العائدات الكبيرة للنفط تمول ازدهار الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط

يجذب الاهتمام المتزايد للشرق الأوسط بتنمية الطاقة المتجددة أنظار الخبراء والمحللين الذين يقفون على واقع المسار الذي اتخذته دول المنطقة من خلال عمليات الاستثمار الضخمة التي تخطط لتنفيذها في السنوات المقبلة مستفيدة من العائدات الضخمة للنفط ، بما يدعم إستراتيجيتها للحياد الكربوني.
الرياض - ارتفعت أسعار النفط على مدار العام الماضي إلى أعلى مستوياتها خلال سنوات في تحول خيالي لم يتنبأ به كثيرون، وكانت مدعومة بالطلب القوي بعد أزمة كوفيد والتخفيضات المفاجئة لإنتاج أعضاء أوبك+ والاضطراب الناجم عن الحرب في أوكرانيا.
ومنحت المكاسب غير المتوقعة من البترودولار دفعا قويا لاقتصادات دول الخليج العربي التي تضررت في السابق، مما مكّن بعضها من سداد ديونها والأخرى من تنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط.
وأصبحت جميع دول الخليج العربي الست في طريقها إلى تحقيق فوائض في ميزانيتها، وشهد العديد منها هذا الإنجاز لأول مرة منذ عقد بفضل ارتفاع أسعار النفط وسنوات من الإصلاحات المالية العامة.
لكن الفوائد لن تقتصر على عمالقة النفط العرب. وتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره نموا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 3.5 في المئة في 2023، أي أكثر من ضعف متوسط معدل النمو العالمي البالغ 1.7 في المئة.
ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة إنتاج النفط. ومن المتوقع أن يستقر النمو في دول الخليج عند 3.7 في المئة هذا العام بعد أن نما بنسبة 6.9 في المئة سنة 2022.
ويرى أليكس كيماني الكاتب المالي المخضرم في منصة “أويل برايس” الأميركية أن التنويع والاستدامة يبدوان أمرين مهمّين بالنسبة إلى حكومات المنطقة التي وضعت أجندات تحول لجعل اقتصاداتها تكتسب زخما كبيرا في السنوات المقبلة وعلى أسس متينة.
وكانت المحروقات أساس اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعقود. لكن تغير المناخ والتقلبات الشديدة في أسعار النفط أجبرت دول الخليج على إعادة تنويع اقتصاداتها بعيدا عن الوقود الأحفوري.
وفيما تسعى الكثير من الدول العربية للتحول الأخضر في مقدمتها المغرب والإمارات وأيضا العراق وسلطنة عمان وتونس وبدرجة أقل ليبيا ولبنان، قال كيماني الباحث في منصة سيف هافن دوت كوم إن “السعودية أصبحت رائدة في هذا الاتجاه”.
وأحدث وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ضجة في المجتمع النفطي مؤخرا حين أخبر منصة بلومبرغ أن بلاده تعتزم ضخ النفط حتى آخر قطرة وأنها ستكون آخر المصنّعين في القطاع.
كما أن للرياض واحدة من أكثر مشاريع الطاقة النظيفة طموحا، وهي رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الاقتصادية 2030.
وحددت الحكومة في الخطة الاقتصادية هدفا لتطوير ما يقرب من 60 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول نهاية هذا العقد، أي ما يقارن بالقدرة المركبة التي تبلغ 80 غيغاواط تقريبا من محطات الطاقة التي تحرق الغاز أو النفط.
وقد أحرزت السعودية حتى الآن تقدما محدودا في نشر مصادر الطاقة المتجددة باستخدام 300 ميغاواط فقط من الطاقة الشمسية على نطاق المرافق في حين تبقى 400 ميغاواط من طاقة الرياح قيد الإنشاء.
وتتمتع السعودية بمساحات واسعة تصلها أشعة الشمس ورياح البحر الأحمر، مما يجعلها مثالية لتوليد الطاقة المتجددة.
وسببت شركة أرامكو النفطية خلال العام الماضي صدمة في أسواق الغاز الطبيعي حين أعلنت عن إطلاق أكبر مشروع للغاز الصخري خارج الولايات المتحدة.
◙ 60 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول نهاية هذا العقد هي هدف السعودية في أجندتها الاقتصادية
وقالت إنها تخطط لإنفاق 110 مليارات دولار على مدى العامين المقبلين لتطوير حقل غاز الجافورة الذي تُقدّر احتياطياته بنحو 200 تريليون قدم مكعبة قياسية.
وتخطط الشركة لبدء إنتاج الغاز الطبيعي من الجافورة في 2024 مع رفع الإنتاج تدريجيا ليصل إلى 2.2 مليار قدم مكعبة يوميا بحلول 2036.
وتتوقع السعودية إنتاج 550 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز والمكثفات، و425 مليون قدم مكعبة يوميا من غاز الإيثان.
ويُذكر أن الشركة أعلنت قبل عامين أنها ستحول هذا الغاز إلى وقود أنظف، وهو الهيدروجين الأزرق، بدلا من تبريده وتصديره في شكل غاز طبيعي مسال.
وأبلغت أرامكو المستثمرين أنها تخلت عن خططها الفورية لتطوير قطاع الغاز الطبيعي المسال لصالح مشروع الهيدروجين.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر إن “خطة بلاده الفورية تكمن في إنتاج ما يكفي من الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي لوقف حرق النفط في محطات توليد الكهرباء وتحويل الباقي إلى هيدروجين”.
ويتكون الهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي إما عن طريق الإصلاح البخاري للميثان أو الإصلاح الحراري التلقائي مع التقاط ثاني أكسيد الكربون المتولد وتخزينه. ويخفف التقاط الغازات الدفيئة من تبعاتها البيئية على مستوى الكوكب.
وأرسلت أرامكو أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم من السعودية إلى اليابان خلال العام الماضي.
وتبحث اليابان، التي تجعلها تضاريسها الجبلية وطبيعة نشاطها الزلزالي غير مناسبة لتطوير الطاقة المتجددة المستدامة، عن مصدّرين موثوقين لوقود الهيدروجين، وتضع المملكة وأستراليا في قائمتها المختصرة.
كما تعمل الحكومة السعودية على بناء محطة هيدروجين خضراء قيمتها 5 مليارات دولار لتشغيل مدينة نيوم الضخمة عند افتتاحها سنة 2025.
وسيستخدم مصنع الهيدروجين، الذي يطلق عليه اسم هيليوس غرين فيولز، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد 4 غيغاواط من الطاقة النظيفة التي ستستخدم لإنتاج الهيدروجين الأخضر. ويمكن أن تنتج شركة هيليوس قريبا هيدروجينا أخضر أرخص من النفط.
وتقدّر بلومبرغ نيو إنيرجي فاينانس أن تكاليف شركة هيليوس يمكن أن تصل إلى 1.50 دولار للكيلوغرام بحلول 2030.
وسيكون ذلك السعر أرخص من متوسط تكلفة الهيدروجين الأخضر البالغ 5 دولارات للكيلوغرام وحتى أرخص من الهيدروجين الرمادي المصنوع من تكسير الغاز الطبيعي.
وتتمتع السعودية بميزة تنافسية في تجارة الهيدروجين الأخضر بفضل أشعة الشمس الدائمة والرياح البحرية والمساحات الشاسعة من الأراضي غير المستخدمة.
وأكّدت ألمانيا حاجتها إلى كميات هائلة من الهيدروجين الأخضر، وتأمل أن تصبح السعودية مصدّرا رئيسيا له. والتزم مجلس الوزراء الألماني قبل عامين باستثمار 9 مليارات يورو في تكنولوجيا الهيدروجين في محاولة لإزالة الكربون.
واقترحت الحكومة بناء قدرة تحليل كهربائي تبلغ 5 آلاف ميغاواط بحلول 2030 و5 آلاف ميغاواط أخرى بحلول 2040 على مدى العقد التالي لإنتاج وقود الهيدروجين.
وقال كيماني “لقد أدركت القوة الاقتصادية الأوروبية عدم قدرتها على العمل بمفردها وحاجتها إلى مصدّرين منخفضي التكلفة مثل السعودية خاصة بعد أن ضاعفت التزاماتها الخضراء”.
ووضعت الإمارات أساسا قويا لانتقال الطاقة على خطى جارتها السعودية. وتعمل شركة مصدر، وهي ذراع الطاقة النظيفة لصندوق مبادلة، على بناء قدرات متجددة في آسيا الوسطى بعد توقيع صفقة في أبريل 2021 لتطوير مشروع للطاقة الشمسية في أذربيجان.
وكوّنت مصدر منذ إنشائها في 2006 مجموعة من أصول الطاقة المتجددة في 30 دولة مختلفة، واستثمرت نحو 20 مليار دولار لتطوير 11 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وقدرات تحويل النفايات إلى طاقة.
وتقول اليوم إنها تعتزم تطبيق الدروس التي استخلصتها من الخارج لتطوير قدرة الطاقة النظيفة داخل حدودها.
وقال محمد جميل الرمحي الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل إن “الإمارات ستشهد تطبيقات للحلول التي طوّرتها مصدر في عملياتها الدولية”.
وتخطط الشركة على سبيل المثال لتعزيز موارد الرياح التي تعدّ ضعيفة نسبيا في الإمارات عبر تطوير مزارع محلية من توربينات تولّد الكهرباء حتى عند انخفاض سرعة الرياح.
كما تبني الشركة منشأة بقيمة 1.1 مليار دولار لحرق النفايات وتوليد الطاقة لتكون واحدة من أكبر المحطات من نوعها في العالم. وستحرق المصانع حوالي ثلثي النفايات المنزلية في الدولة سنويا.
ولا تعتبر محطات تحويل النفايات مصدرا نظيفا للطاقة في العادة، لكنها أكثر نظافة من بعض الخيارات حسبما يؤكّد برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
◙ المليارات من الدولارات رصدتها الإمارات لتنويع مزيج الكهرباء بين الإنتاج النووي وحرق النفايات ومزارع للشمس والرياح
وتشمل المنشآت المذكورة تقنيات متطورة لحرق النفايات في درجات حرارة عالية تضمن احتراقها الكامل، بما لا يسبب نسبة كبيرة من الانبعاث الثانوية السامة مثل الرماد المتطاير.
وأبرزت الاختبارات أن الهواء المنبعث من مداخن معينة لتحويل النفايات إلى طاقة يمكن أن يكون أنظف من الهواء المتدفق إلى الداخل.
وكانت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية قد بدأت خلال العامين الماضيين في تشغيل محطة براكة النووية، حيث أنهت بنجاح تشغيل ثلاثة مفاعلات قدرتها مجتمعة 4200 ميغاواط.
وستبلغ القدرة الإنتاجية للمحطة مع اكتمال تشغيل المفاعلات الأربعة حوالي 5600 ميغاواط، أي ما يعادل ربع احتياجات الإمارات من الكهرباء النظيفة.
وتوفر المحطة اليوم كهرباء ثابتة وموثوقة ومستدامة على مدار الساعة. وتقول مؤسسة الإمارات للطاقة النووية إنها تقود أكبر جهد لإزالة الكربون في البلاد.