العراقيون: لقمة العيش قبل الكمامة دائما

مع تفشي وباء كورونا اتسعت دائرة الفقر في العراق، وأصبح العراقيون حائرين بين الالتزام بالوقاية من الإصابة بالفايروس القاتل وتوفير لقمة العيش، فالجوع قاتل أيضا لذلك ودون خيار منهم فضلوا الخبز على الكمامة.
بغداد – حرص العراقيون في غالبيتهم على وضع الكمامة واستخدام وسائل الوقاية من كورونا خلال الأشهر الأولى لتفشي الوباء رغم ندرتها وارتفاع أسعارها، لكن التزامهم تراجع بصفة ملحوظة في الأشهر الأخيرة على وقع أزمة اقتصادية خانقة غيّرت أولويات الكثير منهم.
وعند التجول في شوارع بغداد، يلاحظ عدد قليل من الأشخاص الذين يضعون كمامات رغم توافرها بكميات كبيرة في الصيدليات وحتى لدى الباعة المتجولين.
وفي صيدلية بمنطقة زيونة ببغداد، يقول أحد الزبائن، وهو عسكري متقاعد رفض ذكر اسمه، “عندما أتجول مع زوجتي واضعين كمامات في الطريق ينظر لنا الكثيرون وكأننا نقوم بأمر خاطئ”.
ومن جهته يقول أحد المشرفين على الصيدلية نافع فراس (23 عاما) “نبيع الكمامات بسعر التكلفة تقريبا” بسعر يراوح في المعدل بين 1.5 يورو و2 يورو للعلبة.
ويضيف “نحرص على توفير نماذج للأطفال وأخرى بألوان زاهية لترغيب الناس في وضعها”. ومع ذلك تراجع الإقبال على شراء الكمامات وسوائل التعقيم خلال الفترة الأخيرة ما جعلها تتكدس في زاوية واسعة من المحل بانتظار من يشتريها.
ويفسر فراس الأمر بوجود “إحساس عام بتراجع حدة الوباء أدى إلى إهمال”، رغم أن الفايروس لا يزال يودي بحياة العشرات من العراقيين يوميا (تراوحت الوفيات اليومية بين 69 و24 خلال نوفمبر).
ولا يلتزم أغلب زبائن هذه الصيدلية بوسائل الوقاية رغم وجود لافتات تشدد على وضع الكمامة وسائل تعقيم لليدين عند الباب.
ويعتبر الصيدلي أن اتخاذ قرار يلزم وضع الكمامة في كل الأماكن العامة قد يكبح تفشي الفايروس، لكن “لا يمكن للدولة أن تفرضه لاسيما في المناطق الشعبية”.
وبدوره يرى صاحب محل المواد الغذائية في سامر محسن حيدر (44 عاما) أن استعمال وسائل الوقاية “يتطلب إمكانيات لا يقدر عليها الفقراء”، خصوصا من يعيلون عائلات كبيرة.
ويؤكد حيدر أن المسألة تعود إلى “تغيّر في الأولويات” لدى شريحة واسعة من الناس صار اهتمامهما منصبا أكثر على توفير لقمة العيش.
ويسجل بشكل واضح التزام أكبر بوضع الكمامة في مناطق الطبقتين الوسطى والثرية مقارنة بالأحياء الشعبية في بغداد.
وأفاد مسؤول كبير في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بأن شحنة من 200 ألف كمامة وقفاز لا تزال عالقة في الجمارك العراقية ويواجهون عراقيل إدارية للحصول عليها.
وأوضح المسؤول أن الشحنة موجهة إلى المقيمين في مناطق يصعب الحصول فيها على هذه المواد والأطقم التي تعمل فيها على التوعية حول الفايروس وتوزيع المساعدات.
وبسبب تداعيات الأزمة الصحية بات 4.5 ملايين عراقي تحت خط الفقر (11.7 في المئة من السكان)، وفق دراسة حديثة مشتركة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العراق والبنك الدولي ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية ووزارة التخطيط العراقية.
42 في المئة من السكان ضمن الفئات الهشة التي تعاني حرمانا متعدد الأبعاد
وارتفعت نسبة الفقراء في العراق من 20 في المئة العام 2018 إلى 31.7 في المئة حاليا، كما صار 42 في المئة من السكان ضمن الفئات الهشّة التي تعاني حرمانا متعدد الأبعاد مثل التعليم والتوظيف والصحة والأمن المالي.
ولا تشكل الجائحة السبب الوحيد في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراقيون، إذ أدى انهيار أسعار النفط المورد شبه الوحيد للدولة إلى تأخر صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين وخفض الإنفاق العام.
وكان العراق قد فرض في مايو غرامة قدرها 50 ألف دينار (حوالي 35 يورو) على سائقي وسائل النقل العام والخاص وركابها في حال لم يلتزموا بوضع الكمامة، لكن الإجراء لم يطبق بصرامة.
ويستبعد المسؤولون اتخاذ تدابير جديدة، وتكتفي الدولة ببذل جهود توعية وحثّ المواطنين والمؤسسات التجارية على احترام التوصيات الصحيّة.
ولم ينجح غلق المطارات والحدود البرية مع إيران والكويت وتقييد الحركة بين المحافظات وفرض حظر تجول صارم بين مارس ويوليو في عكس منحنى الإصابات خلال تلك الفترة.
وبلغ تفشي الوباء ذروته في العراق في نهاية سبتمبر بتسجيل أكثر من 5 آلاف إصابة خلال يوم واحد. ثم تراجع عدد الإصابات اليومية تدريجا ليستقر إلى أقل من نصف ذلك العدد على امتداد شهر نوفمبر.
وأحصى العراق حتى 6 ديسمبر 564.200 إصابة بكورونا بينها 12432 وفاة في أعلى حصيلة بالمنطقة العربية.
وشهدت البلاد نقصا في توفر الكمامات خلال الأشهر الأولى لتفشي كورونا، أرجعه فراس إلى تأخر وصول الشحنات من الصين وغياب مصادر تزود أخرى. ووفقا له ثمة سبب آخر مهمّ، وهو إقبال المتظاهرين ضد الحكومة بداية العام على الكمامات.
ويقول إنه على غرار آخرين “كنت أحمل المئات من الكمامات وأوزعها في ساحة التحرير ببغداد للوقاية من الفايروس وكذلك تخفيف أثر قنابل الغاز المسيل للدموع التي استعملتها قوات الأمن بكثافة”.
ومن جهته أشار زميله الصيدلي محمد ماجد (23 عاما) إلى أن الكثير من التجار استغلوا حينها ارتفاع الطلب على حساب العرض وزادوا أسعار وسائل الوقاية لتصل أضعاف أثمانها الحالية.
لكن توفرت كميات كافية من الكمامات والمطهرات مع بدء دول أخرى في تصنيعها وتصديرها، خصوصا تركيا المجاورة، علاوة على إنتاج كميات منها محليا.
وسجلت الصيدلية ارتفاعا نسبيا في مبيعات وسائل الوقاية إثر استئناف التعليم مع “حرص أولياء الأمور على سلامة أبنائهم”.
وأحيطت عودة نحو 10 ملايين تلميذ إلى المدارس في نهاية نوفمبر بتأخر ثلاثة أشهر بتدابير وقائية صارمة. ويبدو تطبيق الإجراءات الوقائية في المؤسسات التعليمية استثناء إيجابيا.
فقد وضع كل التلاميذ والطاقم التعليمي كمامات في أول أيام الدراسة مع الالتزام بتطبيق التباعد الاجتماعي. ويتم التدريس حضوريا ليوم واحد في الأسبوع وعبر الإنترنت في بقية الأيام.
ومع ذلك، توجد تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على مستوى وقاية عالٍ مع تقدم العام الدراسي وزيادة حضور التلاميذ في المؤسسات التربوية.
وفي الأثناء، قالت السلطات العراقية إنها تعمل على ضمان حصة من اللقاحات المضادة لكورونا وتوزيعها مجانا على المواطنين، لكنها لن تقدم على شراء أي منها حتى تعتمده إحدى المنظمات الصحية الدولية.