العالم يواجه ارتفاعا استثنائيا في تكاليف الكوارث المناخية

فرانكفورت (ألمانيا) - كشفت تقديرات حديثة عن مؤشرات صادمة حول الكلفة التي تتكبدها دول العالم نتيجة الكوارث الطبيعية بفعل التغيرات المناخية المتطرفة، الأمر الذي يستوجب وقفة دولية حازمة للتخفيف من تداعيات هذه المشكلة.
وذكرت دراسة نشرتها شركة ميونيخ ري الخميس أن تغير المناخ غذى الكوارث الطبيعية، التي تسببت في خسائر بقيمة تقدر بحوالي 320 مليار دولار العام الماضي.
وأوضحت ري في تقرير أن إجمالي الخسائر المؤمّن عليها بلغ 140 مليار دولار على مدى الأشهر الـ12 الماضية، مما يجعل عام 2024 ثالث أعلى إجمالي منذ عام 1980.
وتتوافق هذه النتائج مع أرقام مماثلة من شركة سويس ري، الشركة الرائدة الأخرى في إعادة التأمين، والتي حسبت خسائر إجمالية بلغت حوالي 310 مليار دولار و135 مليار دولار من الخسائر المؤمّنة.
وقال توبياس جريم كبير علماء المناخ في ميونيخ ري “يدفع الجميع ثمن تفاقم الظواهر الجوية القصوى” الناجمة عن تغير المناخ. محذرا من أن “آلة الطقس في كوكبنا تعمل بوتيرة أسرع” مما هو متوقع.
وأشار إلى أن العبء يقع بشكل أشد على “الأشخاص في البلدان التي لا تتمتع إلا بحماية تأمينية ضئيلة أو دعم ممول من القطاع العام للمساعدة في التعافي.”
وشدد على أنه “يجب على المجتمع العالمي أن يتخذ إجراءات أخيرا ويجد طرقا لتعزيز قدرة جميع البلدان على الصمود، وخصوصا تلك الأكثر ضعفا.”
وساهمت الأعاصير المدارية وحدها في خسائر إجمالية بلغت 135 مليار دولار، وخسائر مؤمّنة بلغت 52 مليار دولار.
وحقيقة أن العواصف أصبحت أكثر شدة لا ترجع فقط إلى ارتفاع درجات حرارة الهواء، والتي كانت العام الماضي 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وقال جريم “في 26 من 29 حدثًا تم فحصها العام الماضي، كان التأثير واضحًا. وبينما نظل حذرين، فإن هذا يجعلنا أكثر يقينًا من أن تغير المناخ يلعب دورًا متزايد الأهمية.”
وفي أوروبا، تسببت الفيضانات في مدينة فالنسيا الإسبانية في خسائر بلغت 11 مليار دولار، منها 4.2 مليار دولار مؤمّن عليها.
وقال جريم “أظهرت دراسة حول أسباب الفيضانات في إسبانيا أن تغير المناخ أدى إلى مضاعفة احتمالات التعرض لمثل هذه الأمطار.”
وفي المجمل، فقد نحو 11 ألف شخص حياتهم نتيجة الكوارث الطبيعية في 2024، وهي حصيلة باهظة رغم أنها أقل من المتوسط، بحسب ميونيخ ري. وأدى الزلزال في تركيا وسوريا إلى زيادة عدد القتلى في 2023 ليبلغ 77.6 ألف شخص.
وأوضح توماس بلانك عضو مجلس الإدارة في الشركة أن القوى المدمرة التي يجلبها تغير المناخ أصبحت واضحة بشكل متزايد، وهذه الحقيقة مدعومة بالعلم، مؤكدا أنه يجب على العالم الاستعداد للمزيد من الكوارث المرتبطة بالطقس في السنوات القادمة.
320
مليار دولار الخسائر المسجلة بنهاية عام 2024، منها 140 مليار دولار من الكوارث مؤمن عليها
ومن حيث الخسائر، تصدر إعصاران في الولايات المتحدة قائمة الأعاصير الأكثر كلفة على مستوى العالم، هما “هيلين” الذي تسبب في أكبر أضرار اقتصادية بلغت 56 مليار دولار، وتلاه “ميلتون” بعد أسبوعين (38 مليار دولار).
ومع ذلك، كان “ميلتون” أكثر كلفة بواقع 25 مليار دولار بالنسبة إلى شركات التأمين من “هيلين”، الذي كلف نحو 18 مليار دولار، لأنه شق طريقه عبر ولاية فلوريدا الأميركية بأكملها.
ومن ناحية أخرى، تسبب “هيلين” في أكبر الأضرار من خلال الفيضانات المفاجئة والأمطار الغزيرة في جورجيا وكارولينا الشمالية.
ورغم هذه المؤشرات، إلا أن شركات إعادة التأمين أقل قلقًا بشأن مخاطر الذروة من “الضوضاء الخلفية” المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ.
وفي العام الماضي، تسببت الأحداث الطبيعية الثانوية مثل الفيضانات والعواصف الرعدية وحرائق الغابات في خسائر بلغت 136 مليار دولار. وكان على شركات التأمين تغطية 67 مليار دولار من هذا المبلغ.
وهذا الاتجاه يدفع الخسائر المؤمّن عليها إلى الارتفاع على مر السنين ومعها “أسعار التأمين على مثل هذه المخاطر”، كما يقول جريم.
ولفت إلى أن شركات إعادة التأمين تمكنت من فرض زيادات الأسعار على عملائها، شركات التأمين الأساسية، لسنوات.
ورغم أن المنظمات الدولية حذرت طيلة سنوات من آثار التغيرات المناخية على حياة البشر، لكن لم تتخذ الحكومات خطوات ملموسة للتصدي لها.
ويجعل ذلك الأمر برمّته متعلقا بفرضية أن تكون الرأسمالية، التي يجمع معظم المحللين على أنها المتسبب الأول في تلك المشاكل، هي البوابة لحلّ كفيل بإنهاء الخطر.
وتعتبر الأمم المتحدة أن العالم سيواجه خلال العقد الحالي أسوأ مشكلة وهي موجات الحرارة العالية التي قد تزيد من انتشار الحرائق، ما يعني انخفاض المساحات المزروعة، إلى جانب ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بفعل ذوبان جليد المحيط المتجمد الشمالي.
ونتيجة لذلك ستصبح الدول واقتصاداتها في خطر مستدام بدل أن تكون في استقرار مستدام، مما يعني أن الحكومات أمامها الكثير لتفعله لتنفيذ إستراتيجياتها بخصوص الحياد الكربوني.