العدالة في امتحان في قطر

الدوحة - أوحت المحاكمة التي طالت مسؤولين قطريين بارزين، في علاقة بقضايا فساد، بأن النظام القضائي في قطر بدأ يتحرر من الضغوط والتدخلات. لكنه سيكون أمام امتحان حقيقي، خلال تعامله مع قضية شركة رايثيون التابعة لمجموعة "آر تي أكس" الأميركية التي تتعلق بتوريد أسلحة وخدمات بعقود وهمية مع مزود في قطر مقابل دفع رشاوى.
وحكم القضاء القطري في يناير الماضي على رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية القطرية ووزير المالية السابق علي شريف العمادي بالسجن لمدة 20 عاما بتهمة غسيل الأموال وغرامة قدرها 61 مليار ريال قطري (حوالي 16.7 مليار دولار). وفي القضية نفسها أدين عضو آخر رفيع المستوى من الأسرة الحاكمة في قطر، وهو الشيخ نواف بن جاسم بن جبر آل ثاني، بتهمة إساءة استخدام الأموال العامة. وحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات إلى جانب غرامة قدرها 225 مليون دولار. كما تلقى 14 شخصا آخرون أحكاما في قضية هزت المؤسسة المالية القطرية.
وجاءت المحاكمة ضمن حملة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لمكافحة الفساد، والتي لاقت دعاية واسعة. لكن هذه الحملة تلقت ضربة الأسبوع الماضي عندما أبرمت شركة "آر تي أكس" للطيران والدفاع اتفاقية مع السلطات الأميركية لتأجيل تتبع قضائي بتهمة دفع رشاوى من أجل الحصول على عقود مع القوات الجوية الأميرية القطرية والقوات المسلحة القطرية.
وكانت محاكمة العمادي غير عادية؛ فقد كان حل النزاعات داخل النظام القطري يحدث خلف الأبواب المغلقة. ويلاحظ تقرير لموقع "عرب دايجست" أن القضايا التي تشمل كبار القطريين في المحكمة عادة ما تخضع لسيطرة الأسرة الحاكمة. وإذا عوقب أحد كبار أعضاء الحكومة أو العائلة المالكة علنا في محكمة قطرية، فمعنى ذلك أن المتهم خسر حظوته السياسية.
ويشير إلى أن القضاة في قطر يتلقون تعليمات مباشرة من كبار أفراد العائلة المالكة على هواتفهم المحمولة أو عبر رسائل بشأن نص الحكم. وليس جل القضاة قطريين، بل فيهم المصريون والسودانيون والفلسطينيون والأردنيون وحاملون لجنسيات أخرى. ولاحظ مراقبون أن أي قاض غير قطري يتحدى تعليمات كبار المسؤولين عندما يصدر حكمه في قضية منشورة لدى المحكمة سيُطلب منه أن يغادر البلاد.
وينفر المواطنون القطريون العاديون من فكرة أن يحكم عليهم أجانب في بلدهم. وتُعتبر رشوة الشرطة مسألة عادية بالنسبة إلى القطريين عندما يزمعون على تجديد رخص القيادة، لتجنب دفع الغرامات المرورية المتراكمة. ويتمكنون بذلك من إسقاط جميع الغرامات. لكن حل النزاعات والمعارك القانونية بين القطريين يكون أصعب.
ويحاول الأجانب والشركات الأجنبية عامة تجنب المحاكم القطرية؛ فمن غير المحتمل أن يصدر حكم ضد مؤسسة قطرية أو حكومية. وغالبا ما يلاحظ الأجانب الذين يحاولون اتباع الطريق القانوني أن حياتهم في قطر قد تتغير بسرعة غير متوقعة. ويجدون فجأة حساباتهم المصرفية مجمدة، ويقرر كفيلهم التخلي عنهم، ولا تقبل أي مدارس أطفالهم. ويرجع كل هذا إلى أن القطري الذي يتحدونه من خلال المحاكم يوظف نفوذه في تنغيص حياتهم وإجبارهم على إسقاط القضية.
وليس من غير المعتاد سماع قصص من المغتربين في الدوحة عن رجال أعمال تخاصموا مع كفلائهم القطريين أو شركائهم التجاريين فوجدوا أنفسهم يواجهون تهما ملفقة تشمل اختلاس الملايين، أو أصبحوا محتجزين لأسابيع أو أشهر. ويمكن أن تلجأ السلطات إلى ترحيل أي شخص إذا اعتقدت أنه يخطط لرفع دعوى لدى المحكمة، قبل أن يبدأ مسار القضية.
◙ الأجانب والشركات الأجنبية عامة يحاولون تجنب المحاكم القطرية؛ فمن غير المحتمل أن يصدر حكم ضد مؤسسة قطرية أو حكومية
وفي أغلب الحالات يتم تعيين محام لا يتحدث الإنجليزية للمتهمين الذين يجدون أنفسهم في المحكمة. وتجرى المحاكمة باللغة العربية مع ترجمة محدودة أو معدومة. وتتوقف المحاكمات وتبدأ بشكل غير متوقع، ودون تفسير. ولا يحضر المشاركون وممثلوهم القانونيون في الكثير من الأحيان، وهو ما يؤخر الإجراءات لسنوات أحيانا. كما تعدّ القرارات التعسفية والتناقضات والأحداث غير المبررة شائعة في عملية غالبا ما تكون مبهمة تماما. ويصل القاضي في الغالب إلى نتيجة تناسب مصالح الأسرة الحاكمة وتقدم قطر في صورة جيدة. وغالبا ما يتقرر تجاهل أي نتيجة أخرى أو إلغاؤها أو يتم عكسها لاحقا. وعادة ما تسير المحاكمات الجنائية “العادية” التي لا تشمل قطريين أو تثير قضايا حساسة سيرا عاديا نسبيا.
ويكون الحكم وفقا للعرق والأقدمية. فعلى سبيل المثال إذا صدم عامل غربي من ذوي الياقات البيضاء بسيارته عاملا آسيويا فقيرا، فلن تنصف المحكمة العامل حتى لو لم يكن هو المتسبب في الحادث لأن العمال المهاجرين الآسيويين يعتبرون في أسفل التسلسل الهرمي الاجتماعي والعرقي. أمّا إذا اصطدم قطري بغربي فسيكون الحكم لصالح المواطن القطري. وغالبا ما تكون حقيقة ما حدث بالفعل غير مهمة.
ويمكن أن يختار القضاة أحيانا إعلان عدم قبول الأدلة المقدمة من الأجانب لأسباب غير متوقعة. فعلى سبيل المثال أفاد أحد المراقبين بأن محكمة قطرية رفضت في إحدى القضايا لقطات فيديو للوحة القيادة لحادث مروري قدمها أجنبي في محاكمة ضد قطري على أساس أن الأجنبي لم يكن لديه إذن قطري لتصوير ما حدث.
وعادة ما يرفض الدبلوماسيون الأجانب المشاركة في قضايا المحاكم في قطر خوفا من إغضاب القطريين. لكنهم يشعرون في بعض الأحيان بوجوب التدخل إذا حكم على مواطن أجنبي بالإعدام مثلا. وفي بعض الأحيان دخل سفراء المملكة المتحدة في الدوحة في حوار مباشر مع القضاة في الماضي. وأفاد مصدر بأن سفير بريطانيا تدخل لدى قاض في إحدى هذه الحالات لدعم أحد المتهمين.