العاهل الأردني في تونس: عين على القمة وأخرى على ترامب

تزامنا مع استعداد تونس لاحتضان الدورة الـ30 للقمة العربية في شهر مارس المقبل، ألقت العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية بظلالها على التحضيرات التي تسبق القمة والتي يرتقب أن تكون هامة ومفصلية في تعاملها مع أهم الملفات العالقة خاصة حيال دفع عدة دول لإعادة سوريا إلى محيطها العربي عبر التطبيع مع نظام بشار الأسد الذي حقق مدعوما بروسيا نصف انتصار عسكري في انتظار ما ستؤول إليه مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الفاعلة في الملف السوري حيال التصورات السياسية المستقبلية لدمشق، كما تسبق قمة تونس ملفات أخرى عرفت في القمم الأخيرة نوعا من الركود على غرار القضية الفلسطينية المعطلة بسبب انقسامات داخلية أو على خلفية القرارات الأميركية المصطفة إلى جانب إسرائيل خاصة بعد وصول ترامب إلى دفة الحكم.
تونس – ستكون العاصمة التونسية خلال شهر مارس محط أنظار لا فقط الدول العربية، بل أيضا ستركز عليها أنظار الدول الراسمة لسياسات منطقة شمال أفريقيا وكذلك منطقة الشرق الأوسط.
تحتضن تونس في شهر مارس المقبل الدورة الـ30 للقمة العربية. ومع تطور المتغيرات في عدة ملفات إقليمية على رأسها الدفع نحو إعادة تطبيع الدول العربية مع النظام السوري، باتت كل أنظار العواصم العربية متجهة إلى تونس التي ستحتضن هذه القمّة الهامة من حيث السياقات ومن حيث الرهانات والاستحقاقات.
واستقبلت تونس قبيل القمة العربية بشهر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ومن ثمة القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية نبيل شعث. وليس من باب الصدفة أن يتم استقبال هذه الشخصيات في الوقت نفسه تقريبا، كما أنه ليس من الصدفة أيضا أن يكون البلاغان الصحافيان عن اللقاءين متشابهين إلى حدّ التماهي في استنساخ الأولويات السياسية وفي الدعوة إلى استحضارها بقوة ضمن أشغال القمة العربيّة.
إن الخيط الناظم للزيارتين المتزامنتين يدفع حتما إلى اعتبار أنّ رفضا فلسطينيا أردنيا كان واضحا لكافة الاقتراحات التي تسعى واشنطن إلى تقديمها تحت رسم “السلام في الشرق الأوسط”، ولاسيما أنّ المصادر السياسية في واشنطن تتحدث عن تسوية أقرب ما تكون إلى رسملة الأوضاع الراهنة بما تعنيه من شرعنة للاستيطان وتطبيع مع التهام القدس وابتلاع فكرة نسف عودة اللاجئين وقبول “مُهين” بفكرة اللادولة الفلسطينية.
هذه المواقف استشفها كلّ من تحاور مع نبيل شعث، وهي متمحورة حول ثلاث أفكار أساسية، الأولى أن لا أمل فلسطينيا على الأقل في “اجتماع وارسو” الذي تدعو إليه واشنطن الشهر المقبل للبحث في مسيرة السلام بالشرق الأوسط، والثانية أنّ واشنطن الحالية فقدت “الحاكمية والتحكيم والحكمة” -هذا لا يعني أن الإدارات السابقة كانت تمتلكها- للقيام بدور الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والثالثة أنّ هناك عتبا فلسطينيا واضحا من مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل التي لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الفلسطينية.

تريد القيادة الفلسطينية من القمة العربية إعادة ترتيب وتأثيث الأولويات، فلا فيتو لديها ضدّ إبرام علاقات عربية رسمية مع إسرائيل، ولكنّها في المقابل لا تريد لهذه العلاقات أن تكون على حساب الحقوق الفلسطينية أو بعبارة أخرى ألاّ تكون تشريعا عربيا لوجود إسرائيلي غير شرعي في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
القيادة الفلسطينية تدرك أنّ تونس التي استقبلت منظمة التحرير الفلسطينية بعد حصار بيروت 1982 لن تتأخّر في استثمار رصيدها الرمزي والاعتباريّ لإعادة القضية الفلسطينية صلب الاهتمام العربيّ خاصة وأنّ الأخير بات مشتتا بين أكثر من مكاسرة داخل الخيمة العربية وخارجها أيضا.
ولئن نال شعث من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وعدا بأن تحظى القضية الفلسطينية بما تستحق من أولوية ضمن العمل العربي المشترك، فإنّ جزءا من اللوم يتوجّه إلى المشهد السياسي الفلسطيني الذي استبطن بشكل هجين مأسسة الانفصال والانقسام وبنى عليها مصالح ولوبيات وشراكات ومحاور إقليمية، الأمر الذي أخّر استحقاقات القضية لدى أهلها وأفقدها الكثير من رمزيتها لدى جيرانها.
كل أنظار العواصم العربية متجهة إلى تونس التي ستحتضن هذه القمة الهامة من حيث السياقات ومن حيث الرهانات والاستحقاقات
صحيح أنّ تونس لا تمتلك الحق في التعقيب على أي رغبة عربية في التطبيع مع إسرائيل، وصحيح أيضا أنّه لا مصلحة لها لتجيير القمة العربية للتنديد بموسم الهجرة نحو تل أبيب، ولكن لدى تونس ما يمكّنها من إعادة الدفء والاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وبما يمكن على الأقل من تأمين التوازن والتوازي بين مطلب الحقوق الفلسطينية ومطلب الانفتاح، أو هكذا يسميه مؤيدوه.
ولم تكن الريبة نفسها من مخططات واشنطن والقلق من قلة يد الفاعل العربيّ خافييْن عن الخطاب الإعلامي والسياسي المرافق لزيارة العاهل الأردني إلى تونس.
لقد انتظرت عمّان ردّا وتضامنا عربيّيْن ضدّ العربدة الإسرائيلية؛ مرتين على الأقلّ، الأولى عندما تمّ إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بما يحمله هذا الإعلان من تعد على سيادة الحرم القدسيّ، والثانية عند افتتاح إسرائيل مطارا دوليا في البحر الميت بما يتضمنه من استهداف للأمن القومي الأردني، وفي الحالتين كان التفاعل العربي مع خطورة الحدث أقلّ بكثير من تطلعات الأردن.

وتريد عمّان من القمة العربية التفاتة قوية حيال المخاطر التي تستهدف أمنها الاجتماعي من جهة وأمنها القوميّ من جهة أخرى.
ويلعب الأردن كافة أوراقه ويستثمر كافة المحافل الإقليمية، ولاسيما أنّ العلاقات مع تونس دخلت في مرحلة تعاون اقتصادي ملحوظ منذ وصول الرئيس الباجي قائد السبسي إلى دفة السلطة، وخاصة أيضا أنّ العاصمتين انخرطتا في مسار “الاعتماد” على الذات بدلا من “الاعتماد على الآخرين”، وبدأتا في عملية تحريك الجغرافيات الاقتصادية المنسية من كليهما.
في سياق متصل بالقمة، حضرت سوريا أيضا في الحوار الذي جمع الرئيس التونسي بالعاهل الأردني من عدّة بوابات، وقد حضرت عبر الجغرافيا حيث لا يمكن لأي قمة عربية تجاهل حقيقة التواجد الاحتلالي التركي للشمال السوري خاصة وأن الاجتماع السداسي الأخير عمد إلى إبراز خطورة هذا الأمر، وحضرت الشام أيضا عبر البوابة السياسية إذ من واجب القمة الدفع نحو المصالحة الشاملة ونحو إعادة إعمار دستوري ومادي ورمزي تحتاج إليه البلاد والعباد.
وبالنظر إلى أن القمة العربية ستكون هامة وحاسمة، فإن طيلة فترة الزيارتين المتزامنتين للعاهل الأردني ونبيل شعث، تميزت بعبارة واحدة تم ترديدها في قصر قرطاج (القصر الرئاسي التونسي)، وفي مبنى وزارة الخارجية “لا مجال للخطإ في القمة العربية التي تبدو أكثر من قمة عادية واهتمامها أبعد من السياقات العربية”.