الطشت قلي

مقارنة بـ"بوس الواوا" فإن "الطشت قلي" صارت بمثابة أيقونة كلاسيكية ولو قورن صوت عايدة الشاعر بصوت هيفاء وهبي لأعتبر واحدا من أرقى الأصوات.
السبت 2022/06/04
شتّان بين الأمس واليوم

حين غنت عايدة الشاعر "الطشت قلي" انتهى زمن "منديل الحلو يا منديل" وبدأ زمن التعثر بالأصوات الرديئة التي لا تخطئ البذاءة الطريق إليها تحت شعار "لكل جيل ذائقته" وهو ما أوصل محمد رمضان إلى حفلات أرقى العوائل. شعار مضلل أنهى بالضربة القاضية متعة الإنصات إلى أصوات صار الحديث عن عظمتها بمثابة إعلان براءة من العصر وهو ليس كذلك حتما.

وما يلفت النظر أن أصحاب الأصوات العميقة والقوية صاروا يستعيدون الأغاني القديمة ولا يملكون أغان خاصة بهم.

ظاهرة انتشرت في مواجهة الترويج القائم على ميزانيات مالية هائلة للغناء السطحي والمبتذل لمَن لا يملكون أصواتا ولا يصلحون حتى للغناء في الحمام والذين لو تقدموا لاختبارات الصوت بالمقاييس العلمية لفشلوا وبحثوا عن مهن أخرى غير الغناء.

كان عبدالحليم حافظ يومها يوصف بأنه صاحب صوت ضعيف فيما تحتل هيفاء وهبي اليوم مقعدا في الصف الأول للطرب في زماننا.

ولو عدنا إلى عايدة الشاعر فإن صوتها جذب رياض السنباطي وعلي إسماعيل الذي لحن لها عشرات الأغنيات من بينها "كايدة العذال أنا من يومي".  وشاركت الشاعر في فيلم "ثرثرة فوق النيل".

ولكنها رغم كثرة أغانيها لم تتحول إلى نجمة في ظل استمرار تدهور الأغنية العربية ومعه كانت الذائقة العامة تتدهور وهو ما كان شاهدا على انهيار الطبقة الوسطى التي كانت بمثابة الميزان الذي يحفظ توازن المجتمع.

يومها صعدت طبقة لم تكن تملك إلا المال الذي انتصر على الذائقة الرفيعة والناعمة والمهذبة والرقيقة لصالح الذائقة الهابطة بمفرداتها الخشنة والبذيئة فأصبح أحمد عدوية نجم كل المواسم بأغنيته "السح الدح امبو/ إدي الواد لأبوه".

هل كان الجمهور فعلا عايز كده أم أن حاجة الطبقة الأمية الصاعدة قد فرضت غناء لا يشعرها بالغربة عن الفن ويؤكد انتصارها؟ لقد وقعت يومها القطيعة بين الشعب المستسلم للإعلام وبين الثقافة الرفيعة بأبسط وأقل تجلياتها جمالا.

كان ذلك نوعا من التحول التراجيدي الذي تم من خلاله الإعلان عن خواء المجتمع وضياع بوصلته وهو ما مهد لصعود فتاة لا تملك أيّ نوع من الموهبة مثل هيفاء وهبي لتغني "بوس الواوا".

ومقارنة بـ"بوس الواوا" فإن "الطشت قلي" صارت بمثابة أيقونة كلاسيكية ولو قورن صوت عايدة الشاعر بصوت هيفاء وهبي لأعتبر واحدا من أرقى الأصوات.

سيسخر الكثيرون من كل هذا الكلام بشماتة وهم يرددون "قل للزمان ارجع يا زمان". وهم على حق. فما من شيء يشير إلى أن المريض العربي في طريقه إلى الشفاء.      

20