد الغزو الأميركي.
وحينها كان جواب رامسفيلد إن “الفوضى والنهب هما نتيجة طبيعية للانتقال من الدكتاتورية إلى دولة حرة”.