العالم يواجه مخاطر استنساخ أزمة الأرز في 2008

فجوة الإمدادات بسبب ظاهرة النينيو بمناطق الإنتاج الرئيسية تغذي جموح الأسعار في الأسواق الدولية.
الجمعة 2023/12/01
الحصص محدودة

يتابع الخبراء بقلق المنحى التصاعدي لأسعار الأرز في الأسواق العالمية، والتي تقرب من ذروتها منذ 15 عاما مما يشي بظهور بوادر أزمة قد تتفاقم مع الوقت إن لم يتمكن المنتجون الرئيسيون من إيجاد حلول عاجلة قبل أن تصبح مشكلة تهدد الأمن الغذائي.

لندن – يغذي المنحى الصعودي لأسعار الأرز في الأسواق الآسيوية بسبب القيود الهندية على الصادرات جراء تقلبات المناخ، وتنامي احتمالات أن يحذو كبار المنتجين حذوها، المخاوف من تكرار أزمة 2008 والتي أدت إلى قفزة في الأسعار ثلاث مرات حينها.

وتتجه أسعار الأرز نحو تسجيل مستوى قياسي هو الأعلى منذ 15 عاما، ما يهدد بإثارة القلق في أسواق آسيا وأفريقيا التي تشكل هذه الحبوب الغذاء الأساسي للمليارات من البشر فيهما.

وقفز سعر الأرز التايلندي الأبيض المكسر بواقع 5 في المئة، وهو المعياري في السوق الآسيوية، بمقدار 57 دولارا خلال الأسبوعين الماضيين إلى 640 دولارا للطن بعد فترة من الهدوء النسبي، ما يجعله أقل بقليل من أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2008.

تشوكيات أوفاسو: الطلب المفاجئ من البرازيل والفلبين أدى إلى ارتفاع الأسعار
تشوكيات أوفاسو: الطلب المفاجئ من البرازيل والفلبين أدى إلى ارتفاع الأسعار

وتقوم رابطة مصدري الأرز في تايلندا بتحديد أسعار الأرز بمختلف أنواعه أسبوعيا. وفي غضون ذلك سيستمر المتعاملون بمراقبة المؤشر الآسيوي لمعرفة ما إذا كانت المخاوف أم حالة الهدوء، هي التي ستسيطر على السوق.

وقال تشوكيات أوفاسو ونغسي، الرئيس الفخري للرابطة، إن هذا “الارتفاع في الأسعار جاء نتيجة الطلب المتزايد على الأرز التايلندي من دول مستوردة لم تكن متوقعة، مثل البرازيل والفلبين”.

وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار المحلية، وقوة عملة البات التايلندية، ساعدا أيضا في دعم هذه القفزة. وأضاف “ارتفعت مبيعاتنا إلى مستوى جيد حاليا، لأن فيتنام تعاني نقصا في المخزون”.

وبلغت الأسعار هذه النقطة الفاصلة في مطلع أغسطس الماضي، في أعقاب قيود التصدير واسعة النطاق التي فرضتها الهند، أكبر دولة مصدرة للأرز في العالم.

وحظرت الهند، التي تمثل 40 في المئة من صادرات هذه المادة الغذائية في العالم، بشكل مفاجئ في شهر يوليو الماضي تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي.

وتُعتبر الدول الأفريقية مثل بنين والسنغال وكوت ديفوار وتوغو وغينيا من بين أكبر المشترين لأصناف الأرز غير البسمتي من الهند. وقدمت السنغال وغينيا مبادرات دبلوماسية لنيودلهي قبل أشهر لحل الأزمة.

وشدّدت الهند قيودها على التصدير في أواخر يوليو، ومن المتوقع أن تواصل العمل بذلك حتى العام المقبل، حيث يسعى رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى احتواء الأسعار المحلية قبل الانتخابات.

وترتب على ذلك الوضع عقد حزمة من صفقات التوريد وقرارات دبلوماسية بسبب المخاوف التي انتابت المستهلكين الرئيسيين للأرز بشأن كفاية المعروض.

ويُتوقع أن تبقي نيودلهي قيودها على المبيعات الخارجية حتى وقت طويل من عام 2024، وهي خطوة يُرجح أن تبقي أسعار الحبوب الأساسية قرب أعلى مستوياتها منذ أزمة الغذاء في عام 2008.

وقالت سونال فارما، كبيرة الاقتصاديين في الهند وآسيا باستثناء اليابان لدى شركة نومورا، لوكالة بلومبرغ إنه “طالما أن أسعار الأرز المحلية تواجه ضغوطا تصاعدية، فإن هذه القيود يُرجح أن تستمر”.

جوزيف غلوبر: غياب الأرز الهندي عن السوق يترك فجوة كبيرة يجب سدها
جوزيف غلوبر: غياب الأرز الهندي عن السوق يترك فجوة كبيرة يجب سدها

وأوضحت أنه حتى بعد الانتخابات، إن لم تستقر أسعار الأرز المحلية، سيكون هناك تمديد لهذه الإجراءات على الأرجح.

وتُنتج آسيا لوحدها ما يقرب من 90 في المئة من المحاصيل الشرهة في استهلاك المياه، كما تستهلك دولها النسبة ذاتها من الإمدادات العالمية.

ويعد الأرز من المحاصيل الحيوية في غذاء نصف سكان كوكب الأرض، وتصل مساهمته إلى نحو 60 من إجمالي السعرات الحرارية للناس في أجزاء من جنوب شرق آسيا وأفريقيا.

وأدى ارتفاع أسعاره إلى زيادة التضخم في دول مستوردة كبرى مثل إندونيسيا والفلبين.

وعلاوة على ذلك، فإن ظاهرة النينيو، التي تتسبب عادة في انتشار الجفاف في مناطق زراعة الأرز في الحقول الآسيوية، توشك على تخفيض المعروض بمعدلات أكبر.

ويؤدي وصول ظاهرة النينيو، التي عادة ما تتسبب في ذبول المحاصيل في كل أنحاء آسيا، إلى المزيد من نقص المعروض في سوق الأرز العالمية، في وقت تتجه المخزونات العالمية إلى تسجيل انخفاض للعام الثالث على التوالي.

ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج تايلندا، وهي ثاني أكبر دولة مصدرة للأرز، بنسبة 6 في المئة الموسم الحالي بسبب هذه الظاهرة المناخية، فيما وجهت فيتنام بعض المزارعين إلى زراعة محاصيلهم الجديدة في وقت مبكر تلافيا لمخاطر الجفاف.

وقال جوزيف غلوبر، وهو زميل بارز في المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية في واشنطن، لبلومبرغ “يشكل الأرز تحديا كبيرا، نظرا لعدم وجود الكثير من الموردين الآخرين”.

وأضاف أن غياب الهند عن السوق يترك “فجوة كبيرة يجب سدها”.

640

دولارا سعر طن الأرز التايلندي المعياري في آسيا مقتربا من مستوى أكتوبر 2008

ومما يزيد الأمور تعقيدا أن التوتر بشأن محصول الهند يزيد من حذر صناع السياسات.

وتظهر تقديرات وزارة الزراعة الهندية أن محصول الأمطار الموسمية قد ينخفض بواقع 4 في المئة عن العام السابق بسبب الأمطار غير المنتظمة.

وكان هطول الأمطار التراكمي في فترة الرياح الموسمية بين يونيو وسبتمبر الماضيين هو الأضعف منذ خمس سنوات.

ارتفعت أسعار التجزئة للأرز في نيودلهي بنسبة 18 في المئة في المتوسط خلال 2023 مقارنة بالعام السابق، وفقا للبيانات الرسمية.

وبالتزامن مع ذلك، ارتفع معدل تضخم أسعار الأرز في الفلبين إلى أعلى مستوياته منذ 14 عاما في سبتمبر الماضي، حتى بعد صدور أمر رئاسي بوضع حد للتكاليف.

وفي إندونيسيا، تعمل الحكومة على زيادة الواردات لتهدئة الأسعار قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2024.

وفي غرب أفريقيا، كان النيجيريون من بين أولئك الذين تأثروا بارتفاع التكاليف. فالأرز، المكون الرئيسي لصنع الجولوف وهو طبق شعبي قفزت أسعاره بنسبة 61 في المئة خلال سبتمبر.

وقال بيتر باشمان، الرئيس التنفيذي لشركة يو.أس.أي رايس، “تمتلك الهند مخزونات أكثر من كافية حاليا، وبينما يستفيد المصدرون الرئيسيون في آسيا في الأمد القريب، فإن تخفيف التصدير في الأشهر المقبلة، سيتسبب بتقلبات كبيرة في الأسعار العالمية مجددا”.

10