العالم العربي يحبس أنفاسه على وقع نتيجة الانتخابات الأميركية دون معرفة أيهما أفضل: ترامب أم هاريس

واشنطن - تنتظر أغلب الدول العربية نتيجة الانتخابات الأميركية لكن من دون وضوح تام بشأن المرشح الذي تريده أن يفوز على عكس قوى إقليمية ودولية أخرى تعرف أن مصالحها ستكون مع الجمهوري دونالد ترامب أو مع الديمقراطية كامالا هاريس.
وتحافظ أغلب الدول العربية على علاقات متينة مع الولايات المتحدة، وعادة ما يميل بعضها، خاصة الدول الخليجية، إلى الجمهوريين باعتبار أن الديمقراطيين أكثر مرونة حيال إيران، إلا أن التوتر في المنطقة وشخصية ترامب المتقلبة يجعلان من الصعب الجزم بما إذا كان وصول مرشح الجمهوريين أفضل أم أسوأ.
وأشار محللون سياسيون إلى أن المشكلة تكمن في أن العرب لم يصبحوا قوة يمكن لأي مرشح في الانتخابات الأميركية أن يحسب لها حسابا، سواء في الماضي أو الحاضر، وأن العالم العربي، الذي لا يتحرك ككتلة، لا يمتلك رؤى واضحة ومتفقا عليها تجعل المرشح يضعها في حسابه سواء ما تعلق بالملف الفلسطيني أو بدور إيران وأذرعها في المنطقة.
وقال المحلل السياسي اللبناني خيرالله خيرالله لـ”العرب”: “في انتظار معرفة نتيجة الانتخابات الأميركية، يبدو العالم العربي أمام مجهولين، خصوصا أن ترامب من نوع الأشخاص الذين يصعب التكهن بردود أفعالهم، وهل أن ترامب في فترة رئاسته الأولى هو ترامب نفسه في ولايته الثانية، في حال فوزه؟”.
وأضاف خيرالله “أما كامالا هاريس فيخشى أن يكون عهدها امتدادًا لولايتي باراك أوباما الذي لم يكن لديه ود لكل ما هو عربي، وهذا ما يثير مخاوف كبيرة من محاولة أميركية جديدة لاسترضاء إيران، مع كل ما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على صعيد المنطقة”.
ولا تقتصر المشكلة على ضعف الموقف السياسي الرسمي في العالم العربي وعجزه عن التأثير في الانتخابات الأميركية، وإنما تشمل أيضا كون الناخبين الأميركيين من أصول عربية غير مؤثرين قياسا بالناخبين من أصول أخرى.
ويرى الكاتب العراقي فاروق يوسف أن “العرب هم الأكثر يأسا من نتائج الانتخابات الأميركية”، وهم “لا يشكلون قوة ضغط على الإدارة الأميركية، وهم السبب في ذلك، ولا ينفعهم سوى الالتفات إلى أنفسهم قبل أن يهتموا بالآخر”.
وأشار يوسف لـ”العرب” إلى أن “هاريس ستكون امتدادا لبايدن ومن قبله أوباما وليس في جعبة ترامب على الرغم من عدائه لإيران أي تحول يشي بقدر من الإنصاف في اتجاه العرب”، معتبرا أن الموقف الأميركي “الداعم لإسرائيل راسخ وازداد رسوخا وبطريقة لا أخلاقية في حرب غزة”.
ولم ترد تعليقات رسمية من الدول العربية على الانتخابات، خاصة الدول التي هي في تماس مباشر مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، سواء ما يخص سياسة الولايات المتحدة تجاه الموضوع الفلسطيني أو سياستها تجاه إيران وأمن الخليج، باستثناء تصريح أدلى به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي قال إن بلاده ليس لديها مرشح مفضل، مبديا الاستعداد للعمل مع أي فائز.
وقال الخبير المصري في الشؤون الدولية بشير عبدالفتاح إن المرشحين سينفذان سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وإن التعويل على اختلاف السياسات بين المرشحين ليس منطقيّا باعتبار أن الصراع الراهن مرتبط بأمن إسرائيل، وقد يكون هناك تباين في الرؤى بشأن التعامل مع الصراعات الراهنة مع الصين أو روسيا، لكن ذلك لا ينطبق على المنطقة العربية.
وأوضح لـ”العرب” أن الدول العربية بحاجة إلى التوحد حول رؤية للتعامل مع الرئيس الأميركي الجديد بغض النظر عن الطرف الفائز، وهي غير موجودة الآن والدليل على ذلك تصاعد التساؤلات حول هوية الطرف الذي يخدم مصالح الدول العربية بشكل براغماتي حسب أهداف كل دولة على حدة.
وتلتقي هاريس مع ترامب في الموقف الداعم لإسرائيل، وهي تدافع بشدة عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ويبدي ترامب دعما قويا لحروب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة ولبنان وقد يدعم هجوما أقوى وأشد على إيران.
وبخصوص الملف الإيراني يظهر كلاهما موقفا متشددا، لكن ترامب اتهم إدارة بايدن بالسماح لطهران، العدو اللدود لواشنطن، بـ”الإثراء” على الرغم من العقوبات، وبأن ضعفها سمح لطهران بمهاجمة إسرائيل مرتين. وأكد أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أيمن الرقب أن “الخيارين سيئان بالنسبة إلى العرب والقضية الفلسطينية، وأن الدولة العميقة تعد صاحبة القرار في الولايات المتحدة”.
وأوضح أن “الديمقراطيين يسعون بشكل مستمر إلى تجميل صورة الولايات المتحدة ويتبنون مواقف يؤيدها العرب لكنهم في النهاية لا ينفذونها”، مشيرا إلى أن خطورة ترامب تكمن في وعده الجالية اليهودية في أميركا بتوسيع نطاق دولة إسرائيل، وهو ما قد يقود إلى تصادم مع الدول العربية.
وبعيدا عن الملف الفلسطيني، الذي يشترك ضمنه المرشحان في الموقف الداعم لإسرائيل، يعتبر محللون آخرون أن ترامب أكثر وضوحا من الديمقراطيين بايدن وأوباما، وأنه لا يميل إلى الغموض كما يفعل الديمقراطيون.
وقال أمين صوصي علوي، الباحث المغربي في الإعلام والقضايا الجيوسياسية، إن ترامب اعتمد سياسات واقعية كانت لصالح العالم العربي، حيث أوقف مسلسل ثورات “الربيع العربي” وقطع دابر داعش، وأنهى تقدم الإخوان المسلمين، وكان وجوده على رأس الإدارة الأميركية لصالح المغرب بدعم سيادته على الصحراء. ولفت أمين صوصي علوي، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن المكون العربي داخل أميركا يدرك أن مشروع ترامب هو الأقرب إلى مصالح العرب رغم خطاباته الشعبوية.
وتوقع المحلل السياسي والإعلامي الجزائري حكيم مسعودي أن تحتكم العلاقات الجزائرية – الأميركية إلى البراغماتية في مجالات محددة، منها الثابتة على غرار مجالات التعاون والشراكة الاقتصادية، وهي تخدم التوجه الجزائري العام لتنويع الشركاء الاقتصاديين، ومنها المتغيرة القائمة على تحالفات ظرفية على غرار ملف مكافحة الإرهاب.
وأضاف لـ”العرب” أن الثابت في العلاقات الجزائرية – الأميركية هو الفصل بين الملفات حفاظا على المصالح الإستراتيجية، خاصة ما تعلق منها بالشراكة في مجال الطاقة، في حين ستبقى الخلافات كامنة في السياسة الخارجية، مشيرا إلى أن سوابق ترامب في ملف الصحراء تجعل الجزائر تتوجس من توجهاته فيه، لاسيما بعد الخطوة التي أقدم عليها خلال عهدته السابقة حينما أعلن اعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء.
اقرأ أيضا:
• الولايات المتحدة تختار رئيسها بعد حملة مليئة بالأحداث والتوتر