"الظل في عيني".. حكاية مؤلمة لقصف مدرسة النازيين المزعومة

الفيلم يقدم صورة مقربة وقصة واقعية عن حادثة الإجهاز على مدرسة ابتدائية في العاصمة الدنماركية إبان الاحتلال النازي.
الأحد 2022/03/20
قصة مأساوية وإنسانية مؤثرة

ما تزال قصص الحروب وخاصة الحرب العالمية الثانية من القصص المفضلة التي تجد فرصتها في العديد من الأفلام السينمائية وخاصة تلك القصص الأكثر إنسانية وعاطفية والتي تحكي تفاصيل الحياة غير المرئية والعذابات التي كانت قد واجهتها شريحة من الضحايا وخاصة العائلات والنساء والأطفال.

ويقدم فيلم “الظل في عيني” للمخرج الدنماركي أولي بورميدال قصة مأساوية وإنسانية مؤثرة ما هي إلا صورة مقربة وقصة واقعية عن حادثة الإجهاز على مدرسة ابتدائية في العاصمة الدنماركية إبان الاحتلال النازي وعن طريق الخطأ على أساس الظن أنها تضم مقرا للاستخبارات النازية.

يبدأ الفيلم من ثيمة مهمة ومؤثرة وهي ثيمة الأطفال ضحايا الحرب والذين يجدون أنفسهم في مواجهة هول شاسع ولا حدود له وهمجية تقتلع الناس من جذورها وتلقيها في جحيم الحرب بلا أدنى رحمة.

في المشاهد الأولى هنالك الفتى هنري (الممثل بيترامبيسغارد) الذي سوف يظهر راكبا دراجته الهوائية عبر الحقول ليشهد كارثة قصف طائرة عسكرية سيارة تحمل ثلاث فتيات وسائقهن العجوز فتمزقهم جميعا ويكون المشهد بمثابة صدمة هائلة بالنسبة إلى هنري تنتهي به إلى العجز عن الكلام من جراء الصدمة.

الفيلم يرسم الأجواء القاتمة والعذابات الإنسانية للحرب ببراعة لافتة للنظر عبر مشاهد مصنوعة بدقة وجمالية عاليتين

لم يكن هنري إلا شاهدا على فظاعة الحرب بكل أبعادها وهي تتغلغل حتى إلى مستوى القرى النائية، لكن ها هو قد أسس لتحول حاسم من خلال فشل محاولات والدته دفعه للكلام وكذلك فشل الطبيب النفسي لأن كل ما كان يريد أن ينطق به ويرويه هو قصة مقتل الفتيات أمام عينيه لكن الحل سوف يكون بإلحاقه بمدرسة في كوبنهاغن برعاية خالته.

على الجانب الآخر تكون الحرب الطاحنة مشتعلة بينما تتولى قوات بريطانيا العظمى الجوية حماية سماء الدنمارك والمساعدة في تنفيذ الحملات الجوية وواحدة منها عملية قصف مقر للنازيين في قلب كوبنهاكن، وهو ما يجري الإعداد له بينما تمضي قصة الفيلم في تتبع نماذج عديدة من الشخصيات.

هنالك بالطبع من شوشت الحرب عقولهم فضاعوا تحت ضغوطها ومنهم فريديك (الممثل أليكس هندرسون) الذي أصبح شرطيا عميلا لصالح النازيين وهم يتصيدون المقاومة الدنماركية وهو الذي يقدم لنا تلك الشخصية المضطربة بالتزامن مع نظرة الكراهية التي يكنها والده له بوصفها خائنا.

وفي موازاة ذلك هنالك الحياة اليومية للطلاب والتلاميذ الذين يمضون يومهم في ذات المبنى الذي تم ترشيحه للقصف بدعوى أنه مقر للنازيين، بينما هو في الحقيقة ليس إلا مدرسة ابتدائية، فيما يشهد أولئك الأطفال بين حين وآخر ما هو مروع من عمليات ملاحقة للمقاومين وإعدامهم في الشارع وهو ما سوف تعيشه الطفلة ريغمور (الممثلة ايستر بريش) وهي تشهد مقتل مقاوم في الشارع مما يشكل صدمة بالنسبة إليها تجعلها عاجزة عن تناول الطعام.

تستحق الطفلة ريغمور والفتى هنري علامتين فارقتين في هذه الدراما الفيلمية المروعة فمن خلال نظرتيهما وما عاشاه من أهوال الحرب سوف تتجسم أمامنا مهارات مبكرة وأداء متميز لاسيما مع تدمير المبنى وما تبعه من محاولات إنقاذ وما يقوم به هنري من تسجيل لأسماء الضحايا أو المصابين والذهاب بها إلى مسرح المدينة لإخبار العائلات التي تنتظر معرفة مصير أبنائها في أجواء من الترقب والرعب.

تلك الرحلة التي يقطعها هنري طيلة اليوم وهو المغطى بتراب الانفجار عمقت الدراما الفيلمية لاسيما مع عودة فريديرك إلى أسرته وقد تخلى عن العمل لدى النازيين وما رافق ذلك من علاقة إشكالية نشأت بينه وبين الراهبة تيريسا (الممثلة فاني بورنيدال) التي تثير شخصيتها الكثير من الحيرة وكيف استطاعت أن تنتشل فريديريك من مأزقه الذاتي بوصفه شيطانا لدى النازيين، ثم ها هو يلتقي تيريزا لقاء النهاية المأساوية تحت الأنقاض فيما هو يحاول إنقاذها لتتجه هي لإنقاذ طفلة أخرى عالقة وسط الحطام.

يحمل الفيلم فضلا عن الإدانة للحرب تلك الأخطاء الكارثية والفوضى المصاحبة لعمليات القصف لأهداف خاطئة، ولهذا رسم تلك الأجواء القاتمة والعذابات الإنسانية ببراعة لافتة للنظر وقدم مشاهد مصنوعة بدقة ومنها مثلا مشهد انتظار والدة ريغمور سماع خبر عن ابنتها ثم قطعها المسافة ركضا باتجاه المنزل بينما تلوح أشباح سكان المدينة الذين يتراكضون مذعورين كل في اتجاه وكل يبحث عن ابنه أو ابنته وسط تلك الكارثة التي أودت بحياة العشرات من التلاميذ بسبب قصف الطيران للهدف الخاطئ.

عمد المخرج إلى سلسلة من التداعيات النفسية والعاطفية التي عبرت عنها الشخصيات ببراعة وإتقان من خلال ردود الأفعال وتجسيد صرخة الحرب غير المسموعة التي تفتك بالأفراد الذين لا يمتلكون القدرة على مقاومتها ثم وهم يصبحون من ضحاياها وهو ما غاص فيه المخرج عميقا من خلال مشاهد الخوف والترقب التي تم بناؤها بعناية بالغة.

تكاملت في هذا الفيلم العناصر الجمالية المرتبطة بالمكان والديكور والإكسسوار مع بناء صورة واستخدام مونتاجي تكاملا مع أداء الشخصيات ليقدم لنا قصة مؤثرة تضاف للعلامات الفارقة من الأفلام المتميزة التي تناولت الحرب العالمية الثانية من مقترب وجداني وإنساني.

14