العاهل الأردني يدعو إلى حل توافقي بين البرلمان والحكومة "لا يرهق الشعب"

عمان- دعا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحكومة والبرلمان "أن يقودا حوارا وطنيا شاملا وعقلانيا للوصول إلى صيغة توافقية حول مشروع قانون الضريبة، بحيث لا يرهق الناس ويحارب التهرب ويحسّن كفاءة التحصيل".
وجاء ذلك بعد رفض رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي السبت سحب مشروع قانون لإصلاح الضرائب يدعمه صندوق النقد الدولي كان قد أثار احتجاجات بسبب رفع الأسعار وقال إن تقرير مصيره يعود إلى البرلمان.
وأنحى الملك عبدالله الثاني باللوم على الاضطرابات الاقليمية في تفاقم المعاناة المالية للأردن الذي تحده من الشمال سوريا التي تمزقها الحرب ومن الشرق العراق .
وقال إن "التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب". وأضاف "المشكلة ليست بفعل الأردن ولا الأردنيين الذين يضحون بالغالي من أجل بلدهم، وبهمتهم جميعا إن شاء الله سنتجاوز هذه التحديات كما تجاوزنا غيرها".
وخلال ترؤسه لاجتماع مجلس السياسات الوطني، أكد العاهل الأردني أنه "لا تهاون مع التقصير في الأداء، خصوصا في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة ونقل".
وشدد على أن "الدولة بكل مؤسساتها مطالبة بضبط حقيقي للنفقات وترشيدها"، مع "أهمية أن يكون هناك توازن بين مستوى الضرائب ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين".
وحسب صورة نشرها الديوان الملكي، فإن الاجتماع جرى بحضور كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء هاني الملقي، الذي طالب متظاهرون برحيله خلال مظاهرات على مدار الأيام الثلاثة الماضية.
وجاء في تغريدة أن "الملك عبدالله الثاني ترأس اجتماعا لمجلس السياسات الوطني، في قصر الحسينية، فور عودته إلى أرض الوطن". ومجلس السياسات الوطني يترأسه الملك، ويضم في عضويته كبار مسؤولي الدولة والأجهزة الأمنية، وهو معني بمتابعة ورسم السياسات الاستراتيجية والقضايا التي تهم الأمن الوطني.
جزء من إجراءات تقشف
وينص مشروع القانون على معاقبة التهرب الضريبي بفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن، تصل إلى عشر سنوات، وإلزام كل من يبلغ الـ18 من العمر بالحصول على رقم ضريبي.
ويعفي من ضريبة الدخل كل فرد لم يتجاوز دخله السنوي 8 آلاف دينار (نحو 11.3 ألف دولار)، بدلًا من 12 ألفًا (نحو 17 ألف دولار).
كما يعفي من ضريبة الدخل كل عائلة يبلغ مجموع الدخل السنوي للزوج والزوجة أو المعيل فيها أقل من 16 ألف دينار (نحو 22.55 ألف دولار)، بدلًا من 24 ألف دينار (33.8 ألف دولار).
وتفرض ضريبة بنسبة 5 بالمئة على كل من يتجاوز دخله تلك العتبة (8 آلاف دينار للفرد أو 16 ألف دينار للعائلة)، والتي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25% مع تصاعد شرائح الدخل.
كما يزيد مشروع القانون الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات الماليّة وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20 و40 بالمائة. وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار (141 مليون دولار).
واتخذت الحكومة إجراءات، خلال السنوات الثلاث الماضية، استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإصلاحات اقتصادية، تمكنها من الحصول على قروض جديدة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، وتجاوز الدين العام 35 مليار دولار.
تواصل الاجتجاجات
وتواصلت الاحتجاجات في عمان وعدد من المدن الاردنية ليل السبت الاحد على قانون ضريبة الدخل وسياسة رفع الاسعار. وشارك آلاف الأردنيين في وقفات احتجاجية على مدى ليلتين متتاليتين خارج مقر مجلس الوزراء مرددين هتافات معارضة للحكومة ودعوا العاهل الأردني الملك عبدالله إلى إقالة رئيس الوزراء.
وقال الملقي للصحافيين بعد اجتماع مع رؤساء اتحادات عمالية ونواب في البرلمان "إرسال مسودة قانون الضريبة لا يعني أن يوافق عليه مجلس النواب أو يوافق على جزء منه أو أن يوافق حتى على مادته فالمجلس سيد نفسه".
وتقول اتحادات عمالية إن مشروع القانون، وهو جزء من إجراءات تقشف أوسع نطاقا يوصي بها صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة.
وفي وقت سابق من هذا العام، جرى رفع ضريبة المبيعات وإلغاء دعم الخبز ضمن خطة أجلها ثلاث سنوات تهدف إلى تقليص فاتورة ديون البلاد البالغ حجمها 37 مليار دولار، والتي تعادل 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الحكومة إنها تحتاج المال لتمويل الخدمات العامة وإن الإصلاحات الضريبية تقلص مساحة التباينات الاجتماعية من خلال فرض عبء أكبر على أصحاب الدخل المرتفع وإنها لم تمس أصحاب الدخل المنخفض.
وقال الملقي إن صندوق النقد الدولي أكمل أحدث مهامه في البلاد يوم الخميس وإنه يأمل في أن تنتهي المملكة بحلول منتصف عام 2019 من معظم الإصلاحات الضرورية اللازمة لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
اتساع الفجوة
ويقول منتقدون إن الإجراءات ستلحق الضرر بالفقراء ويتهمون السياسيين بإهدار المال العام والفساد. وقال رئيس البرلمان عاطف الطراونة إن أكثر من 80 نائبا، وهو عدد يمثل أغلبية في البرلمان الذي يتألف من 130 عضوا، يريدون أن تسحب الحكومة مشروع القانون. ونقلت وسائل إعلام محلية عن الطراونة قوله بعد لقاء مع الملقي "لن نذعن لإملاءات صندوق النقد الدولي".
وقالت اتحادات تمثل موظفي القطاعين العام والخاص إن الحكومة رضخت لمطالب صندوق النقد الدولي وإنها توسع الهوة بين الأغنياء والفقراء في البلد البالغ تعداد سكانه ثمانية ملايين نسمة، والذي يعيش به مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراع الدائر في سوريا.
وقال مجلس النقابات المهنية، الذي كان قد هدد بإضرابات جديدة قبل اجتماع مع الملقي، السبت إنه سيجتمع قريبا لاتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية. وواجه الاقتصاد الأردني صعوبات في النمو في ظل عجز مزمن، حيث تراجعت تدفقات المساعدات ورأس المال الأجنبي الخاص.
وقال شهود عيان إن احتجاجات متفرقة خرجت في عدة مدن مما اضطر الشرطة في بعض الأماكن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع. وفي مدينة معان بجنوب الأردن أضرم محتجون النار في الإطارات لقطع الطريق السريع وتشاجروا مع الشرطة.