العالم يستجيب لهواجس السعودية بخفض تاريخي لإنتاج النفط

الأسواق تنتظر تفاصيل التزامات المنتجين الكبار من خارج تحالف أوبك+، بعد الاتفاق على تخفيض إنتاج النفط ليصل إلى 10 مليون برميل يوميا.
الثلاثاء 2020/04/14
اتفاق تاريخي

أكد محللون أن الاتفاق التاريخي لخفض أسعار النفط ما كان ليحدث لولا حصول السعودية على تعهدات بمساهمة كبيرة من كبار المنتجين خارج تحلف أوبك+، وهو ما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين حين قال إن أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم تدرس إمكان خفض الإنتاج بمقدار 20 مليون برميل يوميا.

لندن - رغم الاتفاق التاريخي لخفض إنتاج النفط، لم ترتفع أسعار النفط الاثنين، في مؤشر على حاجتها إلى معرفة تفاصيل أكثر بشأن مشاركة دول أخرى خارج تحالف أوبك+ الذي تقوده السعودية وروسيا.

وقد يكون الأثر الخفي على الأسعار هو منع انهيارها، وهو ما أكده كيريل ديمترييف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، الذي قال إن الاتفاق منع أسعار النفط من النزول إلى 10 دولارات للبرميل.

وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الاثنين إن التخفيضات الفعلية لإمدادات النفط العالمية ستبلغ نحو 19.5 مليون برميل يوميا مع الأخذ في الاعتبار اتفاق الخفض الذي أبرمته أوبك+، وتعهدات من دول أخرى في مجموعة العشرين ومشتريات النفط المخصصة للاحتياطيات.

وأضاف للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف أن دول مجموعة العشرين من خارج تحالف أوبك+ تعهدت بخفض إمدادات النفط بنحو 3.7 مليون برميل يوميا، بينما من المتوقع أن تبلغ مشتريات الخام المخصصة للاحتياطيات الاستراتيجية نحو 200 مليون برميل خلال الشهرين المقبلين.

وكشف الأمير عبدالعزيز أن السعودية قد تقلص إنتاج النفط دون حصتها الحالية البالغة 8.5 مليون برميل يوميا إذا كانت هناك حاجة إلى السوق وإذا جرى تنفيذ التخفيضات بشكل جماعي مع البقية على أساس متناسب.

الأمير عبدالعزيز بن سلمان: التخفيضات الفعلية سوف تبلغ نحو 19.5 مليون برميل يوميا
الأمير عبدالعزيز بن سلمان: التخفيضات الفعلية سوف تبلغ نحو 19.5 مليون برميل يوميا

وأيده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ذكر الاثنين أن أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم تدرس إمكان خفض الإنتاج بمقدار 20 مليون برميل يوميا بموجب اتفاق يهدف إلى تعزيز الأسعار.

وقال ترامب الذي يعود له الفضل في التوسط في الاتفاق، إن الاتفاق أكبر من المتوقع وسيساعد على انتعاش قطاع الطاقة من تأثيرات وباء كوفيد – 19، مضيفا “أوبك وشركاؤها يتطلعون إلى خفض 20 مليون برميل يوميا، وليس 10 ملايين كما تردد”.

ولم تظهر حتى الآن سوى القمة الطافية من جبل الجليد، وهي اتفاق تحالف أوبك+ على خفض الإنتاج بنحو 9.7 مليون برميل، وهو ما يعادل أربعة أضعاف أكبر خفض سابق في عام 2008.

وصدرت إشارات إلى استمرار المحادثات ومشاركة دول من خارج ذلك التحالف مثل النرويج وكندا والولايات المتحدة لكن لم يتم الكشف عن تفاصيل مساهماتها.

ومن المستبعد أن تكون السعودية قد وافقت على الاتفاق دون تعهدات ملزمة، وهي التي قلبت الطاولة الشهر الماضي وقررت إغراق الأسواق بالإمدادات في إصرار على إصلاح الاختلالات الهيكلية المزمنة في صناعة النفط.

وترفض السعودية أن يتحمل المنتجون الأكثر كفاءة ثمن حماية الأسعار وفقدان حصص الأسواق، التي كانت تذهب للمنتجين الأقل كفاءة مثل منتجي النفط الصخري في أميركا الشمالية.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الاتفاق تضمن مساهمة المنتجين الأميركيين بواقع 300 ألف برميل، كان يفترض أن تتحملها المكسيك التي رفضت مطالبة أوبك+ بخفض إنتاجها 400 ألف برميل يوميا. وأصرت على خفض بمقدار 100 ألف برميل يوميا.

30 مليون برميل يوميا تقديرات حجم التراجع في الطلب العالمي على النفط في الشهر الحالي

وهناك تكهنات باتفاق غير معلن لإجراء خفض أكبر في الإنتاج الأميركي بصورة غير مباشرة، يكون نتيجة طبيعية لتراجع النفط الصخري الأميركي في ظل الأسعار الحالية، خاصة أن القوانين الأميركية لمكافحة الاحتكار تحظر إبرام اتفاق مع جهات خارجية لخفض الإنتاج.

وكشف وزير النفط العراقي ثامر الغضبان أن “الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والنرويج، التي تعد من الدول المنتجة والمصدرة للنفط في آن واحد، اتفقت على تخفيض الإنتاج حفاظا على صناعتها النفطية”.

وأضاف أن “الشهرين المقبلين سيكونان مهمين في استقرار السوق، سيفوق تخفيض الإنتاج 16 مليون برميل يوميا” مع إضافة خفض من جانب بلدان أخرى خارج التحالف.

ويتضح ذلك من خلال إعلان تينا برو وزيرة الطاقة في النرويج، أكبر منتج للنفط في غرب أوروبا، عن أنها سوف تصل قريبا إلى قرار لخفض الإنتاج للمساعدة -في مسعى عالمي- على دعم أسعار الخام.

دونالد ترامب: الدول المصدرة للنفط تدرس خفضا بمقدار 20 مليون برميل يوميا
دونالد ترامب: الدول المصدرة للنفط تدرس خفضا بمقدار 20 مليون برميل يوميا

كما رحبت كندا كثيرا بالاتفاق، حيث وصفه وزير الموارد الطبيعية سيموس أوريغان “بالخبر السار الذي يساهم في تحقيق الاستقرار لأسواق النفط العالمية”. وأضاف أن الحكومة الكندية كانت “قلقة للغاية بشأن تقلب أسعار النفط وعواقبه على العاملين في القطاع”.

ولا تزال الأسواق والمحللون ينتظرون تفاصيل الالتزامات، حيث لم يستبعد بنك غولدمان ساكس استمرار هبوط الأسعار في الأسابيع المقبلة. وقال إنه اتفاق “تاريخي لكن غير كافٍ” بالتفاصيل المعلنة حتى الآن.

وأيدت ذلك وثيقة أظهرت الاثنين أن شركة النفط السعودية أرامكو حددت سعر بيع خامها العربي الخفيف لآسيا لشهر مايو بانخفاض 4.2 دولار للبرميل عن سعر أبريل الجاري.

ويقول بعض المحللين إن هذا الخفض المعلن ربما يدعم الأسعار لكنه لا يقارن بالانخفاض في الطلب الذي تتنبأ بعض جهات تقديم التوقعات بأنه يصل إلى 30 مليون برميل يوميا في أبريل.

والأدهى من ذلك أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم تدرس تمديد القيود المفروضة على السفر والتجمعات للحيلولة دون انتشار فايروس كورونا، وهي القيود التي أدت إلى تراجع الطلب على الوقود.

وقال فيرندرا تشوهان المحلل بشركة إنرجي اسبكتس “حتى إذا أوقفت تلك التخفيضات هبوط الأسعار فلن تتمكن من رفعها في ضوء حجم الزيادة في المخزونات التي نراها ماثلة أمامنا”.

وأضاف أن “غياب التعهدات المؤكدة من جانب الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء مجموعة العشرين يعد نقيصة في الاتفاق”.

أرامكو حددت سعر بيع خامها العربي الخفيف لآسيا لشهر مايو بانخفاض 4.2 دولار للبرميل
أرامكو حددت سعر بيع خامها العربي الخفيف لآسيا لشهر مايو بانخفاض 4.2 دولار للبرميل

وكانت مجموعة العشرين واجهت مطالب للمساعدة على تقليص وفرة المعروض وكان من المتوقع من المنتجين من خارج أوبك المساهمة في تخفيضات الإنتاج بخمسة ملايين برميل أخرى يوميا لكن لم تصدر تفاصيل بتعهدات محددة.

وقال تاكاشي تسوكيوكا رئيس رابطة البترول اليابانية إن “الصفقة فشلت في الوصول إلى مستويات التخفيض التي تتوقعها الأسواق، الأمر الذي سيبقي على ركود الأسعار… نأمل أن تتوصل المحادثات إلى تحقيق الاستقرار في أسواق النفط”.

وقال متعامل في سوق النفط بسنغافورة إن زيادة المخزونات ستستمر وإن كانت بوتيرة أبطأ. وأشار إلى أن “أغلب سعات التخزين الاستراتيجي في مختلف دول العالم مليئة بالكامل تقريبا. ربما يكون لدى الصين مجال ما لكني أشك في أن تكون لدى الآخرين قدرة كبيرة”.

وسلط أنجوس تايلور، وزير الطاقة الأسترالي، الاثنين الضوء على ندرة قدرات التخزين المتاحة بالقول إن بلاده تعمل على التوصل إلى اتفاق لشراء النفط وتخزينه في المخزون الاستراتيجي الأميركي.

ولا تزال الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، هي الطرف الذي لا يسري عليه ذلك. فمن المنتظر أن تزيد مصافي التكرير فيها حجم عملياتها بنسبة عشرة في المئة هذا الشهر مقارنة بشهر مارس الماضي مع تخلص البلاد من تداعيات وباء كورونا الذي ظهر في الأراضي الصينية في أواخر العام الماضي.

ويرجح مراقبون وجود تفاهمات لخفض الإنتاج لا يمكن الإعلان عنها، بسبب قوانين بعض البلدان من خارج تحالف أوبك+، ويؤكدون أن انقلاب الموقف السعودي ما كان ليحدث لولا تعهدات من هذا النوع.

11