العالم يواجه هزة أعمق بفعل انكماش الاقتصاد الصيني

استمرار الإغلاق يربك نشاط المصانع والعقارات ويزيد الضغوط على الشحن وسلاسل التوريد.
السبت 2022/07/16
كل أعمالكم مقلوبة رأسا على عقب. ماذا عن الآخرين؟

تتقاطع التحليلات وأحدث التقييمات حول أداء الاقتصاد الصيني عند نقطة تتلخص في أن العالم قد يواجه هزة أعمق إذا استمر تباطؤ النمو في ثاني أكبر اقتصادات الكوكب، إذ تسبّب تقلباته فزعا باعتباره أهم سوق للأنشطة التجارية والاستثمارية وقطاع الأعمال وجميعها مرتبطة بعمليات الشحن.

بكين- يراقب المحللون باهتمام العثرة التي تتعرض لها الصين والتي عكستها بيانات أداء الاقتصاد منذ بداية 2022، إذ يبدو أن الكلفة المتزايدة لسياسة “صفر كوفيد” التي تتبناها الحكومة لمحاربة جائحة كورونا ستضع العالم أمام عثرة أشد قسوة.

وتأتي الأرقام المتشائمة لثاني أكبر اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة فيما تشهد سلاسل الإمدادات أزمة مستمرة وتواجه الموانئ تأخيرات، بينما يعاني قطاع الأعمال والعقارات من محنة لم يعشها منذ سنوات.

راجيف بيسواس: الأسواق كانت تتوقع انكماشا لكن حجمه شكّل صدمة

وسجلت الصين تراجعا حادا في نموها الاقتصادي في الربع الثاني من العام محققة أسوأ أداء منذ عامين على وقع القيود الصحية وأزمة القطاع العقاري، ما انعكس بشدة على النشاط.

وكشفت أرقام رسمية نشرت الجمعة أن نمو إجمالي الناتج المحلي للقوة الاقتصادية الثانية في العالم لم يتعدّ 0.4 في المئة خلال الفترة بين أبريل ويونيو، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

وهذه أضعف وتيرة نمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة منذ مطلع 2020 حين شلت الجائحة النشاط الاقتصادي الصيني خلال الربع الأول من هذه السنة مسجلا سالب 6.8 في المئة.

ويسلط تعثر اقتصاد الصين على نحو حاد في النصف الأول من هذا العام الضوء على الخسائر الهائلة للنشاط بسبب عمليات الإغلاق واسعة النطاق لمكافحة كورونا، ويشير إلى استمرار الضغوط في الأشهر المقبلة في ظل توقعات قاتمة للنمو العالمي.

وكان هذا التراجع متوقعا غير أن محللين استطلعت وكالة الصحافة الفرنسية آراءهم توقعوا تباطؤا أكثر اعتدالا بنسبة 1.6 في المئة.

وبالرغم من أنها موضع شك، يتابع خبراء الاقتصاد بدقة الأرقام الرسمية المتعلقة بإجمالي الناتج المحلي الصيني نظرا لوزن البلاد في الاقتصاد العالمي.

وفي الربع الأول من 2022 سجلت الصين نموا في إجمالي ناتجها المحلي بلغت نسبته 4.8 في المئة على أساس سنوي.

وأفاد فو لينغوي المسؤول في مكتب الإحصاءات الصيني بأن اقتصاد بلده واجه وضعا “غير اعتيادي للغاية” بفعل الأوضاع الدولية وتفشي الوباء في البلاد.

جوليان إيفانس: تحقيق المصانع لنمو إيجابي حاليا أمر يصعب تصديقه

وكانت النتيجة انكماش نمو العملاق الآسيوي بنسبة 2.6 في المئة من فصل إلى آخر بعد تسجيل ارتفاع بنسبة 1.3 في المئة خلال الفترة بين يناير ومارس من هذا العام.

وبحسب ما أوضحه الخبير الاقتصادي راجيف بيسواس من مكتب ستاندارد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس فإن الأسواق كانت تتوقع انكماشا إلا أن حجمه شكل “صدمة”.

وتتبع الدولة منذ 2020 سياسة “صفر كوفيد” القاضية بالحد إلى أقصى قدر ممكن من تسجيل إصابات جديدة بالوباء عبر إجراءات عزل محددة الموقع وحملات فحوص مكثفة وحجر صحي لمن تتبين إصابتهم وتتبّع تحركاتهم.

وفي الربيع الماضي أغلقت العاصمة الاقتصادية شنغهاي لمدة شهرين ردا على أسوأ موجة من الإصابات في الصين منذ عامين. وطرحت فكرة فرض حجر مماثل في مايو بالعاصمة بكين.

وسددت هذه التدابير ضربة قاسية للاقتصاد إذ أجبرت عددا كبيرا من الشركات والمصانع والمحلات التجارية على وقف نشاطه، كما شكلت ضغطا على سلاسل التوريد.

وسجلت شنغهاي طبقا للتوقعات انكماشا بنسبة 13.7 في المئة في إجمالي ناتجها المحلي في الربع الثاني من هذا العام بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

ورأى جوليان إيفانس بريتشارد الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونوميكس أن تحقيق نمو إيجابي خلال هذه الفترة على المستوى المحلي أمر “يصعب تصديقه”.

في المقابل سجلت مبيعات التجزئة، المؤشر الرئيسي لإنفاق الأسر، في يونيو ارتفاعا كبيرا بنسبة 3.1 في المئة على مدى عام، بالمقارنة مع سالب 6.7 في المئة خلال مايو الماضي في ثالث شهر من التراجع على التوالي.

تشيواي تشانغ: الأزمة العقارية مقلقة لأنها تهدد مباشرة النظام المالي

أما الإنتاج الصناعي فارتفع الشهر الماضي بنسبة 3.9 في المئة على أساس سنوي بعد انتعاش غير متوقع بنسبة 0.7 في المئة خلال الشهر السابق.

وسُمح للمصانع والمكاتب بإعادة افتتاحها في مايو الماضي، لكن الاقتصاديين يقولون إن الأمر سيستغرق أسابيع أو أشهرا قبل أن يعود النشاط إلى طبيعته.

ويقول اقتصاديون ومجموعات الأعمال إن شركاء الصين التجاريين سيشعرون بتأثير اضطرابات الشحن خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وأكد بريتشارد “حتى مع الأخذ في الاعتبار قوة يونيو، فإن البيانات تتفق مع النمو السالب على أساس سنوي في الربع الأخير”. وأضاف “هذه ليست المرة الأولى التي يبدو أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية قللت فيها من حجم الانكماش الاقتصادي”.

ويضاف تفشي الوباء مجددا إلى الصعوبات التي كان الاقتصاد الصيني يعاني منها بالأساس، ومنها ضعف الاستهلاك وتشديد بكين قبضتها على قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا، وعدم اليقين حيال المستقبل في ظل الحرب في أوكرانيا وأزمة القطاع العقاري.

وتراجعت أسعار المساكن الجديدة مجددا في يونيو بنسبة 0.5 في المئة بمعدل سنوي، بحسب مكتب الإحصاءات الوطني. وهو ثاني شهر من التراجع بالنسبة إلى هذا المؤشر الذي يحتسب متوسط الأسعار في سبعين مدينة صينية.

وأشارت الخبيرة الاقتصادية بيتي وانغ من مصرف أي.أن.زد إلى أن “عددا متزايدا من المشترين يتوقف عن تسديد أقساطه الشهرية بسبب التباطؤ الاقتصادي وتأخير” مطوري المشاريع العقارية في أعمال البناء أو في تسليم المساكن.

وهذا الجانب من الأزمة العقارية “مثير للقلق” برأي الخبير الاقتصادي تشيواي تشانغ من مكتب بينبوينت أسيت مانجمنت، لأنه يهدد مباشرة النظام المالي.

شنغهاي سجلت انكماشا بنسبة 13.7 في المئة في إجمالي ناتجها المحلي في الربع الثاني من هذا العام بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي

وعلى صعيد البطالة بلغت النسبة 5.5 في المئة في يونيو مقابل 5.6 في المئة قبل شهر، لكن المعدل شهد زيادة كبيرة خلال الشهر الماضي بين الشريحة العمرية الممتدة من 16 إلى 24 عاما مسجلا 19.3 في المئة.

وحددت بكين هدفا لها نموا في إجمالي الناتج المحلي بحوالي 5.5 في المئة هذه السنة، وهو هدف يشكّ العديد من الخبراء في إمكانية تحقيقه. وسيعكس رقما كهذا أضعف معدل نمو للصين منذ بداية تسعينات القرن الماضي، باستثناء مرحلة تفشي الجائحة.

ويسجل تباطؤ النمو في عام حساس سياسيا يفترض أن يشهد، ما لم تحدث مفاجآت، إعادة تعيين شي جينبينغ رئيسا للحزب الشيوعي الصيني في الخريف المقبل.

وتأتي أحدث البيانات بينما تسود مخاوف من ركود عالمي، إذ يرفع صانعو السياسة النقدية أسعار الفائدة للحد من التضخم المتصاعد، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من المصاعب للمستهلكين والشركات وهم يواجهون تحديات حرب أوكرانيا واضطرابات سلسلة التوريد.

10