العجز عن وقف الحرب يفتح خيار التدخل لحماية المدنيين في السودان

قوى مدنية تحمل الإسلاميين مسؤولية تغذية الحرب الأهلية.
الثلاثاء 2024/10/29
الكلمة للسلاح في السودان

تستنجد المجموعات الحقوقية والقوى المدنية في السودان بالمجتمع الدولي لحماية المدنيين في السودان بعد أن باتت سبل حل الأزمة شبه مستحيلة، وعدم القدرة على الوصول إلى تفاهمات من شأنها وقف القتال، بسبب تأجيج الإسلاميين للحرب.

الخرطوم - تصاعدت دعوات التدخل لحماية المدنيين في السودان إثر اشتباكات قبلية متفاقمة اندلعت أخيرا في ولاية الجزيرة، راح ضحيتها المئات من المدنيين، تزامنا مع اتهام قوى مدنية للحركة الإسلامية بتكريس معالم الحرب الأهلية، بعد فشل جهود جمع المتحاربين إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى السلام.

وعقد مجلس الأمن جلسة إحاطة مفتوحة ومشاورات مغلقة، الاثنين، للتباحث حول ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية، ما يشير إلى أجواء لنشر قوات للفصل بين الطرفين المتصارعين.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوات المدنيين السودانيين وجماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية المنادية بالتدخل لحماية المدنيين بأنها تعبير عن الخطورة الكبيرة التي وصلت إليها الأوضاع في السودان.

وقالت تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) إنها ستخاطب مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن الدولي بشأن اتخاذ التدابير لتوفير الحماية للمدنيين في كافة أنحاء السودان، وستدعو إلى اجتماع موسع يضم القيادات المجتمعية والأهلية وصناع الرأي للتشاور حول سبل محاربة خطاب الكراهية ونزع فتيل الفتن الجهوية والقبلية.

وأشارت إلى أنها ستعمل على توسيع قاعدة الصوت المدني المناهض للحرب، وجذب الانتباه العالمي إلى الكارثة الإنسانية التي تعصف بالسودان، ما يستدعي موقفا دوليا أكثر صرامة تجاه أطراف النزاع التي تطيل أمد الأزمة وتعيق جهود الحل السلمي.

نورالدين صلاح الدين: لا توجد دول بعينها أعلنت رغبتها في التدخل لحماية المدنيين
نورالدين صلاح الدين: لا توجد دول بعينها أعلنت رغبتها في التدخل لحماية المدنيين

وتعرضت قيادات تنتمي إلى الحركة الإسلامية في السودان لوابل من الاتهامات بأنها تقف وراء استمرر الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع، وتغذية الحرب الأهلية بكل الروافد التي تزيد اشتعالها في مناطق مختلفة طمعا في السلطة.

ويشكل استنجاد المجموعات الحقوقية والتحالف المدني الأكبر (تقدم) في السودان بالمجتمع الدولي دليلا على أن سبل حل الأزمة غائب حتى الآن، وأن القدرة على الوصول إلى تفاهمات من شأنها وقف القتال عبر الحلول السلمية فات أوانها بعد أن شهدت المعارك تطورا على مستوى استهداف المدنيين بشكل واسع، وتصاعد دعوات حمل السلاح من القبائل المتعددة، وبرزت على نحو أكبر أخيرا في ولاية الجزيرة بوسط السودان التي تشهد أعمال عنف متصاعدة.

وتتعامل القوى المدنية والحقوقية في السودان مع الإجراءات الدولية التي من شأنها تخفيف حدة الصراع كمنقذ وحيد لحياة المدنيين، وتدرك أن البقاء في مربع الحرب الأهلية يعنى المزيد من التراجع لحضورها السياسي.

كما أن التوافق الذي تحظى به حتمية التدخل، بينها تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر في أغسطس الماضي، والمنظمات الحقوقية الدولية التي تضغط في الاتجاه ذاته، يجعل هناك قناعة لدى دوائر سودانية عديدة بأن السير في طريق التدخل ورقة قوية لوقف التدهور الحاصل على المستوى الإنساني.

ووعد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان المواطنين في منطقة البطانة (وسط السودان) قبل أيام بتزويد أي شخص قادر على السلاح به، وأنه قام سابقا بتسليح من طلبوا ذلك، والآن سيتم تسليح قبيلة الشكرية كما طلبت.

ويقلل متابعون من إمكانية التوجه نحو نشر قوات تابعة للأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، وأن الوصول إلى توافق خارجي بشأن تشكيل قوات يتطلب التوصل إلى تفاهمات أولية بشأن وقف الحرب بين طرفي النزاع، إلى جانب أن الجيش السوداني يرفض ذلك باعتباره تدخلا دوليا في شؤون البلاد.

وقال القيادي بالتيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين إن بروز قضية السودان مجددا على منضدة مجلس الأمن أمر إيجابي مع ظهور معالم تضاعف من تكريس الحرب الأهلية الشاملة، والمشكلة تكمن في أن أزمة السودان لا تحظى بنفس اهتمام الفاعلين الدوليين مقارنة بأزمات إقليمية أخرى، فضلا عن الانقسامات الحادة داخل السلطة الحالية بشأن خطوة نشر القوات الدولية، وهو ما يُصعب فرص نجاحها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن السودان جزء من صراعات إقليمية ودولية متصاعدة، واحتمالات استخدام حق الفيتو داخل مجلس الأمن على قرار نشر القوات كبيرة، ولا توجد دول بعينها أعلنت رغبتها في التدخل لحماية المدنيين، في وقت تنتظر فيه الولايات المتحدة الانتخابات الرئاسية بعد أيام.

وأكد أن الاتحاد الأفريقي يسير في طريق إعادة عضوية السودان، ولن يكون من السهل أن يتجه للقبول بنشر قوات عبر آلياته المختلفة بما فيها مجلس السلم والأمن، وهدفه تحسين العلاقة مع الجنرال البرهان بحثا عن حل سلمي.

وقدم أنطونيو غوتيريش مؤخرا تقريرا لمجلس الأمن بشأن الأوضاع الإنسانية في السودان، وطلب الأخير منه تقديم توصيات لحماية المدنيين، وسلط التقرير الضوء على التكثيف المقلق للعنف الطائفي والعنف القائم على الهوية، ورصد زيادة كبيرة في انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين المتحاربين.

وأوجز التقرير الأضرار والدمار واسع النطاق الذي لحق بالبنية التحتية المدنية، والهجمات العشوائية في الأحياء السكنية والمواقع التي تأوي النازحين داخليا، واستخدام الأسلحة والمتفجرات ذات الآثار واسعة النطاق.

وذكر نورالدين صلاح الدين في حديثه لـ”العرب” أن الجيش على قناعة بأن الموقف العسكري في صالحه الآن، خاصة إذا تمكن من استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، ومدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ويعتبر أن أي حديث عن فصل القوات يخدم قوات الدعم السريع، لأن البنايات البسيطة في القرى والولايات الصغيرة تسهل عملية تقدمه مع اعتماده على خطة عسكرية هجومية، ومشكلته الأكبر في الخرطوم التي يواجه فيها صعوبات بسبب بناياتها الشاهقة.

وأشار إلى أن مساعي الإسلاميين نحو الاستمرار في القتال تتجاهل أن قدرات الدعم السريع تقوم على التحشيد القبلي، وأن الوصول إلى حلول سلمية قبل التوغل في الحرب الأهلية حل جيد دون الحاجة إلى قوات تدخل دولية تعقد الصراع.

وتتسع جبهات القتال في السودان مع وجود جبهة مفتوحة في ولاية الجزيرة وأخرى في الخرطوم، بجانب ثلاث جبهات في إقليم دارفور، عبر ولاية الفاشر شمالا ومناطق في وسط وغرب دارفور، وهي معارك تشتغل بين قوات الدعم السريع والقوات المشتركة التي تتشكل من الجيش والحركات المسلحة، الأمر الذي يجعل التحول الشامل إلى الحرب الأهلية القائمة على البعد القبلي مرشح بقوة الأيام المقبلة.

وأكد رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي وعضو “تقدم” ياسر عرمان أن الأحداث الراهنة في شرق الجزيرة ومناطق أخرى تجاوزت كونها مجرد صراع بين طرفين مسلحين، وأن النزاع امتد ليشمل القبائل والمجتمع بأسره، من الفاشر إلى تمبول (شرق ولاية الجزيرة)، ما يدل على تحول الحرب إلى صراع مجتمعي شامل.

 

اقرأ أيضا:

        • كيف تُعيد الحركة الإسلامية تشكيل الصراع في السودان لتحقيق مكاسبها

2