العالم يجتمع في دبي لبحث آفاق تنظيف صناعة السفر

تحولت إمارة دبي إلى ورشة عمل لجميع النشاطات والجهود العالمية المتعلقة بمسح البصمة الكربونية وذلك في إطار فعاليات سوق السفر العربي 2023، والذي استقطب المسؤولين والخبراء لبحث تحديات مستقبل هذه الصناعة في ظل التحولات العميقة للمناخ.
دبي – فرضت معضلة الاحتباس الحراري نفسها بقوة على صناع القرار السياحي خلال أحدث نسخ معرض سوق السفر العربي، والذي انطلق الاثنين في دبي بحثا عن بوصلة جديدة مع إمكانية تسريع رحلة القطاع نحو إزالة الكربون.
وثمة حاجة ماسّة إلى سياسات عامة سريعة وجريئة ومستدامة لضمان تطابق وتيرة إزالة الكربون في قطاع السفر وكل المجالات المرتبطة به مع أهداف الحد من الاحترار المناخي.
ولدى معظم الخبراء قناعة بأن مسح القطاع لبصمته الكربونية، والذي ينسجم مع الخطط العالمية لخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة، يبدو مليئا بالتحديات قبل الوصول إلى الهدف، حيث يتطلب وقتا أطول بالنظر إلى العديد من المحددات التي سترسم هذا الاتجاه.
ويواجه قطاع الملاحة الجوية معضلة صعبة لمراعاة البيئة، حيث يخوض محللون منذ فترة نقاشات حول ما إذا بإمكان الشركات المواءمة بين تسيير المزيد من الرحلات وخفض الانبعاثات الناتجة عن أساطيلها للمساهمة في الجهود الدولية لحماية المناخ.
وتتمثل أهم التحديات في إنفاق الكثير من الأموال والاستغراق وقتا طويلا في إحلال الأساطيل التقليدية من الطائرات بأخرى منخفضة الكربون وتغيير البنية الأساسية الحالية وإقرار معايير السلامة والأمان.
ولذلك تشكل الدورة الثلاثون من هذا المعرض، التي افتتحها الشيخ أحمد بن محمد آل مكتوم النائب الثاني لحاكم دبي، منصة مثالية يمكن للمشاركين فيها، بما في ذلك ألفي شركة وجهة من 15 بلدا، تكوين روابط جديدة وتبادل المعرفة وعرض أحدث الابتكارات.
ويناقش خبراء ومسؤولون تنفيذيون من كافة أنحاء العالم في السفر والسياحة والضيافة على مدار أربعة أيام بأضخم حدث في القطاع بالشرق الأوسط العديد من القضايا لاستكشاف دور هذه الصناعة في “العمل نحو الوصول إلى صافي انبعاثات صفري”.
وما يعزز احتمالات أن تكون هذه الدورة الأكبر على الإطلاق عودة قوية لكل الأسواق تقريبا، وفي مقدمتها الصين، التي غابت عن المعرض خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب الأزمة الصحية.
وأكدت اللجنة المنظمة للمعرض عشية انطلاقه أن الصين كانت أكبر سوق مصدر للسياحة في العالم في العام الذي سبق تفشي الوباء، حيث أنفق 155 مليون سائح صيني أكثر من 250 مليار دولار في الخارج.
وأشارت إلى أن مشاركة العارضين في النسخة الحالية زادت بنسبة 27 في المئة مقارنة بنسخة العام الماضي من الحدث بالتزامن مع تسجيل نمو ملحوظ في جميع قطاعات المعرض.
وينظر المسؤولون في هذا المجال وخاصة شركات الطيران إلى 2023 على أنه عام استرجاع حركة السفر إلى وتيرتها المعتادة كما كانت قبل الأزمة الصحية وربما تجاوز أرقام سنة 2019 مع تسجيل المزيد من التعافي.
ويؤكد خبراء أن حجوزات الطيران الصيفية للعام الجاري بدت ممتلئة لدى معظم شركات الطيران رغم زيادة أسعار التذاكر، نتيجة إعطاء الناس أولوية أكبر للسفر، الأمر الذي يرسم صورة واعدة لتحول القطاع إلى الربحية خلال العام الجاري.
وشهد اليوم الأول من المعرض تنظيم عشرين جلسة من بينها “التكنولوجيا أداة تمكين السفر المستدام”، وجلسة أخرى بعنوان “الاستدامة في صناعة السفر” وجلسة “تعزيز تجربة العملاء من خلال الذكاء الاصطناعي”.
وبالإضافة إلى ذلك، تناول تحالف الضيافة المستدامة أهمية حماية المواقع وسبل العيش والمجتمعات التي تقع فيها الفنادق كجزء من جلسة بعنوان “تحقيق صافي الضيافة الإيجابية”.
وخلال الجلسة الافتتاحية للمعرض تطرق نخبة من أبرز قادة السياحة والاقتصاد من الشرق الأوسط لاحتياجات صناعة السفر للتكيف مع معالجة أزمة تغير المناخ وتلبية اللوائح الحالية من خلال تنفيذ سياسات وأموال ودعم مستدام جديد.
وبحث سوجيت موهانتي رئيس المكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من الكوارث الطبيعية للدول العربية ووليد نصار وزير السياحة اللبناني وعبدالرزاق عربيات مدير عام هيئة تنشيط السياحة الأردنية الدور الحاسم الذي تلعبه صناعة السياحة.
وتتزامن هذه العملية مع استعداد دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 28) في وقت لاحق من هذا العام.
وأوضح موهانتي أن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث يعمل بشكل وثيق مع الحكومات والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 22 دولة عربية للحد من مخاطر الكوارث.
وأشار خلال حديثة إلى أن الخسائر الاقتصادية جراء ذلك بلغت 2.97 تريليون دولار في السنوات العشرين الماضية.
وقال إن “صناعة السياحة تخسر مبلغا هائلا من المال بسبب هذه المخاطر، لذلك فإن العائد على الاستثمار واضح، وهو الاستثمار الآن للمساعدة في حماية المستقبل”.
وكان قطاع الطيران من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا بالأزمات، حيث تقدر الخسائر التي تكبدها بسبب الجائحة بنحو 10 في المئة من إجمالي خسائر اقتصادات العالم، والتي تجاوزت 21 تريليون دولار.
ويرى نصار أنه رغم التحديات السياسية والاقتصادية فقد استقبل لبنان مليوني سائح صيف العام الماضي ربعهم من السياح الدوليين.
وقال “السياحة الريفية شهدت دفعة قوية نتيجة للنمو في أعداد الزوار وهي منطقة سياحة الأكثر استدامة، وبالتالي أكثر ملاءمة لأزمة تغير المناخ”.
وأضاف “حقق قطاع دور الضيافة نموا ملحوظا في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية في لبنان، حيث قمنا بتأسيس نقابة تضم أكثر من 150 دار ضيافة بهدف تشجيع السياحة في المناطق النائية”.
وينسحب الأمر كذلك على الأردن وأيضا دول عربية أخرى مثل مصر وتونس والمغرب وسلطنة عمان، والتي تعمل بجد لتنظيف القطاع بشكل تدريجي.
وأكد عربيات أن بلاده تعد واحدة من أعلى البلدان مرتبة في المنطقة على مؤشر الاستدامة البيئية (يورومونيتور)، ويُعد تثقيف كل من الشركات والمسافرين حول كيفية مساهمتهم في البصمة الكربونية إحدى الأولويات الرئيسية بالتوازي مع قطاع التعليم.
وقال إن “الحكومة تقدم حوافز للفنادق والشركات وأصحاب المصلحة الآخرين لتشجيع الممارسات المستدامة”.
واعتبرت دانييل كيرتس مديرة المعرض أن الإستراتيجيات التي تمت مناقشتها خلال الجلسة الافتتاحية تعد انطلاقة مثالية “في الوقت الذي نستكشف فيه مستقبل السفر المستدام تماشيا مع شعار المعرض لهذا العام العمل نحو الوصول إلى صافي الصفر”.
وفي دراسة نشرت قبل فترة اعتبر المجلس الدولي للنقل النظيف (آي.سي.سي.تي) أن انبعاثات قطاع الطيران بالأرقام المطلقة يجب أن تبدأ في الانخفاض قبل نهاية العقد، وإذا أمكن قبل عام 2025، للبقاء “ضمن هوامش” اتفاق باريس المناخي الموقع عام 2015.
وحسب تقديرات خبراء آي.سي.سي.تي ستكون “التدخلات السريعة والقوية والمستدامة” من الحكومات ضرورية في حال اعتماد هذا النموذج “لإطلاق استثمارات ضخمة في أجهزة ووقود عديمة الانبعاثات”.
وفي هذه الحالة، فإنه في عام 2050 ستنخفض انبعاثات الكربون في الهواء بنسبة 94 في المئة مقارنة بمستويات عام 2019.
وأيدت شركات الطيران المنضوية ضمن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.
ولتحقيق ذلك، تعتمد الشركات بنسبة 65 في المئة على وقود الطيران المستدام، لكن أيضا على كفاءة تشغيلية أفضل على صعيد المسارات والعمليات الأرضية وما إلى ذلك، وكذلك على نظام احتجاز الكربون وتداول حصص الانبعاثات.
وحاليا ثمة ما يزيد على 50 في المئة من رحلات الطيران العالمية تقطع مسافة أقل من 1111 كيلومترا، لكنها لا تمثل سوى واحد في المئة فقط من إجمالي مسافة الطيران على مستوى العالم.
وتشمل الابتكارات المطلوبة مخصصات لمجموعة الدفع والحركة مثل المحركات الكهربائية وخلايا الوقود أو التوربينات المعدلة والانتقال إلى الوقود الخالي من الكربون.
وهذه الابتكارات ممكنة من الناحية التقنية وقد جربت طائرات جديدة كثيرة وأثبتت نجاحها في الرحلات الجوية للمسافات القصيرة، غير أنه لم تطرح أي منها للاستخدام التجاري حتى الآن.
ورغم أن المستثمرين سيلعبون دورا كبيرا لترسيخ هذا الاتجاه، إلا أن الأمر يحتاج إلى سياسة وقواعد تنظيمية قوية في النهاية من أجل إثبات أن هذه التقنيات آمنة.