العدد الثاني من بانيبال الإسبانية: نحو واقع جديد لترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإسبانيّة

نقطة تحول في مسيرة مجلة بانيبال من شأنها أن تساهم في تغيير السلوك والموقف تجاه ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإسبانية.
الجمعة 2020/09/04
مجال لانتشار الأدب العرب الحديث (لوحة: محمد الوهيبي)

لندن - في صيف عام 2019، وبعد لقاءات واجتماعاتٍ ومراسلات عديدة مع كتّاب وشعراء وأكاديميين ومستعربين ومترجمين من العربيّة والإسبانيّة، ظهر العدد التجريبي من النسخة الإسبانيّة لمجلّة بانيبال الذي وزِّع على عدد محدّد من المعنيين. وقد سمحت الفترة الممتدة بين هذا العدد التجريبيّ والعدد الرسمي الأول للمجلة (ربيع 2020)، الذي حقق نجاحاً هاماً لدرجة أنّ صحيفة الباييس الإسبانية نشرت مادة طويلة عن المجلة مؤكدة ضرورة وأهمية مثل هذه الخطوة، سمحت لمؤسسي هذا المشروع، الكاتبة والناشرة البريطانية مارغريت أوبانك والكاتب العراقي صموئيل شمعون، فرصة اللقاء والتشاور في غرناطة وبرشلونة ومدريد مع العديد من الباحثين حول واقع ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإسبانية. لقد كانت الحقيقة صادمة ومثيرة للدهشة، لا سيما إذا ما أخذنا بالحسبان التاريخ الطويل والإرث المشترك الرائع بين العرب وإسبانيا: نعم، هناك نقصٌ واضح في ترجمات الأدب العربي الحديث إلى الإسبانية. هذه الحقيقة جعلت من إدارة مجلة بانيبال أكثر إيماناً بمشروع المجلة، وتالياً الحاجة إلى خلق مساحة للحوار بين الثقافات وإبقائه مفتوحاً على نطاق واسع، بحيث يمكن للقرّاء من خلال الترجمة إلى الإسبانية التعرّف على الأدب العربي الحديث.

بهذه الافتتاحيّة يصدر العدد الثاني من مجلة بانيبال في نسختها الإسبانية صيف 2020، وغلافها هذه المرّة لوحة الفنانة اللبنانية زينة عاصي "لا أريد أن أقص شعري" التي تحاول من خلالها عكس واقع المرأة العربية التي تبدو جميلة وأنيقة ومتحررة عن بعد، ولكن ما إن ننظر إليها عن كثب حتى نكتشف أنّها محاصرة بخطر وشيك نتيجة غياب القوانين التي تحميها وتعطيها حقوقها في المجتمع.

يتصدر محتوى هذا العدد قصة أطفال رائعة للكاتبة الإماراتية حصة المهيري بعنوان "الدينوراف"، (ترجمة كوبادونغا باراتيش) حيث تدور أحداثها في مملكة الحيوان وترمز لحالة فريدة ومعاصرة من التعايش والتسامح المتبادل في مجتمع عالمي. والجدير بالذكر أن قصة “الدينوراف" قد فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع أدب الأطفال في العام 2018. وفي باب "تأثيرات أدبية"، تخبرنا الكاتبة السعودية رجاء عالم، بترجمة روسا خيمينث، عن بداياتها الأدبية وعلاقتها المبكرة والوثيقة ببعض الكتب التي سرقتها من حقيبة شقيقها في مسقط رأسها مكة، وكيف كانت هذه "السرقة" وسيلة لإعادة كتابة الواقع المحيط بها في مدينة مثل مكة يمتزج فيها خيال الكاتب بخيالٍ إلهيّ فتطغى موسيقا مقدّسة على الأعمال الأدبية، تختمها المؤلفة بصدى الصحراء الشاسعة التي تحيط بمكة.

فرصة للقرّاء الإسبان للتعرّف على الأدب العربي الحديث
فرصة للقرّاء الإسبان للتعرّف على الأدب العربي الحديث

الشعر هو الحاضر الدّائم في المجلة، وقد جاء هذا العدد ليقدّم مختارات لثلاثة شعراء هم الشاعر الفلسطيني سامر أبو هواش ومختارات من ديوانه "ليس هكذا تصنع البيتزا" (ترجمة جعفر العلوني)، والشاعرة الكويتية سعدية مفرح وديوانها "تواضعت أحلامي كثيراً" (ترجمة بيلار غاريدو). أما الشاعر الثالث الذي خُصصت له صفحات عديدة فهو اللبناني بسام حجار الذي قامت بترجمته الدكتورة ماريا لويسا برييتو، مقدمةً الحجار كمثال للشاعر والمثقف، حيث القصيدة بالنسبة له هي دوامة من المفاهيم التاريخيّة والفلسفيّة والمعرفيّة والسياسيّة والفنيّة. مع مقال للناقد والشاعر اللبناني عبده وازن عن بسام حجار.

القصّة هي الجنس الأدبي الآخر الحاضر في هذا العدد حيث تفتتحه الكاتبة المغربية لطيفة لبصير بقصتها التي تحمل عنوان "أريد أن أحبَّ هذا المساء" (ترجمة أنطونيو مارتينز) وتروي فيها كيف يوقظ زوجان عجوزان مشاعر الحب في جارتهما الشابة، التي  تكتشف ماضي العائلة من خلال الرسائل والصور، وتقع في حب الابن. أما الكاتبة الإماراتية مريم الساعدي فهي حاضرة في قصيتن، الأولى بعنوان "لطيفة راشد، أو الحنان المسكوب على النملات في الشارع"، والقصة الثانية بعنوان "بقعة زيت" (ترجمة ماريا لوث كوميندادور).

أما قصة "الياسمين الشائك" التي ترجمها إغناثيو غوتيّريث  للكاتبة المصرية عزة رشاد، فهي تروي سيرة حياة شقيقتين جميلتين تكبران سويةً. الكويتي محمد الشارخ يحضر في المجلة عبر ثلاث قصص، "أسرار، ابني، وخلال الإجازة"، ويسلط الضوء عبرها على السلوك الإنساني في المواقف الصّعبة، الأمر الذي يضفي على قصصه خاصية غريبة تثير تفسيرات متعددة.

وأخيراً نسافر مع قصة "حارس مقبرة الكومنولث" للكاتب سفيان رجب (ترجمة كريمة حجاج)، إلى مسقط رأسه في النفيضة، شمال غرب تونس، حيث يخبرنا كيف زار المقبرة لأول مرة وصار صديقاً لقبر جندي نيوزيلندي.

أما فيما يخصّ الرواية، فقد تضمن العدد فصلاً من رواية الكاتب المصري أحمد عبد اللطيف "إلياس" ترجمته إلى الإسبانية كوبادونعا باراتش، وفصلاً من رواية "سقوط حر" للكاتبة والسينمائية السورية عبير إسبر، ترجمه ألفارو أبيّا فيّار. النص الروائي الثالث هو فصل "ملكيان في كاتورز جوييه" من رواية السيرة الذاتية "عراقي في باريس" للراوئي صموئيل شمعون (ترجمة إغناثيو غوتيّريث).

يقصُّ علينا العراقي شمعون كيف تعرّف في ليلة الاحتفالات بالثورة الفرنسية، التي تقام سنوياً في فرنسا في الرابع عشر من تموز، على سيدة فرنسية عبّرت له عن حزنها لأنّها فقدت كلبها في غمرة الاحتفالات بعيد الثورة، فيرد اللاجئ العراقي بأنه يشاركها الحزن لأنه، هو كذلك، في الرابع عشر من تموز، فقد وطنه. هكذا تنشأ علاقة حميمة بينهما سرعان ما تنتهي بطريقة سوريالية!

وكان العدد الثاني قد افتتح باب "الشاعر الضيف"، حيث استضافت المجلة فيه الشاعرة والأكاديمية كلارا خانيس التي زودت المجلة بمختارات من قصائد تنشرها للمرة الأولى. وأخيراً، يختتم صموئيل شمعون العدد الثاني فاتحاً أبواب الذاكرة على القارئ من خلال مجموعة من الصور يحاول عبرها أن يلاقي بين الذاكرة، الصورة والكلمة.

مما لا شك فيه أنّ هذا العدد من مجلة بانيبال في نسختها الإسبانية سيكون نقطة تحول في مسيرة المجلة، وسيساهم بشكل فعال في تغيير السلوك والموقف تجاه ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإسبانية نظراً لتنوع الموضوعات، تعريف القارئ الإسباني بكتّاب عرب يُترحمون للمرة الأولى إلى الإسبانية، ناهيك عن المستوى العالي من الترجمة على أيدي مترجمين لهم باع طويل وخبرة عالية.

وعلى الرغم من بعض المشاكل اللوجستية الناجمة عن وباء كورونا ، تؤكد إدارة المجلة وهيئة تحريرها أنّ المجلة ماضية قدماً وأن كل عدد سيقدم المزيد من المفاجآت للقارئ الإسباني، عسى أن تشجع هذه الخطوة الهامة دور النشر الإسبانية إلى ترجمة الأدب العربي، الذي لا يترجم منه إلا ما ندر.