العالم في جولة جديدة لمعالجة أزماته الاقتصادية المركبة

تتجه الأنظار إلى واشنطن التي تحتضن اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي من المتوقع أن تكون نقاشاتها أكثر سخونة قياسا بما هو عليه الحال في السابق، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية المركبة كونها تحتاج إلى حلول فعالة لمعالجتها من جذورها.
واشنطن - تبدأ الثلاثاء أعمال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في العاصمة الأميركية واشنطن بهدفين أساسيين هما مساعدة الدول التي تواجه تبعات التغير المناخي، وتقديم المعونة للدول المدينة.
وتأتي اجتماعات 2024 مع تفاقم التوترات في الشرق الأوسط بينما يحبس العالم أنفاسه خشية اتساع الصراع بعد هجوم إيراني نادر على إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي.
وسيكون نشر صندوق النقد لتوقعاته المحدثة للاقتصاد العالمي بمثابة انطلاقة لن تطغى عليه مسألة خلافة المديرة العامة للمؤسسة الدولية المانحة كريستالينا جورجيفا التي مددت ولايتها الجمعة الماضي، لخمس سنوات على رأس المؤسسة المالية.
وستطبع هذه اللقاءات أجواء خاصة لأنها تصادف أيضا الذكرى الثمانين لتأسيس المؤسسات المنبثقة من مؤتمر بريتون وودز الذي عقد في يوليو 1944 حتى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وإذا كانت التحديات المالية ضخمة حينها مع عملية إعادة إعمار أوروبا وجزء من آسيا، فإن التحديات التي على صندوق النقد والبنك الدوليين مواجهتها الآن لا تقل أهمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمساعدة في تمويل مكافحة المناخ الذي سيكون في صميم النقاشات.
وقال رئيس البنك الدولي أجاي بانغا خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت نهاية الأسبوع الماضي، “هناك حاجة واضحة لتحسين سريع لفرص الحصول على هواء وماء نظيفين والطاقة لكننا لن نتمكن من الحد من الفقر في غياب رؤية شاملة”.
وأوضح بانغا أن “المرحلة الأولى هي فتح مجال البنك الدولي للاستجابة لهذه الحاجة، وبالتالي إيجاد عالم خال من الفقر على كوكب صالح للعيش”.
ويظل توفير التمويل نقطة مركزية للمساعدة في التحول في مجال الطاقة والاستعداد لآثار ظاهرة الاحتباس الحراري في البلدان النامية أو البلدان الأقل نموا.
والواقع أن الأمر يتطلب المليارات من الدولارات، وبالنسبة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين تبدو الأمور واضحة، وهي عدم إمكانية المؤسستين تغطية كل الموارد المطلوبة.
لكن الأمر ليس مجرد مسألة وسائل بالنسبة إلى الأستاذة المتخصصة في سياسة المناخ بجامعة أكسفورد رايتشل كايت، والتي ترى أن “من الضروري أن يكون هناك تعاون قوي” بين صندوق النقد والبنك الدولي والبنوك التنموية الإقليمية على مستوى الدول.
ونسبت وكالة فرانس برس إلى كايت قولها إن “هذا ينطوي (على وجه الخصوص) على ترشيد الإجراءات والعمليات”.
وبالإضافة إلى المناخ، فإن مسألة ديون البلدان الناشئة أو النامية ستكون مرة أخرى في صميم النقاشات في وقت تتعثر المفاوضات بين الدائنين والبلدان المدينة في عدد من الحالات، مما يزيد من تأخر تنفيذ خطط المساعدة لصندوق النقد الدولي وتوفير الأموال.
وقال مصدر قريب من الملف لفرانس برس إن “المشكلة الأساسية هي أن الصينيين لا يتفقون بالضرورة في ما بينهم على الإجراء الواجب اتباعه. وليست لديهم رؤية دقيقة عما أقرضوه ولأي جهة، بسبب تعدد الجهات الفاعلة”.
وستكون القضية على وجه الخصوص مدرجة على جدول اجتماع الطاولة المستديرة المخصص للديون السيادية العالمية والذي سيعقد الأربعاء ويضم كما في النسخات السابقة، المؤسسات المالية وممثلي الدائنين الرئيسيين من الناحيتين الثنائية والخاصة والبلدان المدينة.
وبات هذا الموضوع أكثر أهمية لعدد من البلدان، بعد الزيادة في معدلات الفائدة من البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية، ولاسيما الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبنك المركزي الأوروبي، للتصدي للتضخم الكبير في العامين الماضيين.
وساهم تواتر تشديد السياسة النقدية منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية منذ أواخر فبراير 2022 في زيادة كبيرة في كلفة الدين بالنسبة إلى البلدان المقترضة.
وحتى لو أن الخفض الأول للفائدة سيتم هذا العام، ستكون على الأجل الطويل عند مستوى أعلى مما كانت عليه خلال العقد الماضي، وهو رأي أجمع عليه كثيرون، الأمر الذي يشكل تحديا إضافيا للدول التي تنفق أحيانا أكثر من ثلث إيراداتها لسداد خدمة ديونها فقط.
وقالت كليمانس لاندرز الباحثة في مركز التنمية العالمي خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف الخميس الماضي، “يمثل هذا الأمر مشكلة بالنسبة إلى دول عدة ستواجه تجديد ديونها باليورو المستحقة في عام 2024”.
وأضافت أن “في حال لم يتم تخفيف شروط التمويل على المستوى العالمي، قد يتحول ذلك إلى مشكلة حقيقية”.
وعشية انطلاق اجتماعات الربيع، نشر البنك الدولي تقريرا أكد فيه أن فجوة الدخل بين نصف دول العالم الأكثر فقرا وبين أغنى الاقتصادات تتسع لأول مرة هذا القرن في تراجع تاريخي للتنمية.
وجاء في التقرير أن الفارق بين نمو دخل الفرد في الدول الأكثر فقرا، وعددها 75 دولة، وبين الدول الأكثر ثراء اتسع على مدى السنوات الخمس الماضية.
وقال أيهان كوسي، نائب كبير خبراء الاقتصاد في البنك وأحد معدي التقرير، لرويترز “لا نرى تقاربا لأول مرة. إنهم يزدادون فقرا”. وأضاف “نرى تراجعا هيكليا خطيرا جدا، وانعكاسا في العالم، ولهذا السبب ندق ناقوس الخطر”.
وذكر البنك في التقرير أن البلدان الخمسة والسبعين المؤهلة للحصول على منح وقروض بدون فوائد من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك معرضة لخطر ضياع عشر سنوات من التنمية ما لم تجر تغييرات طموحة في السياسات وتتلق مساعدات دولية كبيرة.
وأشار كوسي إلى أن النمو بدأ يتراجع بالفعل في العديد من الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية قبل جائحة كوفيد – 19، لكنه سيبلغ 3.4 في المئة فقط في الفترة من 2020 إلى 2024، وهو أضعف معدل نمو في خمس سنوات منذ أوائل التسعينات.
وأكد أن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتغير المناخ، وزيادة أعمال العنف والصراعات أثرت بشكل كبير على آفاق تلك الدول.
ويقع أكثر من نصف هذه الدول في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، و14 منها في شرق آسيا، وثمانية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
ويقل دخل الفرد في 31 منها عن 1315 دولارا سنويا. ومن بين هذه الدول جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وهايتي.
وشدد كوسي على أن هناك حاجة إلى سياسات طموحة لتسريع الاستثمار بما يشمل بذل جهود محلية لتعزيز السياسات المالية والنقدية والقيام بإصلاحات هيكلية لتحسين التعليم وزيادة الإيرادات المحلية.