العالم العربي يخذل الطفولة
يقول عالم النفس الأميركي جون واطسون “أعطني إثني عشر طفلا أصحاء وسليمي التكوين، وهيئ لي الظروف المناسبة لعالمي الخاص لتربيتهم، وسأضمن تدريب أي منهم، بعد اختياره بشكل عشوائي، لأن يصبح أخصائيا في أي مجال، فيكون طبيبا أو محاميا، أو رساما، أو تاجرا أو حتى شحاذا أو لصا، بغض النظر عن مواهبه وميوله ونزعاته وقدراته وحرفته وعرق أجداده”.
مقولة واطسون جعلتني أطرح أكثر من استفهام حول البيئات التي أصبح يتربى فيها معظم الأطفال العرب وينشؤون، فداخل أغلب الأسر تسود أجواء مشحونة بالتوتر ومليئة بالضغوط بسبب كثرة أعباء العمل ووتيرة الحياة السريعة، مما جعل الطفل أكثر عرضة للتعنيف المادي والمعنوي من قبل والديه.
علاوة على ذلك فالطفل العربي قد أصبح يواجه العديد من الضغوط والمؤثرات المختلفة، لعل أكثرها خطورة، الحروب والصراعات التي ساهمت في تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال والانقطاع المبكر عن الدراسة.
وقد بات من المألوف أن نرى في شوارع ومدن العواصم العربية صغارا دفعهم الفقر واليتم وغياب السند إلى العمل في مهن شاقة تقصم ظهورهم بصعوبتها وتدمي طفولتهم البريئة وتضر بصحّتهم ونموّهم.
ويجري مثل هذا الأمر على مرأى ومسمع من الحكومات التي يتناحر أعضاؤها على المناصب والكراسي ويسود في مختلف هياكلها الإدارية الفساد والمحسوبية، فيما تعاني مجتمعاتها من الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية.
ويكفي أن نشير إلى تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” الذي كشف أن حوالي 25 بالمئة من الأطفال في العالم العربي ما بين سن الخامسة والسابعة عشرة، إما أنهم لم ينخرطوا في التعليم بالمرة وإما أنهم انقطعوا عن دراستهم في مرحلة من المراحل، لندرك حجم الضياع الذي يهدد الطفولة في عالمنا العربي.
ما أبعد ما جاء في ميثاق حقوق الطفل الذي تحتفل به سنويا العديد من الدول العربية الموقعة عليه، في حين أن معظم حكوماتها لا تحفل بقضايا الطفولة ولا تضعها في أذهانها عندما تضع القرارات السياسية. ماذا نتوقع أن يكون الأطفال حينما يتعرضون إلى أشكال مختلفة من التعذيب ويحرمون من إحدى سبع خدمات أساسية، وهي المأوى والماء الصالح للشرب والتعليم والمعرفة والغذاء والرعاية الصحية والصرف الصحي؟
صحيح أن الجينات تؤثر في شخصية الإنسان وسلوكياته وطباعه، لكن هناك الكثير من الروابط التي تحدد نزعته السلوكية عندما يكون طفلا، وهذا يعني أن جميع العوامل الاجتماعية والعاطفية والاقتصادية تعتبر عاملا حاسما في تطور ونمو شخصيته، وما يعيشه الطفل في الصغر ينبئ بشخصيته عند الكبر ويحدد ملامح مستقبله.
وقد أكد خبراء علم النفس أن الضغوط النفسية المتزايدة على الأطفال، يمكن أن تؤدي إلى إصابتهم بتغيرات هرمونية، واضطرابات التهابية وضعف التمثيل الغذائي، مما يؤثر على صحتهم في مراحل لاحقة من أعمارهم، وهذه التغيرات الفسيولوجية يمكن أن تساهم أيضا مع مرور الوقت في تطور إصابة الأطفال بأمراض مختلفة، على رأسها الاكتئاب والسكري والقلب، بالإضافة إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية.
وتكشف أغلب حالات الانتحار التي أصبحت تقع في صفوف الصغار في المجتمعات العربية أن الوسط الأسري والاجتماعي عليل، وقد أصاب الأطفال بالاكتئاب النفسي إلى الحد الذي دفعهم إلى قتل أنفسهم.
ويكفي هنا أن نذكر بما قاله الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو “أيها الناس كونوا إنسانيين وأحبوا الطفولة وشجعوا ألعابها ولذائذها البريئة” كي لا يغادر الأطفال طفولتهم.
صحافية من تونس